الإمارات .. نموذج فريد للتسامح والتعايش والحياة.

من شيخة الغاوي -. أبوظبي في 2 أكتوبر / وام

تؤكد ذاكرة التاريخ أن الإمارات حالة نموذجية فريدة على صعيد أخذها بقيم التسامح وتقبل الآخر ولا يمكن فهم هذه الميزة دون الأخذ بعين الاعتبار علاقاتها الحيوية التي تربطها مع جيرانها و العالم عبر التاريخ. فقد لعبت موانئ الإمارات البحرية وأسواقها التجارية منذ الأزل دورا محوريا في التبادلات الاقتصادية والثقافية وكانت قلب الشرق ومن أهم المراكز التجارية وبوابة عبور القوافل التاريخية.

وتوصف الإمارات بأنها وطن متعدد الثقافات يتمتع فيه المواطن والمقيم بحرية العيش والعمل في مناخ مضياف ومتسامح تسوده المودة والتراحم وتغلب عليه قيم الحوار والتعايش بين جميع الأعراق والأديان .

وهذا المناخ الحر والمنفتح كان سببا فيما تحظى به الإمارات من مكانة ودور سواء في نفوس المتواجدين فوق أرضها الطيبة من مواطنين ومقيمين أو في محيطها الإقليمي والدولي حيث كانت وما زالت القلب النابض بالود لكل راغب في العيش بطمأنينة وسلام والبوتقة التي تنصهر فيها شتى الأفكار والاتجاهات.

ويوجد على أرض هذا الوطن الطيب الكثير من الشواهد التاريخية والمادية والثقافية التي تدعم تلك الميزة التي تتمتع بها الإمارات مقارنة بالكثير من الدول حيث الأجواء الاقتصادية الحرة والثقافات المتعددة والقيم المنفتحة التي تمثل في ذاتها قيمة مضافة يمكن أن تستفيد بها الإمارات في توجهها ناحية التنويع الاقتصادي المستدام والنمو المرتكز على الإنتاجية وحرية العمل.

وتاريخيا كان اللؤلؤ يعتبر العمود الفقري لاقتصاد المجتمع الإماراتي وارتبطت به صناعة كانت تعد الصناعة الأولى في المنطقة إلى جوار كونها المهنة الأكثر اقترانا بأهل الإمارات وكانت القوة الشرائية لسكان الساحل تعتمد إلى حد كبير على مغاصات اللؤلؤ .

وازداد الطلب العالمي قبل عصر النفط على اللؤلؤ الأمر الذي جعل منه عماد الاقتصاد في الإمارات كما أصبح رافدا من أهم روافد الاقتصاد الاقليمي واشتهر اللؤلؤ الطبيعي الإماراتي بجودته وصفائه وبريقه في العالم بأسره .

و مع بداية القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين سجلت تجارة اللؤلؤ طفرة غير مسبوقة الأمر الذي ساهم في جذب آلاف الغطاسين وبقية العمال من مختلف الاختصاصات للعمل في هذا القطاع سواء من مناطق الامارات الداخلية أو من الدول المجاورة والصديقة وحلوا جميعا ضيوفا مكرمين معززين على مدن الساحل أو يمكن تسميتها مجازا "مدن اللؤلؤ" .

وساهم تدفق العمال والغطاسين وتجار اللؤلؤ من الداخل و العالم على المناطق الساحلية ونمو الثروة المتأتية من تجارة اللؤلؤ المزدهرة في تغيير منطقة الساحل .

**********----------********** وقد مهدت الحضارة التي بنيت على أساس اللؤلؤ للطفرة النفطية فقد تكاثرت القرى واكتظت المدن خاصة في أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة بالبشر وعاش الجميع في أمن وود وسكينة وطاب للجميع المقام في مدن الساحل المزدهرة .

وأصبحت مدن الساحل وبعض الجزر ورش عمل كبيرة تعج بآلاف البشر الذين قدموا من جميع أرجاء العالم للعمل في صناعة وتجارة اللؤلؤ قبل النفط .

