النفاق السياسي .. شكل ناعم للمكر والخداع !
للنفاق أوجه عدة في حياة المجتمعات بتعدد الثقافات ودرجات التطور وبتنوع العادات وأشكال الموروثات الشعبية المخزونة في نفوس الناس وتتوزع بين الضارة والمؤذية كتلك التي تعتمد على الكذب وعدم المصارحة ومجانبة الحقيقة، والصواب بهدف الإيقاع بمن يمارس معه مثل هذا الشكل من أشكال النفاق؛ و أخرى حميدة ومقبولة عند الناس ـ النفاق الإجتماعي ـ حتى وإن كانت خالية من المضمون في بعض الأحيان عند بعض من يمارسها من الناس، وارتباط ذلك بطبيعة المناسبة أو الحدث الاجتماعي للأفراد أو الجماعات كالمجاملات عند حدوث المصائب والأحزان أو الأفراح أو النجاحات وغيرها؛ فليس كل من حضر عزاء هو بالضرورة فعلًا حزين، ولا من حضر حدثًا سعيدًا هو كذلك، ولا كل من يهنئ شخصًا ما بنجاحه أيًا كان شكل النجاح هذا هو فعلًا صادق وفرح وسعيد حقًا بذلك. غير أن النفاق السياسي هو أخطر أنواع النفاق وأكثرها حضورًا وممارسة، خاصة في الحياة السياسية التي تنعدم فيها الثقة أو تكاد بين أطرافها ومكوناتها الرئيسية الفاعلة وشيوع حالة الخوف من الأخر أو بطبيعة عدم الوضوح أو الغموض في موقف كل منها كما يراها كل طرف عند الآخر، وهو الموقف المستند على الشك وعدم اليقين بمصداقية ما يطرحه هذا الطرف أو ذاك من أطراف العملية السياسية القائمة، والمرتبطة بظروف وملابسات اللحظة التاريخية المعاشة؛ ناهيك عن تنوع وتعدد المصالح والرؤى المعبر عنها في موقف كل منها وإن تغلفت جميعها أو أغلبها بالموقف الوطني العام إمعانًا في إخفاء بعض منها لنواياها وأهدافها (الخاصة)!! ولذلك وعوضًا عن المكاشفة وبروح الحرص والمسؤولية الوطنية والتاريخية والوضوح في تحديد المواقف والتعبير عن الرأي في هذه المسألة الوطنية أو تلك خدمة للهدف الوطني العام يلجأ بعضها للنفاق عندما يكون غير قادرعلى ذلك، ولأسباب كثيرة تتعلق به وحده، ومخفيًا الموقف الحقيقي منها لعله يتجنب إظهار ذلك علنًا، بل وربما يكسب في قادم الأيام إذا ما نجح غيره في تحقيق برامجه ورؤاه أو عند الفشل كذلك اعتقادًا منه بصحة وصواب هكذا موقف، وهي حالة تنطبق على الكيانات والجماعات والأفراد كذلك. وفي حقيقة الأمر فإن سلوكًا مثل هذا يشكل خطرًا جديًا على العملية السياسية الجارية في الجنوب، ولا يوجد ما يوازيه خطر، بل ويفوقه بكثير هو الموقف الرافض أو المعارض دون أخذ ورد لما يقدم عليه هذا الطرف الجنوبي أو ذاك مهما كان صائبًا وصحيحًا، وتبرره الظروف والأوضاع القائمة ولو بشكل نسبي وعدم التعاطي معه انطلاقًا من حجج وأعذار لا ترتقي إلى مستوى القبول بها أو الاقتناع بوجاهتها وتبقى الأسباب الحقيقة لذلك مخفية في صدور أصحابها، وبالنتيجة فإن ذلك كله يلحق الضرر بالقضية الجنوبية، وبالجنوبيين جميعًا ويعيق حركة التقدم إلى الأمام، وبالصورة التي نتمناها جميعًا.