تقارير
جامعة عدن بين مطرقة الفساد وسندان الإهمال
أكاديميون: رئاسة الجامعة لا تمنحنا حقوقنا كموظفين شرفاء وتعاملنا كعبيد:
غزت علامات التوتر وجه الأكاديمي العدني الدكتور فضل محسن، قبل يوم من موعد افتتاح العام الدراسي الجديد بكلية التربية بجامعة عدن، جراء الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها كأحد كوادر الجامعة الذين لا يكاد مرتبهم يكفي لشراء مقاضي أسبوع لأسرة من 10 أفراد يعيلها بفتات راتب شهري ضئيل يحصل عليه كمدرس وبشكل متقطع.
*"الجامعة تعاملنا كعبيد"
فضل يتحدث بمرارة عن وضعه قائلاً: "الجامعة لا تمنحنا حقوقنا كموظفين شرفاء، بل تعاملنا بقسوة إهمال مريرة كما لو كنا لا شيء، أحياناً أشعر أنها تملكنا كعبيد دون أن تكترث بظروفنا وما نعانيه من فقر وجوع، والمرتب الذي تمنحنا إياه ليس مبلغاً تافهاً فحسب، بل يشعرنا مسؤولو الجامعة كما لو أنهم يتفضلون علينا به".
هذا الوضع يعكس كيفية تعاطي رئاسة الجامعة مع كوادرها التعليمية، حيث تفضل توزيع موارد الجامعة كرشاوى وهبات على المقربين والأصدقاء وشراء الذمم والضمائر الفاسدة بغية الترويج لها أمام الرأي العام وإظهارها بمظهر حسن، تاركة الكادر التعليمي يعاني من الإهمال والحرمان من أبسط حقوقه.
*حين يصبح الفساد ظلاً ثقيلاً
تؤكد تقارير عديدة، أن من أبرز مظاهر الفساد في جامعة عدن، هو العبث المهول بموارد الجامعة تحت قيادة رئيسها "الخضر لصور". فضل يصف هذا الوضع قائلاً: "في كل زاوية من الجامعة، ترى أثراً لفسادهم. الموارد تُنهب بلا حسيب، كأنما تحولوا إلى وحوش تلتهم كل شيء أمامها. الأموال التي كان يمكن أن تبني قاعات دراسية جديدة أو تجلب أدوات تعليمية متطورة، تذهب إلى جيوب فاسدين لا يقدرون على شيء سوى النهب والتربح الفاسد".
تقارير كثيرة، تكشف عن أرقام لا تصدق للنفقات التي تقتطعها رئاسة الجامعة لنفسها من الميزانية العامة. الإيرادات التي يمكن استثمارها في تطوير البنية التحتية للجامعة، وترميم المباني، وإنشاء قاعات دراسية جديدة، واستجلاب أدوات تدريسية متطورة، تتبدد في مصارف لا علاقة لها بتحسين جودة التعليم.
منهجيات بائسة وأمل مفقود
الدكتور محمد يحيى، بدوره، أحد الأكاديميين في الجامعة، يصف الوضع المختل الذي تعيشه جامعة عدن: "المناهج التي ندرسها اليوم ليست سوى أطلال لماضٍ بائد، لا تمت للواقع بصلة. إنها كتب قديمة، صفحاتها تآكلت من الزمن، تُحمل على كاهل طلابنا الذين يستحقون أكثر من هذا".
يضيف يحيى: "بدلاً من استثمار الميزانيات الكبيرة، التي تستدخلها الجامعة كموارد، في تحديث المناهج وتبني أساليب تعليمية متطورة، تستمر رئاستها الفاسدة في لعبها بميزانيات الجامعة، كأن التعليم لم يعد هدفاً، بل وسيلة لملء جيوب الناهبين".
*صمت القبور
التقارير ذاتها قالت إن غياب جهاز رقابة ومحاسبة فعّال داخل الجامعة يزيد من حدة الفساد ويتيح لرئاسة الجامعة نهب المال العام والتصرف به لتحقيق أغراض ونزوات شخصية. هذا النقص في الرقابة يحول دون توجيه الإيرادات نحو تحقيق الأهداف التعليمية التي تساهم في تنمية المجتمع والارتقاء بمستوى التعليم في البلاد.
تظهر التقارير أن الحلول الجذرية تبدأ بتفعيل الأجهزة الرقابية وإعطائها صلاحيات حقيقية لمحاسبة المسؤولين. يتطلب الأمر أيضاً تبني استراتيجيات تعليمية جديدة تُعنى بتحديث المناهج وجلب أدوات تعليمية حديثة، وكذلك تحسين البنية التحتية للجامعة. كما ينبغي إشراك المجتمع الأكاديمي في اتخاذ القرارات لضمان أن تكون السياسات المتبعة في مصلحة التعليم والطلاب.
*رؤى المستقبل المظلمة وسبل الخلاص
مستقبل جامعة عدن يبدو مظلماً في ظل رئاستها الحالية التي تقف سداً منيعاً في وجه تطويرها. هذا الوضع الكارثي ليس مجرد نتيجة لأخطاء عابرة، بل هو نتاج منظومة فاسدة تغلغلت في كل أركان الجامعة. الدكتور فضل محسن يرى بصيص أمل في التغيير قائلاً: "لن يتغير شيء ما لم نقف جميعاً ضد هذا الفساد. نحن ككوادر تعليمية، يجب أن نتحد ونطالب بحقوقنا، وأن نعمل مع الجهات الرقابية لإصلاح الوضع".
يمكن أيضًا الاستفادة من تجارب ناجحة في دول أخرى حيث تمكّنت الجامعات من التحول إلى مؤسسات تعليمية رائدة من خلال التعاون مع القطاع الخاص وتفعيل دور الشراكات الدولية. هذه الخطوات مجتمعة قد تشكل خريطة طريق نحو إنقاذ جامعة عدن وإعادتها إلى مسارها الصحيح كمؤسسة تعليمية تهدف إلى خدمة المجتمع وتطويره.
لكن، في ظل الإدارة الحالية، يبقى الأمل ضئيلاً ما لم تحدث تغييرات جذرية وشاملة تبدأ من القمة وتصل إلى كل زاوية في الجامعة. من الضروري أن يتخذ المجتمع الأكاديمي والطلاب خطوات جريئة للمطالبة بإصلاحات حقيقية تضمن مستقبلًا أفضل لجامعة عدن ولكل من ينتمي إليها.