الوحدة تصنعها مصالح الناس ويصونها وجدانهم وليس بالموت والدماء
سقطت ( الوحدة ) من حسابات الجنوبيين وماتت في نفوسهم؛ ولم تبقى لها ( حياة ) إلا في جيوب قلة قليلة ممن فقدوا إتجاه البوصلة التاريخي وأرتبطت مصالحهم وتزاوج فسادهم مع من أعتدوا على الجنوب وأحتلوا أرضه ونهبوا ثرواته؛ وأملنا أن تنتصر جنوبيتهم لصالح شعبهم وقضيته الوطنية العادلة والمشروعة؛ فهم جنوبيون ولهم وعليهم من الحقوق والواجبات مثلهم مثل غيرهم من الجنوبيين. لقد دفع الجنوب ثمنا كبيراً وغالياً من أجل أن يصنع بالوحدة حدثاً تاريخياً يفتح أبواب المستقبل المزدهر والآمن للجميع؛ غير أن الشريك قد جعل منها كمينا تاريخياً نصبه بإحكام للجنوب وبنية مسبقة وبخطة تآمرية ماكرة؛ وبذلك تحولت الوحدة من مشروع بناء وتكامل وقوة ومنعة؛ إلى وسيلة للإنقضاض على الشريك الجنوبي وإسقاط مشروع الوحدة بالحرب على الجنوب؛ والذي خضع بنتيجتها للإحتلال المباشر المكتمل الصفات والإركان. لقد مورست على الجنوب كل أشكال القهر والظلم والتعسف والإقصاء ونهب ثرواته ومصادرة حقوق أبنائه؛ والتنكر لتاريخه وهويته ومنجزاته الوطنية التي كانت ثمرة كفاح طويل ونضال شاق وتضحيات عظيمة؛ وكأنه لم يكن قائما بذاته كوطن ودولة وهوية؛ بل وذهب المحتلون بعيداً ومارسوا سياسة الإنتقام والتدمير لكل ما له صلة بالتراث الحضاري للجنوب المتعدد الأشكال ولكل ما يعبر عن خصوصياته وخصائصه الكثيرة الغنية والفريدة وطنياً وسياسياً وثقافياً وإجتماعياً. لقد تعاملوا مع الجنوبيين بتكبر شديد وإستعلاء وغرور مشبع بالجهل وغطرسة المنتصر الأحمق؛ بل وضعوهم في مرتبة دونية والنظر إليهم والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة. ولذلك كله لم يعد ممكناً بل ومن المستحيل أن يقبل الجنوبيين ( بالوحدة ) التي حاولت أن تلغي وجودهم وكيانهم وتاريخهم وحولتهم إلى أقلية مهمشة ومقموعة في وطنهم؛ ولذلك فإن الواقعية السياسية تقتضي بالضرورة الأخذ بها تجنباً لمزيد من الصراع وعدم الإستقرار؛ والإقرار التام بحرية الجنوب وحقه الكامل بإستعادة دولته الوطنية الجنوبية المستقلة. فاليوم أصبح هذا الخيار هو الصائب دون سواه والأنسب والمتاح للحفاظ على علاقات مستقبلية ودية وأخوية بين الشعبين الشقيقين الجارين في الجنوب والشمال؛ والبحث عن السبل التي تؤمن المصالح المشتركة والمتبادلة وتطويرها وحمايتها عبر آليات وصيغ قانونية منظمة لكل ذلك وبما يضمن إنسيابها وتنميتها وعلى قاعدة الإخاء والتفاهم والمحبة وصيانة الوشائج والصلات والعلاقات الإجتماعية الواسعة التي تكونت خلال عقود طويلة من الزمن؛ والعمل معاً من أجل ترميم ما كان قد أصابها خلال السنوات الماضية لأسباب معروفة؛ وإستعادة روح الإخاء المحبة القائمة على التعاون المثمر الذي يضمن حقوق الجميع ويعزز فرص الإستثمار وإنسياب الحركة التجارية وحرية العمل والتنقل ووفقا لإجراءات وضوابط وإتفاقيات بشأن كل ذلك. ففي مصلحة الناس تكمن وحدتهم وأمنهم وإستقرارهم ونضع المستقبل على الطريق الصحيح والآمن لعملية البناء والتنمية وليس بالحروب والتدمير لمقدرات حاضرهم ومستقل أجيالهم القادمة وبأسم الوحدة التي لم يعد لها وجود فعلياً في حياتهم.