تقارير

جنوب اليمن: قضية الانفصال ومعضلة الخيارات الصعية

الخليج الجديد

وافق الأحد الذكرى الــ47 لاستقلالها عن المملكة المتحدة وصارت تُعرف في نهاية المطاف باسم «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» أو «اليمن الجنوبي». ما بين عامي 1967م و 1990م كان «اليمن الجنوبي» دولة مستقلة عاصمتها «عدن» تلك التي تمتلك منفذًا استراتيجيًا كان يخدمها ويلفت إليها الأنظار. وإلى الشمال الغربي كانت دولة «الجمهورية العربية اليمنية»، أو كما تُعرف بــ «اليمن الشمالي»، وعاصمتها صنعاء.


وفي الوقت الذي ظل فيه كلا البلدين على علاقة ودية بينهما إلى حدٍ ما، إلا أن الحدود بينهما شهدت اشتباكات بين الحين والآخر رفعت التوترات إلى قمتها في بعض الأحيان. ورغم ذلك؛ فإنه في عام 1990م وضعت دولة «اليمن الجنوبي» و«اليمن الشمالي» خلافاتهما جانبًا وتوحدا لخلق الجمهورية اليمنية الحديثة المعروفة بصورتها اليوم، وتمت تسمية «صنعاء» عاصمة للدولة الموحدة. وكجزء من حكومة الوحدة الوطنية الجديدة؛ تم الاتفاق على أن يتولى رئيس اليمن الشمالي «علي عبد الله صالح» رئاسة الجمهورية الجديدة ويتولى علي سالم البيض - رئيس اليمن الجنوبي - منصب نائب الرئيس.

لكن شهر العسل بين اليمنيين لم يدم طويلاً، ونتيجة لنقص الغذاء على الصعيد الوطني والادعاءات بالتهميش الاقتصادي والسياسي من قبل الشمال تجاه الجنوبيين فقد عاد «سالم البيض» إلى عدن في عام 1992م احتجاجًا، وتلى ذلك حرب أهلية دموية قصيرة لاستقلال الجنوب في عام 1994م. وانتهت تلك الحرب بانتصار الشمال وتوطيد صالح لسيطرته، وهرب سالم البيض إلى سلطنة عمان، واستمرت معاناة الجنوب من التهميش.

اجتياح الربيع العربي

نتحول إلى الأمام حيث ثورات الربيع العربي التي اجتاحت اليمن مثلما فعلت في معظم دول منطقة الشرق الأوسط في عام 2011م. ومع سقوط الرئيس صالح؛ كان هناك اعتقاد أكثر تفاؤلاً - لكنه كان مشوبًا بالحذر - من أن الرئيس اليمني الجديد «عبد ربه منصور هادي» كان من الممكن أن يأخذ البلاد إلى الأمام. لكنه وحتى اللحظة لم تتحقق تلك الأحلام بعد، كما لم يحدث أي تغيير ملحوظ نحو الأفضل في اليمن. إن المهتم بشئون اليمن أو المتابع أخبارها يدرك أن نفس المشكلات التي عصفت بالشمال والجنوب على حد السواء لا زالت هي نفسها متغلغلة في كافة قطاعات الدولة والتي تعاني فساد وسوء إدارة وفقر ومنافسات إقليمية وخلافات دينية.

اليمن الجنوبي يدفع نحو الانفصال

وبعد عِقد من عودة الصراع والاقتتال مجددًا، استغل المتمردون الحوثيون في الشمال السخط العام ضد الحكومة في صنعاء ونجحوا في الزحف إلى العاصمة وتمكنوا من سيطرتهم عليها قبل شهرين فقط مُجبرين رئيس الوزراء اليمني على الاستقالة، ومن ثمّ بسطوا سيطرتهم على الكثير من الأجهزة الأمنية والمنشآت الحيوية في العاصمة وحولها.

ونجح الحوثيون منذ السيطرة على صنعاء في تحقيق ما ظلوا يطالبون به ويسعون إليه من نفوذ في اليمن، الأمر الذي أثار المخاوف لدى الجنوبيين من أن الحوثيين قد يفكرون في توسيع نفوذهم وبسطه ليشمل الجنوب أيضًا.

ويبدوا أن الأمور تزداد سخونة مرة أخرى في الجنوب، فقد تجددت مطالب الاستقلال التام عن اليمن الموحّد أو على الأقل الحصول على الحكم الذاتي الإقليمي من قبل «الحركة الانفصالية الجنوبية» أو ما تعرف باسم «الحراك»، ويومًا بعد يوم تكتسب تلك المطالب زخمًا أقوى. ورغم أن ما يحدث الآن يُوصف بأنه نضال سلمي في معظم أشكاله إلا إن تلك المظاهرات السلمية المطالبة بالاستقلال قد تتحوّل سريعًا إلى أعمال شغب أو ربما حرب أهلية أخرى تزيد معاناة اليمن وشعبه.

وتمّ ترتيب موعد مظاهرات يوم الأحد -تزامنا مع الذكرى الـ47 لاستقلال اليمن الجنوبي- من قبل الانفصاليين الجنوبيين في ساحة «العروض» بمدينة «عدن» لتتزامن مع أنشطة يوم الاستقلال 1967م لتجذب حشدًا بلغ عدده حسب بعض التقديرات عشرات الآلاف، رفعوا أعلام أشبه بأعلام اليمن الجنوبي قبل الوحدة في عام 1990م، وأعلن المتظاهرون صراحة رفضهم جهود صنعاء الرامية لإبقاء الجنوب تحت السطرة، رافعين لافتات تُعلن رفضهم المغادرة قبل تحقيق الاستقلال. وردًا على ذلك أطلقت القوات الحكومية الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية على الحشود، وأُشيع مقتل أحد المتظاهرين وإصابة أربعة آخرين.

