سالمين.. وكرم المرأة التي نحرت لهم عجلها في مشألة!!

كتب : عبدالله علي الخلاقي

هناك الكثير من ذكريات النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، تختزنها ذاكرة الرعيل الأول من المناضلين ممن صنعوا ملحمة الاستقلال الوطني ، وللأسف الشديد أن كثيرين منهم تواروا في الظل أو توفاهم الله دون أن يدوّنوا شيئاً من ذكرياتهم ، وقليل جداً منهم من فعل ذلك. ونذكر هنا ما اتحفنا بها أحد أبطال ذلك الزمان، الذي تخفى حينها تحت اسمه الحَرَكي "عمران" حتى لا ينكشفق أمره للعيان، ويلقي به الانجليز وراء القضبان.. أنه الفدائي المناضل صالح فاضل الصلاحي، رفيق درب الشهيد سالمين في سنوات الجمر والنضال، وتحت هذا الاسم قام بعمليات فدائية جرئية مع رفاق دربه من الفدائيين . ولعل من محاسن الصُّدف أن قيض الله للفدائي عمران أن يكون شاهداً على عصره. فبعد أن خلد للراحة متقاعداً في كنف ورعاية أولاده، تمكن بتشجيع ومساعدة من نجله الطبيب المعروف والكاتب الأديب د.محمد صالح فاضل الصلاحي من استحضار ذاكرته النقية وتدوين ما تختزنه من ذكريات تاريخية، أضفى عليها د.محمد لمساته الأدبية فقدمها لنا بأسلوب مشوق يغرينا ويدفعنا دفعا لمتابعة تلك الذكريات الممتعة، وقد كان لي شرف مراجعتها وتقديمها واخراجها في كتاب حمل عنوان "ذكريات عمران الفدائي والإنسان". والجميل والرائع في ذكريات "الفدائي عمران" أنها لم تقتصر على مجرد سرد سيرة حياته الخاصة وأعماله ومآثره الشخصية، بل غلب عليها الهم الوطني العام والتعرض لبطولات رفاق دربه، بل والتأريخ لمختلف المراحل التي عايشها وصنع أحداثها منذ العهد القبلي مروراً بالثورة والاستقلال وبناء الدولة، ومن هنا تنبع أهميتها كإضافة هامة لا غنى عنها في سجل تاريخنا الوطني المعاصر. ومن الذكريات الممتعة التي أوردها "عمران" في هذا السفر الجميل وتحمل دلالات ومعانٍ كبيرة حكاية وصول سالمين ورفاقه الفدائيين إلى جبال مشألة المنيعة في قمم يافع ، برفقة عدد من زملائه، خلال سنوات الكفاح المسلح، وذلك بعد تعرض مجموعتهم لكمين نصبه لهم الانجليز بعد ترصدهم خلال توجههم إلى الضالع وتم اطلاق النار عليهم مما أدى إلى استشهاد ستة من رفاقهم يذكر منهم القائد والمناضل المعروف حسين عبدالله الفضلي، وتم الاستيلاء على الأسلحة التي كانت محملة على الحمير، وحينما تمكن سالمين وزملاؤه من النجاة غيروا من اتجاه سيرهم إلى الضالع وتوجهوا نحو جبال يافع الحصينة وتحديداً إلى منطقة مشألة. كانت رحلتهم تلك مضنية فالطريق التي سلكوها جبلية وعرة إضافة إلى أن الوضع الأمني لأم يكن مريحاً، لاسيِّما بعد تعرضهم للكمين وفقدانهم عدداً من رفاقهم ونفاذ ذخيرتهم، ولهذا وصلوا إلى منطقة مشألة الجبلية خائري القوى، تبدو عليهم علامات الإرهاق والتعب والجوع، ولم يكن أمامهم سوى التوجه إلى مسجد إحدى القرى لينالوا قسطا من الراحة، وفي انتظار ما سيأتيهم به سكان القرية من طعام وشراب، كي يسدوا رمق جوعهم وجور عطشهم . وفي تلك اللحظة كانت هناك امرأة من نساء القرية قد رأت ذلك العدد غير المألوف في مسجد القرية، فقالت في نفسها هؤلاء غرباء وبالتأكيد سيكونون جائعين وملامحهم تشير إلى ذلك، ومن العيب ان نتركهم هكذا وهم في قريتنا. ولهذا عادت لتخبر أهل القرية وتطلب منهم أن يذبحوا العجل الذي تملكه فطبخت اللحم والخبز واستدعتهم إلى المنزل كي يأكلون. اندهش سالم ربيع علي (سالمين) ورفاقه لموقف ومبادرة هذه المرأة، وحفظ ذلك في ذاكرته. وهكذا دارت الأيام والمرأة لا تعرف أن من قدمت لهم الطعام يوما ما سيكونون قادةً في الدولة. لكنها عرفت ذلك عندما صار سالم ربيع رئيساً للدولة. وبينما كان الرئيس في أحد الأيام يستعيد ذكريات النضال تذكر ذلك الموقف الذي كاد ان يؤدي بحياته وحياة رفاقه عندما نصب لهم الكمين أثناء الخلاف مع الجيش العربي، وتذكر موقف تلك المرأة التي قدمت لهم الطعام فقرر أن يقوم بزيارة خاصة لها إلى منزلها في جبل يافع قرية مشألة. وبالفعل تحرك سالمين مع حراسته حتى وصلوا إلى تلك القرية حيث قابلها وسلم عليها قائلا: لقد أتيت إلى هنا بزيارة خاصة لك شخصيا كرد للجميل لذلك الموقف الإنساني الذي تعاملت به معنا دون ان تعرفي من نحن حينها. ثم شكرها وعرض عليها تقديم أي طلبات، لكنها لم تطلب سوى شيئاً واحدا، هو إعطاء تأشيرة سفر لولدها للذهاب إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك لإعالة أسرته. وقرر لها الرئيس سالمين راتباً شهريا كمساعدة، وأبدى استعداده لتدريس ولدها على حساب الدولة في أية جامعة في الخارج لكنها رفضت وقالت هذا هو طلبي فما كان من الرئيس إلاّ أن يلبي لها طلبها، في الوقت الذي كان فيه ممنوعا اصدار التأشيرات إلى المملكة العربية السعودية. تلكم هي قصة المرأة الطيبة الكريمة مع الرئيس المحبوب "سالمين".