ورغم الظروف الصعبة والمعاناة الكبيرة التي كان يعيشها العمال في هذا القطاع الحيوي آنذاك تمكنت الإمارات من الاستفادة من تلك الثروة الطبيعية الهامة في تلك الحقبة واستطاعت أن تضع الأسس الأولى لمكونات المجتمع المدني والدولة الحديثة.

وكون صناعة وتجارة اللؤلؤ جذبت آلاف البشر فقد لعبت دورا كبيرا في تغيير وتطوير نسيج المجتمع الإماراتي وفي الطفرة العمرانية الكبيرة التي شهدتها الإمارات فيما بعد والتي تجلت في مجالات التعليم والتوسع العمراني إذ ان مختلف المدن التي نراها اليوم قد تأسست في الأصل كمدينة للغوص خلال القرنين الثامن والتاسع عشر بما في ذلك دبي وأبوظبي والشارقة ورأس الخيمة.

وترتب على صيد اللؤلؤ بروز تجارة مهمة كانت عاملا في انفتاح الإمارات على العالم فقد كانت تجارة اللؤلؤ المهنة الأبرز في المنطقة منذ القدم حتى الحرب العالمية الثانية حيث كانت الإمارات تبيع اللؤلؤ وتصدره للدول مثل الهند .

وكان اللؤلؤ الإماراتي يصا إلى الدول الأوربية حتى قامت الحرب العالمية الثانية وبدأت اليابان زراعة اللؤلؤ فأصبح اللؤلؤ الطبيعي باهظ الثمن ما أثر على الحركة التجارية في الامارات إذ أن رحلات الصيد والغوص لم تعد ذات جدوى في الوقت الذي غزا فيه اللؤلؤ الاصطناعي الياباني الأسواق وهو ما حدا بتجار اللؤلؤ ومحترفي صيده إلى البحث عن موارد أخرى للرزق لعلها تعوض هذه التجارة التي طالما درت الكثير من المال على سكان الإمارات والمنطقة ومثل كل ذلك نقلة نوعية أثرت سلبا على المنطقة واقترنت بالأزمة الاقتصادية والقضاء نهائيا على مهنة الغوص في الامارات والخليج العربي.

ويدلل المواطن محمد فرج القبيسي /70 عاما/ على ذلك قائلا: " ولدت في ليوا في محضر الظويهر وخرجت للغوص في جزيرة دلما مع والدي وخالي عندما بلغ عمري 12 ربيعا." ويضيف: " كانت جزيرة دلما في الماضي المركز الأساسي البحري لصيد اللؤلؤ وتذكر السجلات أنه كانت تقوم فيها بانتظام أسواق لبائعي اللؤلؤ الذين جاءوا من أقاصي المعمورة مثل أوربا والهند خاصة من البانيان .. وتابع : " الامارات مجبولة على حب الآخر وفتحت قلبها للعالم ومدت يدها لتستضيف الجميع منذ القدم." وذكر القبيسي أنه بعد انهيار صناعة وتجارة اللؤلؤ جاءت محطة فارقة في تاريخ الإمارات وشخصية قيادية استثنائية تعرف جيدا كيف تدير أحداث التاريخ وتوجه الشعب محققة تحولا فارقا ونقلة حضارية تخدم أبناء الوطن في زمن قياسي وهو المؤسس الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه " والذي وهب نفسه لبناء وطنه وخدمة مواطنيه وتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم في الحياة الكريمة الرغدة وقاد ملحمة البناء من مرحلة الصفر بإقامة المدارس ونشر التعليم وتوفير أرقى الخدمات في المجالات كافة.