التحدي الأكبر

واستنادًا إلى تقارير إعلامية بدا أنها أولت اهتمامًا بالغًا بتلك المظاهرات، فإنك قد تنظر للوهلة الأولى إلى قضية الانفصال على أنها أمر محسوم أو صفقة جاهزة، وأنه مع بزوغ شمس أي يوم جديد ستجد عناوين الصحف تعلن: «الاستقلال لجنوب اليمن»، ولكن هل هذا حقًا في مصلحة جنوب اليمن؟

ولعل أكبر تحد يواجه انفصال الجنوب في هذه المرحلة هو عدم وجود حركة موحدة أو زعيم مركزي قوي كما هو الحال مع الحوثيين، ويتكون «الحراك» بالفعل من ثلاثة معسكرات، ولكل منها أجندته الخاصة: هناك من يطالب بالاستقلال التام والفوري عن صنعاء، وهناك من يفضّل النظام الفيدرالي الذي يعطي كل منطقة من مناطق البلاد حكمًا ذاتيًا، وهناك من يريد إعطاء حكومة «هادي» التكنوقراط الجديدة - والتي تضم عناصر من الحراك - مزيدًا من الوقت لحل المشكلات العالقة. وحتى اللحظة؛ لم تعل كلمة أي معسكر على الآخر.

وعلينا ألا ننسَ أنه سيكون للحكومة في صنعاء رأي في هذا كله. وبعيدًا عن احتمالية نجاح ذلك في تلك المرحلة؛ فإن حكومة التكنوقراط الجديدة تخطط لشغل منافسيها ببعضهم البعض لتحقيق أمرين: منع أي مركز قوة من الظهور كقوة عسكرية أو سياسية مُهيمنة، بينما في الوقت نفسه تضمن أنها تحكم قبضتها على السلطة المركزية إلى حدٍ ما.

وإذا كان هذا يبدو مألوفًا فإنه سيحدث، لقد كانت تلك الاستراتيجية ذاتها التي استخدمها النظام السابق تحت حكم صالح لكن الاختلاف هذه المرة يكمن في أن هادي على استعداد لمناقشة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم تتمتع بالحكم الذاتي - أربعة في الشمال واثنان في الجنوب. لا يبدو هذا مثاليًا بأي شكل من الأشكال، لكن قد يكون أفضل فرصة لليمن لتجنب حرب أهلية أخرى - على الأقل في الوقت الراهن - يكون انفصال الجنوب سببا فيها.

وهناك نقطة أخيرة لابد من أخذها في الاعتبار حول من ينادون بالاستقلال وهي أنها حركات لا تبلي بلاءً حسنًا على المدى البعيد وذلك نظرًا إلى طبيعتهم وإمكانياتهم، وهذا صحيح أيضًا بشكل خاص في بلدان فقيرة في مواردها ومُجزأة تمامًا كاليمن الجنوبي. وتجدر الإشارة إلى أن اليمن نفسها ليست غنية في مواردها الطبيعية، وأن ما تمتلكه من مخزونات غاز ونفط إنما هي في تراجع مستمر نتيجة لتدهور الوضع الداخلي، لكن في الوقت ذاته فإن هذه المخزونات كافية للوفاء بالاستهلاك المحلي واحتياجات التصدير.

وبالنظر إلى تقديرات «صندوق النقد الدولي» فإن إنتاج الغاز والنفط يشكّل 60% من إيرادات الحكومة العامة، وأكثر من 90% من عائدات التصدير، ومن المرجح ألا تسمح حكومة صنعاء لأي حركة انفصالية تهدد تلك الإيرادات في ظل وجود أكبر احتياطيات للنفط في البلاد في محافظة «حضرموت» الجنوبية.

من دون أدنى شك؛ فإن جنوب اليمن لديه الشكاوى المشروعة ضد الشمال؛ خاصة فيما يتعلق بالتهميش السياسي والاقتصادي الذي استفحل منذ توحدهما في عام 1990م. العواطف جياشة؛ لكن هكذا تكون الرهانات. وفيما يتعلق بتلك النقطة فإن هناك خياران مطروحان على الطاولة؛ الأول يتمثل في الانفصال التام، وهو الأمر الذي قد يؤدي بشكل كبير إلى حرب أهلية أخرى يخاطر الجنوب بخسارتها مُجددًا، والثاني يقضي بإعطاء حكومة التكنوقراط الجديدة ومقترح ست مناطق حكم ذاتي فرصة للنجاح. دعونا نأمل تحقق الخيار الثاني، وإلا فالعواقب وخيمة.

المصدر | الجزيرة الإنجليزية

بعثة منتخبنا الوطني الأول تعزي عادل عباس في وفاة شقيقه


اختتام دورة للمفتشين الوطنيين على تقنيات تنفيذ مراقبة جودة أمن الطيران


الرئيس الزُبيدي يشيد بخطوة أستراليا في تصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية


تواصل الأعمال الإنشائية لمدرسة النقوب للتعليم الاساسي بنصاب بتمويل الإشقاء في الامارات.