عزلة المشاولة بالمعافر في تعز .. خدمات مشلولة وغياب للدولـة

عدن الحدث| متابعات
منطقة المشاولة بمعافر تعز منطقة مترامية الأطراف، يحدها من الشرق جبل الرمشمش، ومن الغرب جبل الروي، ومن الجنوب دبع وبني عمر في الشمايتين، ومن الشمال جبال السوا، وبالرغم من اتساعها وأهميتها التاريخية، إلا أنها تخلو من المشاريع الخدمة سوى من بعض المشاريع التي تم إنجازها بعمل تعاوني خلال السبعينات من القرن الماضي.

اليوم باتت هذه العزلة ذات الكثافة السكانية الكبيرة تعيش واقع البؤس والحرمان من أبسط الخدمات الأساسية، بعد أن تنكرت الجهات العنية للدور النضالي ولوطني لهذه المنطقة وأبنائها.

«الأيام» تلمست هموم الناس فيها وخرجت بالاستطلاع الآتي:

تقع عزلة المشاولة جنوب غرب مدينة تعز، على بعد حوالي (40كم) تقريباً، وتبعد عن سوق النشمة بحوالي (18كم) ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر بوابتين هما: باب (اللازق) و(البابين)، وفي الآونة الأخيرة شقت الدولة طريقاً اسفلتياً بطول 9كم كان مخططا بطول 20كم لربط المعافر بالخط الساحلي غير أنه لم يكتمل، وأهم ما يميز هذه المنطقة موقعها الجغرافي الهام والذي كان يتحكم بطريق التجارة قبل الإسلام ويربط المدن اليمنية القديمة بموانئ البحر الأحمر.







**السكان والمساكن **

يبلغ عدد السكان وفقاً لإحصاء عام 2004م(19000) نسمة تقريباً وبلغت الأعمار من (15-45) عاما 11780 نسمة وفقاً لإحصاء المجالس القروية لعام 2014م وعدد البدو الرحل أكثر من 60 نسمة، وعدد النساء الحوامل 464 في حين بلغ الأطفال دون السنة 429، وتعد هذه العزلة طاردة للسكان لمن هم في سن العمل حيث سرعان ما يهاجرون إلى المدن والدول المجاورة.. أما عدد المحال السكنية فقد بلغت سبع هي: المفاشقة (6) قرى وقعيطة الجبل (11) والمناصرة(10) والمسابلة (19),والخورة (9) والانبوه (5) والاسدوح(11) قرية، بالإضافة إلى البدو الرحل.







**القطاع الصحي متدهور **

تفتقر عزلة المشاولة إلى الخدمات الصحية حيث لم تنعم حتى اليوم بمشفى صحي على الرغم من الأمراض المنتشرة بين السكان والناتج عن الظروف الغذائية والبيئية التي يعاني منها المواطنين.

وحول هذا الموضوع يقول الدكتور أحمد حسن عقلان: «يوجد في المنطقة مستوصف وحيد يستقبل شهرياً 30 حالة مرضية، ويفتقر إلى أبسط الخدمات المصاحبة للعناية بصحة الطفل والمرأة وبعض الحالات المرضية يتم نقلها إلى مستشفيات المدينة كالتربة أو إلى مستشفيات تعز ولا يوجد كوادر طبية استشارية ودواء وكوادر صحية يمكن الاستفادة منها كما تحتاج هذه المنطقة إلى الإمكانات الطبية والبنية الصحية لخدمة الناس المحرومين من أبسط الخدمات الضرورية» مضيفاً «أهم الأمراض الشائعة المنتشرة في المنطقة هي: أمراض المسالك البولية، والجلدية، والباطنية، والسرطانات، والديدان الشائعة، ولهذا نحتاج إلى أجهزة ومعدات وكادر تمريض وترميم المرفق الذي استهلك بالتقادم».