ويؤكد القبيسي أن الشيخ زايد لم يتوان رحمه الله في البحث عن بديل لصناعة وتجارة اللؤلؤ ليعوض شعبه .. ومع بداية حكمه واستخراج الذهب الأسود /النفط/ من عمق الرمال المتحركة قدم في بداية الستينيات من القرن العشرين آلاف العمال على مجتمع الإمارات الذي فتح الأبواب أمامهم مرحبا بهم ليشاركوا في بناء نهضة البلاد.

ولاشك أن سياسة الشيخ زايد وتزامنها مع بدايات عصر النفط ساعدت على تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان وبالوقت نفسه انفتح ابناء المجتمع على المجتمعات الأخرى ما أدى إلى استيعاب حجم التحولات الاقتصادية والاجتماعية في مجتمع الإمارات مع بداية السبعينيات وانتقال المجتمع نهائيا من عصر اللؤلؤ إلى عصر النفط .

وفي الثاني من ديسمبر عام 1971 كان تأسيس دولة الاتحاد على يد المؤسس الشيخ زايد بداية التحولات المجتمعية التي نقلت المجتمع إلى مرحلة الدولة الحديثة " دولة المؤسسات ذات الأطر والهياكل التشريعية والقضائية والتنفيذية" التي تهدف إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطن والمقيم وحتى الزائر والسائح .

وترتب على قيام دولة الاتحاد اتساع دائرة الوطن وزيادة عدد مواطنيه ومقيميه وكذلك حدد دستور الإمارات مقومات الاتحاد وأهدافه الأساسية وطبيعة السلطات الاتحادية والحقوق والواجبات المكفولة للجميع والدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي تؤسس مجتمع الدولة الحديثة .. تلك المقومات التي تؤكد على المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص .

واحتل العمل أهمية قصوى في المجتمع وأصبح ركنا أساسيا من أركان تقدمه .. وحسب نص الدستور: " يقدر المجتمع العمل كركن أساسي من أركان تقدمه ويعمل على توفيره للمواطنين وتأهيلهم له ويهيئ الظروف الملائمة لذلك بما يضعه من تشريعات تصون حقوق العمال ومصالح أرباب العمل على ضوء التشريعات العمالية العالمية المتطورة." لقد كان الشيخ زايد من أعظم القادة العرب الذي خدم شعبه بكل ما يملك ووفر الراحة اللازمة لكل مواطن ومقيم حيث أمضى عمره " رحمه الله " في تأسيس دولة قوية تقوم على الوحدة والتعاون والمساواة .. توفر الراحة والأمان لشعبه الكريم .

**********----------********** والإمارات اليوم تغيرت ملامحها كثيرا عما كانت عليه أيام اللؤلؤ وفي سبعينيات القرن الماضي .. الإمارات اليوم مختلفة تماما بفضل سياساتها الناجحة باتجاه الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي وهذه النتائج المبهرة التي حققتها الإمارات لم تأت من فراغ بل جاءت بفضل رؤية قيادتها الواضحة لما تريد أن تكون عليه في المستقبل .

كما أدرك الشيخ زايد "طيب الله ثراه" اللحظة التاريخية آنذاك ..

تدرك اليوم قيادة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة " حفظه الله " وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي " رعاه الله " وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن النفط كأحد أهم مصادر الدخل قابل للنضوب لذا تتبنى القيادة استراتيجية وطنية للبحث عن مصادر جديدة للدخل وتضع التنوع الاقتصادي كأولوية استراتيجية وتتبنى الاقتصاد الرقمي في رؤيتها المستقبلية.

فما أنجز في مختلف المجالات خلال العقود الأربعة الماضية وهي فترة قصيرة لا تقاس في أعمار الدول والشعوب ساهم بما لا يدع مجالا للشك في نماء مجتمع الإمارات وتحصينه بالأمن والأمان وتوفير سبل العيش الكريم والرخاء لجميع المواطنين والمقيمين.

