فرصة الحكومة في تطوير الوظيفة العامة

عبدالقوي العديني
 العاملون في الصحافة الاقتصادية يتطلب منهم جهد أكبر لجمع المعلومات وتحليلها وكتابتها..
يستغرق الأمر وقتا أطول لإنجاز العمل؛ غير أن المهمة تصبح شاقة ومكلفة في ظل الحروب، التي بسببها يهدر الكثير من الوقت.
كيف نصدر مجلة اقتصادية بهذا المستوى في ظل الصراع القائم، والتصنيفات السياسية والمخاطر القائمة؛ في ظل غياب المصادر وانعدام الدعم المادي والمعلوماتي الذي كنا نحظى بهما سابقا من الاتحاد العام للغرف التجارية ومن جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.
نصدر هذه المجلة بهيئة تحرير يعمل جميع أعضائها عن بعد؛ بنظام "نموذج الهجين" مع تعديل يتلائم مع الصناعة الإبداعية؛ يمزج بين العمل المكتبي والميداني، والعمل من المنزل؛ وللطاقم الرئيسي حرية الدوام والعمل يومين في المكتب وثلاثة أيام ينفذ فيها مهامه وواجباته من المنزل.. وخلالها فإن العمل الميداني واجب تحتمه طبيعة المهنة، كونه شرطا رئيسيا من شروط العمل بكفاءة وفاعلية واحتراف.
لم نفهم بأن العمل عن بعد ينفذ بنسبة 100% من محل الإقامة؛ فذلك فهم خاص بحكومتنا الموقرة، إذ إن عقد اللقاءات والاجتماعات الشكلية والبرتوكولية نشاط يقيم بما تم بعد تلك الاجتماعات، ومدى تحويلها إلى برامج وخطط بواسطة فرق مساعدة، مهمتها دعم القرار وتحويل عمل المجلس إلى خطط مبرمجة، وإلا فإن النتائج ستكون كارثية وحتمية، مثلها مثل تلك الكمامات التي اكتسبت طابع إجراء شكلي يحمل بالأيدي ويماط عن الوجه ليستقر على العنق.
نحن كمؤسسة متخصصة في الصحافة الاقتصادية والتنمية، أدركنا مبكراً أن ثقافة المطبخ الصحفي والطاولة الواحدة "تغيرت إلى الأبد" فيها إيجابيات وفيها من المخاطر ما يكفيك أن تفكر بتغيير مهنتك، وما تلبث الفكرة تراوحك.. خصوصا عندما تكون الجودة والمهنية ومستوى العمل الفني شروطا لا تقبل المساومة.
كيف سنعمل في ظل حكومة أجبرت على العمل عن بعد أيضا.. واكتفت بممارسة نشاطها في نطاق محدود، فضربت عليها القيود، ووضعت في طريقها الحواجز.
الكثيرون اعتبروا العمل عن بعد جريمة وخطأ فادحا تقترفه الحكومة؟ لاشك ان انتقاد الحكومة بهذا الشكل وتحميلها تبعات  الظروف القهرية الحالية كاملة تقييم خاطئ؛ فالعالم الآن ينجز أكثر من 80% من أعماله الإدارية بواسطة تكنلوجيا المعلومات وتقنية الاتصال المتجددة؛ كما أن ظروف الحرب والصراع هي التي أجبرت الحكومة على ممارسة عملها ونشاطها المحدود.
 مع ذلك لا نعفى الحكومة من إيجاد حلول ومخارج للوضع الذي تعيشه البلد؛ مهمتها تخفيف معاناة الشعب، وايضا توفير سبل التعافي وإعادة بناء الدولة.
السؤال: كيف ستبدو أولويات وخطط الحكومة للعام 2022 !؟ مواكبتنا للقضايا الاقتصادية والتنموية وأخبار الشركات والأعمال، يتأثر بلا شك بالأداء العام للمجتمع؟
كنا نصدر "الاستثمار" بشكل منتظم؛ ونعمل ميدانيا ومكتبيا؛ ويحضر عدد كبير من الصحفيين والفنيين لتجهيزها؛ وكان ذلك يتطلب نفقات مضاعفة؛ لكننا كنا نحظى بدعم من كافة الجهات العامة والخاصة؛  وفي الوقت الراهن هيئة تحرير المجلة تعمل وتراسل مكتب المجلة من كل مكان وهذا مؤشرا جيدا؛ لكن فاعلية وأداء المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على وجه التحديد تظل  متأثرة بمخاطر الحرب وبظروف الحكومة وأدائها الضعيف.