**نقص في الكادر والمدارس**

الجانب التعليمي في هذه المنطقة أيضاً لا يخلو من النقص والمشكلات التعليمية يقول أيوب محمد عقلان المشولي وهو أحد مواطنين: «في هذه المنطقة أربع مدارس مختلطة تعاني جميعها نقصاً شديداً في المعلمين يصل إلى 80 معلماً، ومدرسة أسماء للبنات بدون كادر تعليمي، كما أن مقاعد الدراسة، والأثاث، والوسائل معدومة، أيضاً تخلوا هذه المدارس من السكن الخاص بالمعلمين».

أما الموجه التربوي فائز علي عبدالرقيب فقال لـ«الأيام»: «تعاني منطقة المشاولة العليا غياب الخدمات، وإن كان قطاع التعليم متوفراً بشكل نسبي إلا أنه لا يتناسب مع الكثافة السكانية، فهناك فصول دراسية محدودة في ظل تزايد الطلاب كل عام، بالإضافة إلى النقص في الكادر التعليمي المؤهل، وفي جانب تعليم الإناث فهناك العديد من حالات التسرب لعدم توفر كوادر نسائية مؤهلة خاصة في مجتمع يرى في تعليم الفتاة ضرورة هامة لانتشال المجتمع من براثن الجهل والتخلف».







**الطفولة معذبة**

الطفولة في هذه المنطقة محرومة من حقوقها في اللعب والتعليم كأقرانها، بل وتقوم بأعمال وأشغال يفوق طاقتها بشكل كبير تقول الطفلة سماح حسن علي أحمد: «حرمت من التعليم كون أسرتي فقيرة لم تستطع دفع رسوم التسجيل والكتب والدفاتر ولهذا أقوم يرعي الأغنام مع أني أطوق للتعليم كغيري من الفتيات ولكن ما في اليد حيلة».



**حرمان من خدمة الكهرباء**

تعد خدمة التيار الكهربائي من الخدمات الأساسية لأي تجمع سكاني في العالم، ويعتبر غيابها نقص بحق الحكومة، كونها خدمة لابد منها في وقتنا الحاضر، في هذه المنطقة الأمر مختلف حيث تغيب هذه الخدمة في ظل تواجد الأعمدة الخاصة بها.



**النشاط الزراعي**

يعتبر مجال الزراعة من المجالات المهمة والتي تشتهر بها المنطقة، يقول خليل علي محمد: «تعد المشاولة في المعافر من الأماكن التي تشكل أهمية كبيرة في انتاج الغذاء، ويعود ذلك لما تحتويه من وديان عديدة في نطاقها الجغرافي الأمر الذي جعلها تتميز بزراعة العديد من المحاصيل الغذائية وأشجار فاكهة المانجو والجوافة والنخيل وغيرها على الرغم من غياب النشاط الارشادي الزراعي، الذي ليس له أي أثر».

أما محمد راشد علي المشهري فيرى: «أن هذه العزلة بحاجة إلى رعاية واهتمام أكبر، لكي يتم الحفاظ على المساحة الزراعية الموجودة حتى لا تطغى عليها شجرة القات التي بدأت تغزو المنطقة نظراً للأرباح المالية التي تحققه هذه الشجرة للمزارع ويعتمد الفلاح كلياً على الزراعة إضافة إلى أنشطة أخرى كتربية النحل، ورعي الأغنام وكذا وتربية الابقار والماعز والدواجن».







**اعتزاز **

عبدالرحمن أحمد عبدالرحيم القعيطي قال: «مثلما يحلّق الحس الوطني عالياً في آفاق المشاولة يبدو الانتماء لجسد المجتمع المحلي حاضراً هو الآخر، فالكثيرون يعتزون بأسرهم وعشائرهم وقبائلهم التي يرونها جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع اليمني وتراكيبه المختلفة والمتنوعة التي تضفي تنوعاً وتفاعلاً يغذي حالة الانتماء لكل ما هو أصيل وعريق بعيداً عن الولاءات والانتماءات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعتز المشاولة بتراثها التقليدي أيما اعتزاز وعاداتها الأصيلة المتوارثة جيلاً بعد جيل».



**تجربة ملفتة **

شاهر محمد أحمد قال: «ما يجدر الإشارة إليه أن ماء الشرب متوفر منذ منتصف السبعينات قام به الأهالي بعمل تعاوني خيري وتغطي الشبكة المنازل لأكثر من (1100) عداد وهي تجربة جديرة بالإشادة بها وضرورة استنساخها في أماكن أخرى من اليمن».



