السنوات الغامضة من تاريخ مدينة عدن

عدن الحدث / متابعات


أما فيما يتعلق بالعلاقات بين عدن ولحج ، يمكننا القول بان عدن ترتبط برابطة الجوار مع القبائل المحيطة بها . وقد احتلها عام 1728م امير لحج فضل بن علي بن فضل بن صلاح بن سلام نائب امير امام اليمن في هذه المقاطعة. لكنه استقل بالحكم عام 1735 م وكان قد اتفق مع قبائل يافع على اقتسام حاصل جمارك عدن ، فلما اعلن استقلاله اخفض من نصيب يافع ، من خراج عدن مما اغضبها ذلك وبعد سبع سنوات من ذلك التاريخ ذهب العبدلي ضحية اعتداءاتهم عليه( ).


الجدير بالذكر ان العديد من المصادر ترجع اصل سلاطين العبادلة الى عائلة الائمة الزيود ، وانهم اتخذوا من المذهب الشافعي صراطا الى النجاح( )، بهدف كسب ود أبناء عدن حتى لا ينهضوا لمقاومتهم وقد حدد هارولد انجرامز ان حروب القبائل اليافعية في عدن 1735-1742 قد ترتب عليها انحدار عدن الى درجة الخراب ، مما ادى الى ازدهار ميناء المخا( ) آنذاك" ، كنتيجة لقيام القوات الغازية - يقصد بذلك القبائل اليافعية - لمدينة عدن بنهب خيراتها بطريقة قاسية ( ). القيت مسؤولية مواجهة اليافعي بعد وفاة فضل بن علي على عاتق ابنه عبدالكريم الذي لقب نفسه باسم سلطان لحج وعدن (1755-1780 م )( )، مما اغضب سلطان يافع ، الذي قام بتحريك قواته بهدف احتلال مدينة عدن وحصلت بينه وبين يافع حروب استولت فيها يافع على عدن ثم اخرجهم السلطان عبدالكريم منها ( ).

وعلى الرغم من ذلك كانت الأوضاع المتدهورة لاسيما في عدن التي هرب أغلب سكانها، تفرض على السلطان عبدالكريم أن يلجأ الى التسوية بتعديل قراره ، وتسليم نصف خراج عدن " الخمسمائة ريـال " سنويا لليافعي ، ورحلت بذلك القوات اليافعية عن عدن .

وعلى الرغم من التسوية المذكورة آنفا بين العبدلي واليافعي ، واجهت عدن اخطار جديدة ، فقد ثار شيخ العزيبة عزب مكي عام 1771 ، واستولى على عدن معلنا بذلك انفصالها عن لحج . لكن السلطان عبدالهادي (1180-1194 ) ، تمكن من تحرير عدن من العزيبي بعد ايام من احتلالها ( ). وقد لعب السلطان احمد بن عبدالكريم بن فضل (1792-1828 ) دورا مهما في توطيد العلاقات البريطانية - العبدلية . لأنه أراد تأمين بلاده بالاحتماء بدولة عظمى من هجمات قوات الإمام من ناحية ، والقوات الوهابية من ناحية أخرى ( ).

الواقع أن السلطان العبدلي لم يكن يتوقع أن تشكل الأخطار الآتية من جيرانه أي تهديداً قوياً على ممتلكاته في عدن ولحج ، لكن توقعاته كانت في غير محلها ، وذلك من خلال التالي :

أولاً: اتساع العدوان اليافعي :

حيث أن عدن في عهد العبادلة حسب ما تشير إلى ذلك الوثائق التاريخية إلى أن العلاقات بين الشيخ فضل بن علي سلطان العبادلة ويافع بزعامة سيف بن قحطان بن عفيف اليافعي، شهدت توترا حاداً بسبب آل عطية وهم من يافع عندما طالبوا الشيخ العبدلي بأن يجعل لهم نصيبا من نصف خراج عدن فرفض طلبهم.

فلما رفض غزوا عاصمته ثم اغتالوه ونشبت معارك بين العبادل وبني عطية، وكان مع بني عطية نفر من جنود الإمام الزيدي .. جزوا رأس ال زعيم العبدلي ووضعوه في جلد وساروا به إلى الإمام المنصور فسر بذلك وأعدى كل واحد منهم إحدى عشر أوقية ذهباً( ).

ثانياً : عدوان السلطنة الفضلية على عدن طمعاً في الحصول على خراجها من التجارة البحرية :

وتحدد العديد من الدراسات بأن أول اعتداء لنهب مدينة عدن من قبل رجال السلطنة الفضلية من خلال أساليب غير إنسانية بدأ عام 1827 . ليس هذا فحسب ، بل أكدت تلك الدراسات على السلطنة الفضلية هاجمت مدينة عدن مرة أخرى في العام التالي - أي عام 1828 ، ونهبوا بضائع وأموال بما يساوي 30.000 دولار ماريا تريزا ( ).

في السياق نفسه ، أشارت بعض الدراسات إلى أن الصراعات السياسية حول المناطق الحدودية بين السلطنة العبدلية والسلطنة الفضلية استمرت بين الجانبين في المدة ما بين 1735 - 1881 ( ).

