اللواء طماح.. مسيرة نضال 5 عقود اختتمها بالشهادة

كتب / فتاح المحرمي.

صورة احتضان وزير العدل علي هيثم الغريب .. لم تكن كأي صورة فإلى جانب عمق مشهدها الحزين ، فقد جسدت عدالة أن الشهيد اللواء محمد صالح طماح احتضنه حزن وطن ، وما الموكب الجنائزي المهيب والغير مسبوق ، والتعازي والنعي العابر للقارات إلا خير دليل على مكانته في قلوب الناس. وشهيدنا طماح قائد عسكري من الطراز الأول ومناضل صلب عبر المراحل المختلفة ، ترك رغد العيش في الاغتراب وتحديداً أمريكا، ولم يعطي بألاً لاغراءات نظام الراحل عفاش، وأكد ثباته على المبدأ النضالي الحر، واختار أن يكون دوما إلى جانب وطنه وشعبه، وخلال مراحل نضاله الوطنية سجل وباحرف من نور مسيرة من العطاء والبذل والتضحية لخدمة الجنوب. يعد الشهيد اللواء طماح من اوائل القيادات الوطنية الذين تركوا رغد العيش في أمريكا وعاد ليناضل في ساحات الجنوب، خسر العديد من أفراد أسرته خلال مسيرة النضال لاستعادة دولة الجنوب، وكان أبرزهم الشهيد المغدور به فارس طماح الذي تعرض للقتل في شرطة المعلا عام 2011، ولم تكن تلك الأعمال لتثني رجلاً مقاوماً كطماح الذي ناضل حتى وافته المنية شهيداً في العند أكثر البقاع والجبهات التي نازل فيها ودافع عنها. من اوائل المؤسسين لجيش الجنوب دخل الشهيد طماح السلك العسكري مبكراً ، وشارك ثوار الجنوب مرحلة الكفاح حتى الإستقلال الجنوبي ، وبعد الاستقلال كان من القيادات العسكرية الأولى التي أسست القوات المسلحة الجنوبية ( جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية). وفي شهادة الرئيس على سالم البيض عن اللواء طماح ، قال في بيان نعي : "الشهيد اللواء طماح سجل حضورا سياسيا وعسكريا مبكرا بحياته كواحد من مؤسسي جيش الجنوب وارتبط اسم طماح بهذه المؤسسة العسكرية العريقة ومثل بحياته العملية صفات الضابط الشجاع الجسور في الضبط والربط العسكري وكمناضل سياسي من شباب دولة الجنوب الذي كان لهم شرف المساهمة بتأسيس مؤسساتها وإرساء دعائمها مع رفاقه شباب الجنوب ما بعد الاستقلال الوطني". دعا مبكرا للتصالح والتسامح وبعد الوحدة المشؤومة مباشرة كان الشهيد طماح أول قائد جنوبي يدعو إلى التصالح والتسامح بين الفرقاء الجنوبيين ، ومنذ ذلك الحين دائماً ما ينبه إلى أن ملف الخصومة بين القيادات الجنوبية يستدعي الإسراع في ردمه قبل أن يستخدمها النظام في صنعاء لضرب الجنوبيين ببعضهم. ويشهد له الرئيس البيض في ذلك ، حيث قال الشهيد طماح من ضمن كوكبة مؤسسي الحراك الجنوبي ومشروع التصالح والتسامح الجنوبي الذي أراد أعداء الجنوب تعكير صفو احتفالات شعبنا بهذه المناسبة بجريمتهم البشعة ، مضيفاً ظل شهيدنا طماح مناضل صلب بكل المنعطفات السياسية وتوج نضاله خير تتويج كواحد من مؤسسي جمعيات المتقاعدين العسكرين الجنوبيين المبعدين قسرا بعد احتلال الجنوب عام 94م. رائد من رواد الحراك الجنوبي بعد الاجتياح الشمالي لأرض الجنوب لم يستطع شهدينا طماح التعايش مع واقع الجنوب الجديد، ما حدا به لمغادرة وطنه مكرهاً ليستقر به الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أقام فيها وحصل على الجنسية الامريكية. وما إن لاحت بيارق الثورة الجنوبية حتى أقفل اللواء الشهيد طماح عائداً إلى الوطن عام 2007م، وكان أحد مؤسسي جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين ، وشارك في كافة لقاءات العسكريين الجنوبيين، واختير رئيساً للمجلس العسكري. وشارك اللواء طماح في قيادة المظاهرات والاحتجاجات السلمية في عدن والضالع ويافع وأبين وسائر مدن الجنوب، إلى جانب رفقاءه في النضال السلمي التحرري الجنوبي، واحتضن العديد من قيادات الثورة الجنوبية في منزله بيافع ووفر لهم الحماية والمأوى من الملاحقة التي كانوا يتعرضون لها في المدن، وعلى رأسهم القيادي الجنوبي حسن أحمد باعوم، وعدداً آخر من قيادات الثورة الجنوبية. مسيرة نضال ارتبطة مسيرة شهيدنا طماح بتاريخ حافل من البطولات التي سطرها في ميادين الشرف والكفاح المساح دفاعا عن الوطن الجنوبي ، وبدأ هذه المسيرة الكفاحية عبر دخوله السلك العسكري مبكرًا ومشاركته في نضال شعبنا التحرير ونيل الاستقلال النوفمبري المجيد. وبعد أن وقع شعب الجنوب في شراك الوحدة