هادي الصدوق الوثوق !!
حين سُئل رئيس اول حكومة اعقبت التوحد ، المهندس حيدر ابو بكر العطاس ، عن شخصية الرئيس هادي ، كانت اجابته وجيزة : صدوق وثوق " . وهذه ليست المرة الأولى التي سمعت فيها من يتحدث عن صدق وثقة رئيس قدره حكم البلاد وفي ظروف بالغة التعقيد ، اذ كنت قد سمعتها مرات ومن شخصيات قدر لها معرفة او موالاة الرئيس عبد ربه منصور هادي . طبعاً ، لم أخذ الأمر على محمل الجد ، على اعتبار ان المتحدثين هنا ممن حظوا بقرارات جمهورية او نالوا ثقة الرئيس هادي ؛ لكنني وبمضي الوقت ايقنت انهم بالفعل اصابوا كبد الحقيقة ، فكلما تعقدت الوضعية واخفقت السلطة الشرعية في معالجة كثير من القضايا والملفات المهمة والحيوية ، ادركت ان السبب الرئيس كامناً في صدق وثقة الرئيس هادي . فالرجل وعلى ما يبدو ، صدوق وثوق في رجاله المقربين المحيطين به، ولحد ان تعامله مع ملفات وقضايا شائكة ومعقدة يعتمد بدرجة اساسية على ما ينقله إليه رجاله المقربين الذين يمكن تصنيفهم الى ثلاث حلقات ضيقة ومتداخلة احياناً مع بعضها البعض . أهم هذه الحلقات ، حلقة العائلة وقرابة الدم وأهل البلاد ، ومن ثم دائرة الموالين بحكم مناصبهم كمستشارين ووزراء وساسة احزاب وسفراء واعلاميين وقادة عسكريين وامنيين وتجار ومشايخ قبيلة ومذهب والقائمة هذه لا تقتصر فقط على أسماء يمنية وإنما يندرج ضمنها أسماء سعودية واماراتية وخليجية ، فيما الحلقة الثالثة تضم قائمة من الاتباع الذين التحقوا بزمرة الحاكم وفي اوقات متفاوتة وتأثير هذه الفئة يتأرج صعوداً وهبوطاً وبناء وتطورات الاحداث . طبعاً حلفاء الرئيس هادي الخليجيين ،لم يعد لهم ذاك التأثير السابق الذي تبني فيه شركاء الميدان لعدد من القرارات الرئاسية وكذا لجملة من الملفات الحيوية ، ومع كل الضغوطات التي مارسها الاشقاء على هادي خلال الفترة المنصرمة ، يصعب القول ان الرئيس هادي ليس متحررا من دائرة الحلفاء ، ودليلنا هنا تغيير نائب الرئيس رئيس الحكومة الاسبق خالد بحاح ، ناهيك عن إقالة محافظي عدن وحضرموت وشبوة ، بل وكل من لا ترضى عنه الفئة الأولى تحديداً . الرئيس المخلوع صالح ، كان يتبع ذات الأسلوب الذي يتبعه الرئيس الخلف هادي ورجاله ، فالحال ان الأول كان يعين وزراء ومحافظين وسفراء ، ولمجرد ان دائرته الضيقة نقلت له صورة ايجابية ، ولا يهم اذا ما كانت الحقيقة مجافية تماماً . ففي عهد الرئيس صالح كان معيار الاخلاص للحكم هو ان تدبج مقالات او قصائد عصماء في صحيفة العميد علي الشاطر " 26 سبتمبر " او تلقي كلمة مديح وثناء في حضرة صاحب المقام العالي ، او تنافح عن نظامه الفاسد في قناة " الجزيرة " أو تعلن ردتك لمبادئ حزبك المعارض ،أو تنتهك خصوصيات زملائك واصدقائك المحسوبين مجازاً على معارضة يتهافت قادتها على صدقات وهبات الحكم ، فهذه دروب تنقل صاحبها من قاع الهامش والتهميش الى فضاء الشهرة والنفوذ والمغانم . نعم ، رأينا الرئيس هادي غارقاً حتى ارنبة أذنيه ، بسبب صدقه ووثوقه بمن حواليه من المقربين والمستشارين والموظفين البيروقراطيين الذين طالما استغلوا تلك الثقة ايما استغلال ، فكانت النتيجة قرارات متسرعة مرتجلة ، وتعيينات لشخصيات انتهازية وفاسدة في مناصب رفيعة ومؤثرة في الدولة ، وهذه المحسوبية بدورها كان لها انعكاساتها الخطيرة على السلطة الشرعية وادائها خلال الفترة الفارطة . واقع الحال يؤكد ان الرئيس هادي يعاني من تصرفات اتباعه ومواليه في المحافظات المفترض انها تحت سيطرة السلطة الشرعية أكثر من معاناته من خصومه الانقلابيين الذين هم على الأقل يسيطرون على محافظات يمنية خارج سيطرة ونفوذ هادي وحكومته . صدقاً ، اقول ان هادي وثق كثيراً برجاله المقربين المؤثرين في صناعة قراره الرئاسي ، فكان ان اعتمد على مسؤولين غير مؤهلين للقيام بمسؤولياتهم وفي ظرفية قاهرة يتوجب لها رجال استثنائيين ، وعندما اعتمد على اناس لا يمتلكون لا كفاءة ، ولا نزاهة ، ولا تجربة ، فبكل تأكيد النتيجة سلبية وصارخة بالفشل والاخفاق . ختاماً ، اخي الرئيس هادي ، اصدقك انني صرت لا افهم ما تفعله بنفسك وبناء ، فعلى فرضية ان رجالك المقربين استغلوا صدقك وثقتك بهم ؛ فهل ستبقي اسيراً لهذه الثقة العمياء ؟ وهل ادركت ان اخفاق السلطة الشرعية في المحافظات المحررة مصدره الاول اعتمادك على مسؤولين مؤهلهم الوحيد انهم من الاقرباء ومن البلاد ومن الموالين العابثين الفاسدين ؟ . أتمنى ان تتحرر من ربقة رجالك المقربين الفاسدين تحديداً ، فالمهمة كبيرة واستثنائية وتستدعي منك ان تكون بحجمها ، فالدولة المدنية الاتحادية يستلزمها أفعال ورجال قبل الاقوال ، ولا اظن ان السلطة الشرعية بوضعها الراهن يمكن الاعتماد عليها في انجاز مشروع كبير وعظيم وتاريخي كهذا . فالدولة الاتحادية التي تدعون إليها في كافة المناسبات والخطب الرئاسية ، مازالت مجرد طموحات وآمال مكتوبة في وثيقة وطنية تاريخية ، فدونما يتوافر لها ارادة سياسية قوية وشجاعة ، ودونما ادارة نزيهة ترتقي لمصاف الهم الوطني التاريخي ؛ أجزم ان الدولة الاتحادية ستظل عالقة وغائبة بين سلام لا يبدو انه سيتحقق ولو على المدى القريب ، وبين تحرير شكلي وناقص ومتعثر نتيجة لفقدان الارادة السياسية الحقة ونظراً لغياب التمثيل الوطني المشرف والفاعل للسلطة الشرعية .