حيث أشارت العديد من الدراسات بأن الخلافات الحدودية بين العبدلي والفضلي ، ساهمت في ازدياد الاعتداءات على مدينة عدن ، فقد تمكنت بعض القبائل المجاورة لعدن منذ عام 1849 بارتكاب سلسلة من الاغارات وقتل بعض الضباط الانجليز . وقد قامت قبيلة الفضلي بحماية بعض قتلة البريطانيين ، والتي سعت أيضاً إلى إثارة القبائل المجاورة . وهكذا وفي 1851 أوقف صرف الراتب المخصص لرئيس الفضلي في اتفاق 1839 حتى يقود بطرد قتلة الضباط البريطانيين الذين وجدوا ملجأ في أراضيه . ومع بداية عام 1857 ارتبط سلطان الفضلي بحماية الطرق الموصلة إلى عدن والمارة عبر أراضيه ، كما تعهد بطرد قتلة البريطانيين من بلاده وهكذا عاد إليه راتبه مرة أخرى .

المراجع

-      د.ج . جافن : مرجع سابق ، ص 14 .

-      لمزيد من المعلومات ، انظر : حمزة علي ابراهيم لقمان : تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ، دار مصر للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ، 1960 ، ص197 .

-       حسين فوزي النجار : بريطانيا والجنوب العربي ، المكتبة الثقافية ، جامعة حرة ، العداد 185 ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، سنة الطبع (-) ، ص 38 .

-       أمير الاي . أ . ج : الاستعمار البريطاني في جنوب الجزيرة العربية ، مكان الطبع (-) ، سنة الطبع (-) ، ص 38 وما بعدها .

-       جيليان كينج : أهداف الاستعمار في عدن ، تعريب وتعليق خيري حماد ، كتب سياسية ، العدد (375) ، الدار القومية للطباعة والنشر ، جمهورية مصر العربية ، 1966 ، ص 91 وما بعدها .

-      انظر : صحيفة فتاة الجزيرة ، 28/ مايو 1944 ، كتاب المجاهد محمد علي لقمان المحامي : فتاة الجزيرة : افتتاحيات ومقالات من عام 1940-1950 ، جمع واعداد ودراسة أحمد علي الهمداني ، الطبعة الاولى ، مكان الطبع ( - ) ، 2007 ، ص 453 .

-      فقد ذكر امين الريحاني في كتابه ملوك العرب " بان السلطان العبدلي كان قائدا من قواد الزيود طامعا بالسيادة والمجد ..." المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت، 1980م ص 419 . ، انظر كذلك : حسن صالح : شهاب : العبادل سلاطين لحج وعدن 1732 - 1959 ، مركز الشرعبي للطباعة والنشر ، صنعاء ، 1999 ، ص12 . انظر كذلك : القاضي حسين بن احمد العرشي : بلوغ المرام في شرح مسك الختام في من تولى ملك اليمن من ملك وامام ، تحقيق الاب انستاس الكرملي ، مطبعة البرتيري ، القاهرة ،1939 ، ص 81 . تشير العديد من الدراسات بأن أصل مؤسسة السلطنة الفضيلة فضل بن عثمان ينحدر من سلالة الأمراء الزيود - الأتراك الذين حكموا المنطقة لحساب إمام صنعاء . انظر ، أحمد حسين شرف الدين : اليمن عبر التاريخ ، الطبعة الثانية ، مطبعة السنة المحمدية ، القاهرة ، 1964 ، ص 39 وما بعدها . وهذا الأمر ينطبق على سلالة الأمراء الآخرين في المنطقة (وقد تحدثنا عن أصل مؤسس السلطنة الفضلية في صفحات سابقة ) .

-      هارولد انجرامز : اليمن : الائمه والحكام والثورات ، ترجمة نجيب سعيد باوزير ، مراجعة عبدالكريم سالم الحنكي ، الكتاب السنوي لمجلة اليمن ، مركز البحوث والدراسات اليمنية ، جامعة عدن ، الطبعة الاولى ، 2007 ، ص 15 .

-      مرجع سابق ، ص 51 .

-      كان فضل بن علي أمير لحج زعيم قبيلة العبدلي أول من أعلن استقلاله فيها عام 1731، وكان الإمام الزيدي الحسين بن القاسم 1727-1746 قد عينه نائبا عنه في عدن، فأسس أسر ا لعبادلة فيها، انظر نجاح محمد، مرجع سابق، ص87.

-      احمد فضل : هدية الزمن ، الطبعة الثانية ، ص130

-      حسن صالح شهاب : العبادل : سلاطين لحج وعدن 1732-1955 ، مركز الشرعبي للطباعة والنشر ، الطبعة الثانية ، صنعاء ، سنه الطبع (-) ص 16 .

-      لمزيد من المعلومات حول اوضاع عدن منذ انفصالها عن الدولة القاسمية وحتى احتلال بريطانيا لها . انظر : شفيقة عبدالله العراسي،بقية المعلومات صفحة 41 . عدن واهميتها الاقتصادية - السياسية للسلطنة العبدلية 1728 - 1839 ، مجلة اليمن ، مركز البحوث والدراسات اليمنيه ، العدد الثامن والعشرون ، جامعه عدن ، عدن نوفمبر 2008 ، ص 119-128 .

-      حسن صالح شهاب ، العبادل سلاطين لحج وعدن 1732-1959، مركز الشرعبي للطباعة والنشر والتوزيع، صنعاء، سنة الطبع (-) ص9-10.

 

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك

 

كلية الآداب ، جامعة عدن


صحيفة الامناء