سجن النساء في عدن (1-2) منسي من الدعم وسجينات بلا محاكمات

عدن الحدث| متابعات
وقفت على رأس طريق أنظر فيما حولي، كانت المقاهي تعج بالجالسين والباعة والمشترين على نقاط مختلفة من ذلك الشارع، السيارات تمر والمارة تقطع بأقدامها ذلك الشارع، تتسارع الخطى كل يهرول بالذهاب لعائلته وفرحا بتلك العودة رغم يومه الصعب الشاق في العمل، ورغم مابيده لعائلته كثيرا أم قليلا، لكن الشارع ذلك الذي تدب به الحياة يقع في مقابل وخلف الأسوار عالم آخر كان عليَّ دخوله، ودخوله ليس بالأمر اليسير فعادة يتم التخاطب مع إدارة الأمن بخور مكسر ثم مع إدارة السجن المركزي بالمنصورة، ولأن هدفي سجن النساء كان على مرافقي عدم الدخول معي بأي حال من الأحوال.

**سجن النساء**


توجهت وأنا أرسم بمخيلتي مكاناً مفزعا وقيودا ووجوها عليها ملامح الإجرام، حيث يرتبط السجن عادة بالسوابق والقصص الإجرامية، لكنني صدمت عند ولوجي للسجن فالمكان يوحي بالأحزان والألم والآمال والهدوء والنظافة، والملامح كلها مستضعفة وكأنني أتيت إلى دار اجتماعية.

مضيت بالسير حتى فُتحت لي تلك البوابة الحديدية، وبدأت أنظر للسجينات وهن ينظرن إليَّ، أنا أريد معرفة هذا العالم، وهن يريدين الاستغاثة بالعالم الخارجي الذي تناساهن بفعل الصراعات السياسية وانجرار البلد نحو التخبط وصراع الكراسي في ظل مجتمع يموت أخلاقيا يوماً بعد يوم حين يتناسى المسؤولية الاجتماعية تجاه الفئات المستضعفة.

**حبست بعد سنتين من الجريمة**

السجينة الأولى التى قابلتها كانت “س،م” وعن قضيتها قالت: “أنا متهمة بقضية قتل زوجي وثلاثة آخرين، وقضية القتل لها سنتان ولم تكن عليّ أي تهمة ولم يدخلوني إلى السجن، والآن وقبل عشرة أيام تم اعتقالي وإيداعي السجن”.

تركت “س” أطفالها عند أهلها دون أي مصاريف من أهل الزوج وكانت تعتزم الاحتفال بذكرى رأس السنة الجديدة، لكن الاحتفال تبدل إلى عويل وألم وفراق عن أطفالها.

تقول “س”: أطالب بتشريح الجثث من المقابر لأن زوجي فقط من قاموا بتشريحه وأخذ عينة منه، أريد دلائل بالعينة وأريد أن أعرف أين ذهبت نتائج تشريح جثة زوجي لأنه لم يتم تسليم أي تقرير، أجرت لي النيابة جلسة وبعدها قاموا بترحيلي إلى سجن المنصورة”.

رسالة “س” للرأي العام ولكل المسؤلين في البلد أن “ينصفوها وأن يحركوا ملف قضيتها مراعاة لأطفالها ووضعها”.

**كانت مدلكتها فأصبحت عدوتها**


سجينة أخرى تقول: “إنها وبعد انفصالها عن زوجها قامت بمهنة التدليك للنساء، وربحت مالا بسيطا استطاعت أن تصرف به على أطفالها، ومع الأيام زادت المسؤولية، وأصبحت المتطلبات أكثر، مرت الأيام والأشهر وتحولت إلى مجرمة بسبب مال امرأة كانت تدلك لها، وتقول بأنها اتهمتني بالسرقة وكانت الأمور بيني وبينها طيبة لكن قوة المال تتغلب على قوة القانون، وجلست في البحث ثلاثة أشهر وبدون تحقيق، وعلمت بقصتي فاعلة خير وكانت هي طوق النجاة لي وأخذت كافة المعلومات الكافية عني، وقالت لي إنها ستقوم بإخراجي من السجن، بعد ذلك أتى بعض الأشخاص من شركة اتصالات ووعدوني بأنهم سيقومون بإخراجي من هنا، والاطلاع على التقرير الخاص بي، والذي يقول بأني مريضة وعندي كيس بالدماغ، وبالفعل قاموا بدفع المبلغ الذي التزمت بدفعه للمرأة وتم خروجي من السجن، لكن الإفراج ذلك لم يدم طويلا، حيث استدعيت مجددا، وتم اقتحام منزلي وترويع أطفالي، وقد طلب مني التوقيع على ورقة لكي أخرج، لم أقرأ الورقة وقمت بالتوقيع عليها وأعطوا لي الحكم، وتفاجأت بأن يأتوا لي بنسخة من الحكم وفيها أنه علي مبلغ وقدره “مليون ومائة ريالا” بمعنى أن المرأة قامت بزيادة مبلغ “ستمائة ألف” وأن شركة الاتصالات قامت بتسديده، وأني أخبرت القاضي بأن المبلغ قد تم دفعه”.

وتضيف: “أنا الآن لي شهر في السجن ولم أعرف عن أولادي شيئا وأين هم ؟ أموت في اليوم الواحد مائة مرة، أنا ليس لدي أهل يسألوا عليّ وكنت عائشة من أجل أولادي، أنا الآن مدفونة بالحياة”.