المشؤومة ، استطاع تجاوز فترة تصفيات نظام الشمال للكوادر الجنوبية ، وحين تمادى نظام الشمال وعمد لغزو الجنوب في صيف 1994م، كان الشهيد البطل طماح من القادة اللذين تصدوا لهذا الغزو دفاعا عن الأرض والعرض ، حينها كان قائداً لقوات الدروع في جبهة العند ، وقاتل حتى يوم 7 يوليو 1994م. ولم تتوقف مسيرته الكفاحية عند ذلك في عام 2008 شارك بصحبة الفقيد عبد الله الناخبي ومجموعات من الحراك الجنوبي في ردفان في التصدي لقوات نظام صنعاء التي استهدفت منازل الآمنين ، كما سجل بطولة عسكرية عام 2011م حين قاد معركة تحرير العر في يافع من قوات الحرس الجمهوري. وفي العام 2015 ، حين أصدر اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع قراراً بتعيينه قائداً لمحور العند في لحظة حرجة وفي فترة انهيارات متواصلة لقوات الجيش التابع للشرعية، ولكنه بالرغم من كل تلك المخاطر والمؤشرات قبل ذلك التكليف وعمل قدر الاستطاعة، بيد أن الانهيارات كانت قد تجاوزت قاعدة العند ووصلت لحج وأطراف عدن، مما سمح بتطويق قاعدة العند ووضعها بين كفي كماشة، وبالتالي لم تصمد طويلاً أمام قوات الحوثي التي اجتاحت عدن يوم 25 مارس من سنة 2015م. ولم يتوقف عند ذلك بل عاد على رأس القيادات العسكرية لمواجهة المليشيات وشارك ضمن المقاومة المسلحة في سيلة بله وجبهة العند إلى أن تم تحرير المحافظات الجنوبية بتاريخ 14 يوليو 2015 من قوات الحوثي ، وسجل بطولة عسكرية أخرى اتربطة بالعند. قائد لم يهاب الموت منذ شبابه المبكر كان الشهيد طماح على مقربة من الموت، لكنه لم يكن ليهاب هذا الكائن المخيف الكامن على مقربة منه، بل كان يزداد اقترابا منه ويتجاوزه وهو يخوض معارك الذود عن الوطن والتمسك بقيم الكرامة والوطنية والشرف والإباء والاعتزاز بالوطن والوفاء مع الشعب ، بهذه الكلمات وصف د.عيدروس النقيب موقف رفيقه الشهيد طماح الذي لم يكن يهاب الموت. مضيفاً : خلال مرحلة نضاله التي كان فيها من صانعي الانتصارات لم يخف الموت حينما كان الشباب يتساقطون عن يمينه ويساره ، كان دائما كثيف الحضور بذهنيته المتقدة ووجراءته النقية وثقافته وقدراته الخطابية وشجاعته النادرة وقناعاته الراسخة بما يؤمن به من قيم وما يتمسك به من مبادئ وما يعتنقه من مُثُل. قائد ومعلم إلى جانب أدواره النضالية كان شهيدنا طماح معلما تتلمذ على يده جيل من الكفاءات العسكرية الجنوبية ، حيث عين وعقب تخرجه من الكلية العسكرية العام 1976م، معيداً في الكلية نظراً لتميزه وما يمتلكه من قدرات معرفية. وقال عنه قائد اللواء الأول دعم واسناد العميد منير اليافعي "ابو اليمامة" ، وهو يرثي رحيله : طماح يا كنز رأسي تسبق دموعي كلماتي وتنتحب في أضلعي أهاتي عليك يا والدي ومعلمي وقائدي الفذ اللواء محمد صالح الطماح ، فانت رجل صاحب المواقف وشهم بكرمك وأخلاقك وتواضعك وشجاعتك ونزاهتك. مضيفاً : صعب على من مثلي أن يذكر مناقبك وأنت علمتني التواضع والبسالة، ومن الصعب على تلميذ أن يصف أستاذ علمه حروف الأدب ومواقف الرجولة والشجاعة فقد كنت ومازالت لي أباً وساظل لك تلميذاً يرفع رأسه أنه تتلمذ على يدك. *نبذة عن الشهيد - أنهى دراسة الثانوية العامة في عام 1968م. - التحلق بالكلية العسكرية وتخرج منها في عام 1976م، وكُرم ضمن العشرة الأوائل من قبل الرئيس سالم ربيع علي. - بعد تخرجه عُين معيداً في الكلية العسكرية لتميزه وما يمتلكه من قدرات معرفية. - حصل على منحة تعليمية لدراسة الماجستير في روسيا، وتخرج منها عام 1983م حاصلاً على الماجستير في العلوم العسكرية بدرجة امتياز. - بعد عودته إلى وطنه عمل في السلك العسكري وعُين رئيس القسم السياسي بسلاح المدرعات. - ترقى في الرتب العسكرية وعين نائب وزير الدفاع الجنوبي هيثم قاسم حتى يوم إعلان الوحدة 22 مايو 1990م. - خلال حرب 1994م شارك في الدفاع عن الجنوب، وكان قائداً لقوات الدروع في جبهة العند، وقاتل حتى يوم 7 يوليو 1994م. - عام 2011م قاد معركة تحرير العر في يافع من قوات الحرس الجمهوري - في 23 مايو 2018 صدر قرار جمهوري بتعيينه رئيسا لهيئة الاستخبارات والاستطلاع. - في 13 يناير 2019 ارتقى اللواء محمد صالح طماح إلى جوار ربه شهيداً إثر إصابته في التفجير الذي استهدف العرض العسكري بقاعدة العند.