من تاريخ عدن
صفحات من تاريخ عدن
كتبها / بلال غلام حسين
فن المنلوج هو فن قديم متجدد, هو فن كوميدي كاريكاتيري, هادف, ساخر, سهل عند مشاهدته أو سماعه, ممتنع على من لا موهبة له.
يناقش الظواهر الاجتماعية والسياسية ويقوم بتحليلها في قالب كوميدي ساخر وإيجاد لحن يناسب الكلمات ويلبسها ثوباً قشيباً, كما صدق من قال: أعطني مسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً،وهناك قول يقال: أعطني منلوجاً, أمنع ظاهرة مرضية أو آفة اجتماعية.
ما أحوجنا في هذه الأيام لهكذا فن للتعبير عن الحالة التي يمر بها البلاد والعباد من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية.
كثيرة هي تلك الظواهر وخاصة الحالة التي وصل إليها شبابنا وأولادنا في عدن خاصة والمناطق الأخرى نتيجة للوضع المُزري وعدم الاهتمام والتركيز من قبل الأهالي والمسئولين.
والمنلوج العدني له باع طويل في دنيا الفن, وكان هناك فنانين كبار متخصصين في هذا اللون من الفن, أمثال عمر محفوظ غابة, عثمان مريبيش, والمنلوجيست العدني فؤاد الشريف. والمنلوج العدني فيه بساطة الكلمات وسهولة الإلقاء وخفة في الأداء.
فمثلاً في هذا المنلوج من ديوان الدكتور قيس غانم (أم الفأل), الذي يسرد فيه الحالة المُزرية التي وصلت إليها البلاد, هذا المنلوج بالمناسبة قديم ويرجع تاريخه إلى أكثر من أربعون عاما, بالرغم من قدمه إلا إنه يشخص الحالة السياسية والاجتماعية التي وصلت إليها البلاد في وقتنا هذا.
يقول في لقائه مع أم الفأل التي تشرح له حالة البلاد قائلة:
قالت لي شوف البلاد أتبهدلت بهدال
الفوضى دي في عدن ما جتش يوم في بال
الناس يتمارطوا والحكم للجُهال
جابوا لنا في البلد من كل نوع دجال
واحد من واق واق وواحد من الأدغال
واحد معه عرق هنا وواحد معه أخوال
ونحنا عيال البلاد في ذمة السركال
يشبعونا زعامة كل يوم أرطال
وإلا الإذاعة خُطب وعنتره وأقوال
هذا إشتراكي وذا بعثي وذا بطال
وهذا حزبي وذا قومي وذا مُحتال
زمان كانت عدن مضرب المثال
فيها الدكاكين بكل أنواع وكل أشكال
والشعب ياكل ويتعلم وفي أشغال
وفي صحافة وفي نهضة وفي عُقال
وفي حكومة وفي قانون وفي أبيال
وفي اعتراضات وبدي الرأي والأقوال
اليوم بلادي كأنه دقدقه زلزال
الناس تعابى والأمراض بكُل أشكال
والبطون خاوية والناس قُده أمغال
حتى كداديف زمان كانت بأحسن حال
المصانع خلاص اتدحملت دحمال
ودي المدارس رمم من كثرة الإهمال
والمستشفيات كارثة مليانه بالقُمال
البلاد زمبله ما أحسن الزمبال
شوف اللي معاهم شهادات البحصدي أميال
خلوا لنا المعقلة ومُنظرين جُهال
هذا الوزير أيش على حمال
وإلا ذاك الوزير كان زمان بقال
قالت لي عاده البلاد باتجي على أهوال
اللي شفتوه قليل ... بايقع لكم صمال
با يقع لكم خطف وتضيعات واستئصال
با يقع لكم بالجزم والدعس والتفال
با ترقدو بالرصد ... با تلبسوا أسمال
ذهب حريمكم كمان با يوزنوه أرطال
يا ناس عاد شي حياء وإلا قُدُه إستهبال
الحريم أتشمتوا والشيوبه عيال
ونحنا عيال البلاد في ذمة السركال
أبيات توصف وصفاً دقيقاً للحالة التي نعيشها اليوم بطريقة ساخرة, وكل شئ مذكور في الأبيات يحصل في واقعنا كل يوم, وعاد نحنا يا ما بانشوف العجب. وفي منلوج (فوق تحت) وأيضاً هو للدكتور قيس غانم يقول فيه:
قلبتوا هذا البلد الرجل عند الرأس
عشرين سنة تحكموا والناس في دعاس
شبعتوا نحنا كلام والخزنة في إفلاس
حرمتوا كل الصحف والفكر والإحساس
فركشتوا كم أسر غربتوا كم من ناس
أنتوا نصبتوا المحاكم وأنتوا جبتوا الفاس
وبشرحه لحال المحاكم في البلاد يقول:
المحاكم بهدلة في بهدلة والقضايا كلها مُتأجله
بس القُضاة مُتبجحين مبسوطين ومُطنشين
عائشين ومريشين ما في أي مشكلة
كل قضية تشُل دهر تشي جُري تشي صبر
تشي حبل طويل وجر تشي قات من حق هرر
تشي عود تايلاندي وعطر وهدايا غالية لله در
كل يوم يشتوا ذبيح كل يوم رز وحنيد
بطلوا أكل العصيد ودُخن يافع وزبيد
والفلوس تقرح قريح اللي ما يدفع يطيح
نعم الحريم يشتوا بخور من رجال من دون شعور
يحكموا بالهرجلة والهدايا المُرسلة
وكل شئ ماشي حلى والعدالة مُشنقلة
وفي قضاة مُعممين علمهم دُجره وطحين
يحكموا حكم قاراقوش كله يمشي برشوش
والفلوس المُنزلة مُش بعانه وباوله
وفي الأسبوع القادم من الذاكرة العدنية سوف أقدم لكم مجموعة أخرى من المنلوجات الساخرة التي تحاكي الكثير من الأوضاع من جميع النواحي.