ومن عجيب المفارقات أن الكثير من أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة يشكون من زيادة تعرضهم للابتزاز والاتاوات مقابل الحماية؛ في مرحلة العمل عن بعد، عما كانت عليه في السابق وكان يفترض أن يتقلص الفساد بسياسات حكومية جديدة خصوصا والحكومة أجبرت على العمل عن بعد وهي الأن أمام فرصة حقيقية لتطوير الوظيفة العامة وتغيير أدواتها ولوائحا بالانتقال إلى التطبيقات والتكنلوجيا الإدارية والمالية وتعزيز ثقافة العمل عن بعد بشكل صحيح.
من أشكال الفساد الجديد أن بعض الجهات تطلب حق الحماية للموافقة على مشروعك.. وأصبحت كل جهة تفرض لنفسها اتاوات خاصة على المشاريع الكبيرة التي تقع في نطاقهم الجغرافي.
ولا عجب إن وصل الحال حد التضييق على المشاريع الريادة التي تخدم المجتمع وتنميه؛ فقبل أن  يبدأ صاحب العمل مشروعه سيجد نفسه في مجتمع موبوء بالفساد، بل وفي معترك يمنع فيه كل من يريد أن يعمل من العمل.
مع هذه العقبات، كيف ستبدو الخطة السنوية للحكومة؟ في ظل الحرب والتحديات التي تواجه اليمن؟ هل سيتم نسخ الخطط السابقة والمكررة، ونفس الأولويات المعلنة في السنوات السابقة؟ أم أن على الحكومة أن تشتغل على تطوير رؤيتها ووسائلها الوظيفية؟ وأن تعيد النظر فى حجم الهياكل التنظيمية، وأن تخطط وتبرمج نظام العمل عن بُعد، والاستفادة من ذلك في تصحيح الكثير من الأخطاء في النظام المالي والإداري، وفي المفاهيم التقليدية؛ ما لم فإن عقد الاجتماعات بالوسائل المرئية الافتراضية معترك شكلي لا يفضي إلى شيء.
على الحكومة أن تعمل على تجهيز وزاراتها ومؤسساتها للتحول إلى نظام العمل عن بُعد تكنلوجيا وأن تعزز ثقافة تقديم الخدمات في كل وزاراتها ووحدتها عبر أحدث التطبيقات وأن تبحث عن جهات تمويل دولية لتحقيق هذه الغاية، وأن تقوم بخلق ثورة إدارية شاملة تصحح من خلالها السياسات الوظيفية التقليدية السابقة.
يتوجب على الحكومة سرعة إنشاء جهاز مركزي خاص بالتنظيم والإدارة؛ هذا الكيان موجود في الكثير من الدول التي تعاني من مزاجية المسئولين الذين يتولون مناصب فيبادرون إلى إصدار قرارات عشوائية، ونسف ما سبق من جهود.
الحكومة مطالبة بأن  تبدع في خلق حلول وخطط غير تقليدية لتأمين الغذاء والدواء ل 16.2 مليون شخص افتقدوا أسط مقومات الحياة بحسب التوصيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن والغذاء يونيو 2021م، أي أن  54% من السكان، منهم حوالي 5 ملايين شخص افتقدوا الأمن الغذائي، بينما 50000 نسمة يواجهون ظروفا أشبه بالمجاعة، فيما يصل عدد المحتاجين للمساعدة نحو 20.7 مليون نسمة.
الحكومة مطالبة بتطوير أدواتها الوظيفية لمواجهة الوضع كارثي، والذي أدى إلى ارتفاع متصاعد في أسعار المواد الغذائية، حيث وصلت إلى أكثر من 100% بفعل ارتفاع أسعار الصرف من 630 ريالا للدولار الواحد، في ديسمبر 2020 إلى 1300 ريال في أكتوبر الحالي؛ أي  بنسبة زيادة تصل إلى أكثر من 100% في غضون عشرة أشهر فقط. وبالمقابل انخفاض القدرة الشرائية بنسبة 50%.
  أمام كل ذلك، نحن بأمس الحاجة لإنشاء جهاز حديث يوكل إليه التنظيم والإدارة وتطوير آليات العمل بما يتواكب مع المتغيرات الجديدة، وفي مقدمتها تكييف قوانين وأنظمة العمل بما يحقق الغايات المنشودة.
مجلة الاستثمار: نوفمبر  2021