**أربع سنوات دون حكم**

القصص لاتنتهي حد ذلك فالسجينة “ر” اتهمت وأخوها بقتل زميل لها بالعمل، وذلك بعد مشادة كلامية وإطلاق رصاص بينهما انتهت بوفاة زميلها الذي جاء لمنزلها لإحضار مبلغ من المال كانت قد طلبته، وتم إسعاف الضحية، لكن دون جدوى توفي وأصبح مصير “ر” وشقيقها السجن، ومنذ أربع سنوات لم يتم الحكم بقضيتهما أو الإفراج عنهما بضمانة، حد قولها.

**ضمنت صديقاتها فهربن**


ولفعل الخير أحياناً مساوئ كثيرة، فالسجينة “س” على سبيل المثال قامت بضمانة صديقات لها عبر كرت راتب زوجها، وفرت صديقاتها ووقعت هي ضحية تلك الديون، ومع مرور سبعة أشهر إلا أن “س” لم تقدم للمحاكمة رغم عرضها على النيابة واتهامها بخيانة الأمانة.

الحديث عن قصص ومعاناة السجينات هي ليست من باب اتهام طرف دون آخر، ولكننا أردنا أن نضعها لعل من بين الناشطين الحقوقيين أو المحامين من يستطيع مساعدة تلك النسوة سواء على العرض على محاكمات أو الإفراج وتجاوز ذلك السجن التعسفي، فالمتهم يظل بريء حتى تثبت جريمته.

**27 سجينة و8 أطفال**

الحياة في السجن صعبة ولاتطاق فالسجينات الـ 27 لا يعشين وحدهن بينهن 8 أطفال دون أبسط الحقوق الإنسانية، لا ألعاب ولا ملابس ولا غذاء صحي، وهذا ما يعني أن سجن النساء يفتقر للدعم المالي والمعنوي من مصلحة السجون، ومن الدولة ومن المنظمات، فالسجينة إنسانة تحتاج للرعاية الكاملة وأطفالها كذلك.

**إمكانيات متواضعة**

المشرفة ذكرى تقول لنا: “لا توجد أي رعاية ولا ميزانية خاصة من إدارة السجن إلا في حال دعم بعض المنظمات وأهل الخير، حيث إننا نقوم بعمل عدة دورات مثل الخياطة ودورة كمبيوتر ونقش حناء وتطريز وكوفير وغيره، وذلك لتخرج المرأة من السجن ولديها مهنة شريفة”.

وتضيف: “كما نمكنهم من التواصل مع الأهل أو لطلب محامٍ عن طريق الجوال الخاص بمشرفة القسم”، أما عن الجانب الصحي فتتحدث أنه “في حال وجود حالات وضع في السجن نقوم بإسعافها إلى مستشفى الصداقة لتلقي كافة الرعاية اللازمة، وبعد ذلك نعيدها إلى السجن”.

وعن الأطفال تجيب: “وأما بالنسبة إلى وضع الأطفال فيكونون إلى سن السنتين برفقة والدتهم وبعد هذا السن نقوم بتسليمهم إلى الأهل أو محاولة التنسيق مع دار قطر للأيتام الخاص بالفتيات، أما إذا كانوا أولادا وقد وصل إلى سن السنتين نقوم بتسليمهم إلى إحدى أهالي السجناء وفي حال عدم وجود الأهل يبقى الطفل مع والدته حتى تستكمل مدتها”، مشيرةً إلى أنه “كان في السابق (اتحاد نساء اليمن) تعمل على توفير محاميات للسجينات، ولكن الآن هم في فترة ركود، أما عن التهم الموجودة لدينا فهي متنوعة من: سرقة، قتل، وشروع في قتل، مخدرات، زنى، رق، فعل فاضح”.

**(أطباء بلاحدود) وجهود أهل الخير**

وعن إدارة السجن فهي تتولى العلاج ولكن بإمكانيات بسيطة، بل إن (أطباء بلا حدود) هم من يقومون بعلاج السجينات كل يوم ثلاثاء وإعطائهن الأدوية، وهناك حالات طارئة تتطلب علاجهن خارج السجن لأن في السجن تتوفر علاجات أولية وبسيطة، أما في حال كان هناك ملابس أو أكل أو أي شيء يأتي إلى السجينات من الأهل فذلك مسموح لأنه يتم تفتيشه، ولكن نمنع الأشياء الحادة”، موضحة بأن “وضع سجن قسم النساء أفضل مقارنة بسجن قسم الرجال، لأن سجن النساء يحصلن على دعم من المنظمات، مثل الهلال الأحمر التي قامت بتوفير عدة أشياء لهن مثل: الثلاجة، شولة فرن، ومروحتين اثنتين سقف، ومستلزمات خاصة بالنساء، بالإضافة إلى بعض من المنظمات، كما أن إدارة السجن تقوم بتوفير الأكل والشرب والعلاج، مع أن الأكل الذي توفره الإدارة قليل جداً، وحالياً لا يوجد فرشان، وبعض السجينات تنام على الأرض”.

واختتمت حديثها لـ “الأيام” بالقول: “نعاني من النقص بالعسكريات، حيث أننا في القسم أربع عسكريات”.

**فليتحمل كل راع مسؤوليته**

انتهيت بهذا اليوم من عرض وضع السجن والسجينات بسجن المنصورة وأنا كلي أمل أن يلفت أهل الخير والمنظمات والناشطون الحقوقيون، وكذلك القضاة والنيابات إليهن ولقضاياهن، فأساس الحياة الأمن وأساس الأمن سيادة القانون، ولن يسود إلا إذا تحمل كل راع مسؤوليته أمام الله ثم الناس.

" صحيفة الايام "