فخُّ "الإطار التفاوضي"
حينما أُعلِنَت مخرجات مشاورات الرياض مطلع أبريل 2022م ووقف رئيس الوزراء (حينها والآن، وإلى ما لا يعلم إلا الله) معين عبد الملك، ليقرأ توصيات المشاورات، وحينما وصل إلى الفقرة المتعلقة بالقضية الجنوبية، تلكأ كثيراً وتعثَّر في قراءة نص تلك الفقرة حيث بدا أنها حشرت بصورة غير معدةٍ إعداداً جيداً في ذلك الموقع وإلا لما تحير في قراءتها، إنني أعني الفقرة التي لا تتعدى السطرين، والتي تنص على ما يلي " كما تم الاتفاق على إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة". لقد كان واضحاً أن ذلك هو آخر ما استطاع ممثلو الجنوب إدراجه في البيان الختامي، وقد علمت أن مشاكسات ومواجهات لفظية ومواقف متعنتة ومتعارضة قد جرت في قاعات النقاش في المحاور المختلفة، بين ممثلي الجنوب، أعني المتمسكين بالقضية الجنوبية، وبين المتمسكين بمبدأ "الوحدة أو الموت" مما يبين أن المشاركين في المؤتمر لم ينجحوا في وضع صيغة مقنعة للجنوبيين في ما يخص قضيتهم، وجاءت تلك الصيغة كوسيلة ترقيع هلامية لأ لون لها ولا طعم لا رائحة ولا معنى لها ولا مدلول. لا أتصور أن أحداً من أنصار القضية الجنوبية، وتحديداً ممثلي المجلس الانتقالي وبقية المكونات الجنوبية المؤمنة بحتمية استعادة الدولة الجنوبية قد توقَّع أنه سيعود من المشاورات ببيان إعلان الدولة الجنوبية، لكنه كان بالإمكان الخروج بتوصية واضحة ومفندة تعيد الثقة للجنوبيين بأن قضيتهم قد احتلت موقعها الحقيقي والملائم لحجمها الطبيعي كقضية شعب ووطن ودولة وتاريخ وهوية وثقافة وثروة وموارد ومستقبل أجيال ما يزال مرهوناً على الافتراضات والتمنيات وحسن النوايا. كان بإمكان معدي الفقرة أن يقولوا إنه "تم الاتفاق على عقد مفاوضات ثنائية (جنوبية-شمالية) تحت رعاية إقليمية ودولية، لوضع الحلول النهائية العادلة لقضية شعب الجنوب"، طالما اتفق الجميع على وجود قضية بهذا المعنى. لقد حاولت أن أترجم السطر اليتيم الذي ورد في مخرجات مشاورات الرياض فلم أنجح، وبالأحرى لقد وجدته عبارةً عن فخ لغوي أو لعبة لفظية أشبه بلعبة الكلمات المتقاطعة التي لا تقتضي الضرورة أن تكون لها معاني ملموسة طالما أدت الغرض وهو التسلية وقتل الوقت، فلم يقل لنا أحد أين هي "أجندة مفاوضات وقف الحرب"؟ ولا ما هو المعنى الملموس لوضع "الإطار الــتفاوضي الخاص" ولا أين هي "عملية السلام الشاملة". منذ اليوم الأول راودني الشك وعدم الطمأنينة لهذا التعبير الزئبقي الفضفاض الذي يحتمل عشرات التأويلات لكن ليس بينها تأويلٌ واحدٌ يقول أن إنصاف الشعب الجنوبي قادم وإن حل القضية الجنوبية بما يختاره ويرتضيه شعب الجنوب بكل أطيافه وفئاته وشرائحه ومكوناته السياسية والاجتماعية والجهوية والمهنية قادم وبرضى الشركاء اليمنيين والإقليميين والدوليين. سيحتاج الجنوبيون وقواهم السياسية إلى وقتٍ طويلٍ حتى يصلوا ألى نقطة "وضع الإطار التفاوضي" والاتفاق على معاني المفردات الثلاث الواردة فيه، وسنكتشف حينها أننا وقعنا ضحية أمرين يتمثلان في استمرارنا بالتعامل بحسن النوايا والصدق مع الشركاء، وغياب الخطة البديلة، أو الخطة (ب) كما يقول الخبراء السياسيون والاستراتيجيون. وذلك ما سأتوقف عنده في منشور قادم. ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ صَدَقَ اللهُ العَظِيْم