ونتيجة التطور الكبير ومواكبة المتغيرات في العالم شهد مجتمع الإمارات تحولات مجتمعية سريعة ازدادت وتيرتها خلال السنوات القليلة الماضية واستطاعت الإمارات خلال أربعة عقود أن ترسي أسسا متينة لبنية تحتية على أحدث طراز وتوفر التعليم في جميع مراحله حتى ما بعد الجامعة لنيل الدراسات العليا في كل التخصصات العلمية ووظفت كل من يريد أن يعمل ووفرت العلاج والرعاية الصحية لأي مواطن ومقيم وكل الخدمات والحاجات الضرورية للعيش الكريم وبفضل هذه الإنجازات غير المسبوقة تحول المجتمع من مجتمع تقليدي إلى مجتمع الرفاهية وكان من ثمار ذلك نهضة حضارية وتنموية وضعت الإمارات في مصاف الدول المتقدمة بفضل جهود قيادتها الرشيدة التي حققت تنمية بشرية مرتفعة وأضحت الإمارات مقصدا لكل شعوب العالم للإقامة والعمل والسياحة .

وتشكل اليوم الحالة الإماراتية علامة فارقة على صعيد كونها وجهة العالم المفضلة للعمل والإقامة على ارضها واصبحت نموذجا للتعايش السلمي بين المقيمين ليس فقط على صعيد عربي بل على صعيد عالمي أيضا وهي في تجربتها هذه تقدم نموذجا يلقى تقديرا واستحسانا في الأوساط العالمية وليس أدل على صحة هذا القول من كونها حصلت على المرتبة الأولى عالميا في مجال التعايش السلمي بين الجنسيات لاحتضانها 200 جنسية على أرضها وفقا للتقرير السنوي عام 2014 للمنظمة العالمية للسلم والرعاية والإغاثة التابعة للأمم المتحدة .

وبهذا التصنيف تخطت الإمارات أكثر دول العالم تقدما في رعاية الأقليات المختلفة التي تعيش على أرضها بإعطائهم كافة الحقوق والرعاية والتأمين الصحي والمعيشي ونشر ثقافات التعايش بين مختلف الجنسيات على اختلاف أديانهم وإعلاء كلمة الحق والتسامح والعدل والمساواة واحترام الآخر والتمسك بنهج المحبة والخير وهو النهج الذي يرعاه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات والذي يكمل مسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه." فيما جاءت الإمارات في المركز الثالث على مستوى العالم في المؤشر الفرعي الخاص بالإقامة خلف كل من ألمانيا والولايات المتحدة علاوة على المرتبة الـ 36 عالميا كأفضل وجهات الأجانب للعمل في الخارج ضمن التقرير السنوي الثالث الذي أصدرته مؤسسة "انترنيشن اكسبات انسايدر" وفقا لنسخة العام 2016 الذي يهدف إلى تصنيف الدول وفقا لمدى جاذبيتها للراغبين في الهجرة إليها والإقامة والعمل فيها .

وتصدرت الإمارات عالميا قائمة الدول الأكثر جذبا للكفاءات المهنية في العالم للعام الثاني على التوالي متقدمة على دول مثل سنغافورة وسويسرا وكندا وفق دراسة صدرت في اغسطس العام الماضي حول حركة الكفاءات والعقول حول العالم التي أصدرتها "لينكدإن" أكبر شبكة للمواهب والكفاءات حول العالم وتضم 380 مليون عضو .

لقد شهدت الإمارات على مدى السنوات الماضية نقلة نوعية متميزة خلال مسيرة تطورها والجميع على يقين وثقة أكبر بأن السنوات المقبلة ستشهد بفضل جهود راعي المسيرة وإخوانه المزيد من الإنجازات والتقدم والرخاء للوطن والمواطن والمقيم وستعزز مكانتها عربيا وإقليميا ودوليا وستظل رايتها خفاقة في جميع المحافل الدولية وستبقى صاحبة رسالة عالمية لمكافحة التمييز ونبذ العنف ومن أفضل دول العالم جذبا للعمل والإقامة والحياة.