**منطقة جميلة **

أما عبدالله محمد عبدالرقيب فقال: «المشاولة منطقة جميلة وفيها العديد من الأماكن الأثرية والسياحية والزراعية.. هي أشبه ما تكون بمتحف طبيعي فيه القديم والحديث والبدائي والمتطور.. المزارعون لهم حضورهم الفاعل وكذلك الرعاة وأصحاب الحرف والمثقفون والمشايخ والشخصيات الاجتماعية ولكل قرية خصوصية من نوع ما ولكل شريحة من شرائح المجتمع مشاكلها وتطلعاتها».







**جذب سياحي**

من جانبه قال الحاج محمد عبدالرقيب الرضي: «ثمة مناطق في عزلة المشاولة صالحة لأن تكون مناطق جذب سياحية وبإمكانها استيعاب العديد من المشاريع وتشغيل الكثير من الأيادي العاملة المحلية ومن بين هذه المناطق منطقة جبل الروي والسوا والمدبغة وتتميز بمناخ رائع بجانب ما يميزها من وجود الحشائش وآبار المياه العذبة، ضريح أبو الأسرار ومسجده وضريح عفيف الدين السادحي ما تزال أثارهما قائمة حتى اليوم بكما يوجد قبر سعيد اليهودي الذي مازال قائما كدليل على التسامح الديني».

وأضاف: «ترك أبو الأسرار في نفوس أبناء المنطقة حكايات عن الكرامات لم يبق سوى ضريحه القائم حتى اليوم والذي كان يعد أحد المزارات الهامة بجانب جامعة المعروف بجامع أبي الأسرار المبني من خامات محلية والمزود بأربع قباب وإلى جواره الحوطة و(كريف) ماء كان يلبي احتياجات المصلين وبعض السكان المحليين.. وما يتوجب الإشارة إليه هو أن هذا الجامع كان ذات يوم قبلة لطلاب العلم والدارسين من مختلف المناطق المجاورة فصار عرضة للاندثار شأنه شأن الغرف الملحقة به التي كانت مخصصة لاستقبال وإيواء طلاب العلم».



**حرمان وإقصاء**

بدوره علي عبده ماجد إبراهيم في عقده السابع تحدث عن معاناته بالقول : «كنت جنديا في المظلات ونفذت أربع قفزات وقبلها كنت أحد الجنود الذين فكوا حصار السبعين في صنعاء ضمن الكتيبة الأولى في نقم بصنعاء فترة حمود ناجي سعيد ومن بعده علي نصيب المعمري وعبدالجبار علي محمد نعمان ومحمد مهيوب الوحش قائد مدرسة المظلات الذي قتل بشارع علي عبدالمغني وبعد أحداث الحجرية 1979م حرمت من استحقاق المرتب ومنذ عام 2004م وأنا أعامل لإعادة مرتبي دون جدوى ومن زملائي المحرومين كل من عبدالجليل قاسم عبده علوان ومحمد علي عبدالله إبراهيم ومحمد راشد المشولي ومهيوب علي فارع الجسر وكلنا حرمنا من المعاشات ونعاني التهميش والظلم والحرمان».

من جانبه قال محمد أحمد الصغير المجذوب بأن حالات التهميش لفئة (الأخدام) لا توجد في هذه المنطقة ونعتمد على أنفسنا في العمل وكسب العيش الحلال ونمتلك منازل ونقوم بالعمل الزراعي.

وشكا الأهالي من انهيار التربة الزراعية جراء الأمطار الغزيرة كل عام بالإضافة إلى الاعتداء على المقابر التي تتعرض للجرف والتوسع الزراعي على حساب الموتى وطالبوا بتسويرها احتراماً للموتى.

هذه لمحة بسيطة من معاناة هذه العزلة وأبنائها والمحرومة من أبسط الخدمات بعد أن كانت موضع الإشارة وموطن العبارة ومنبع الأسرار المتدفقة بعرق أبنائها.


" صحيفة الايام"