عندما يتوحد الشرعيون والانقلابيون
لست متيقنا من الأنباء التي تسربت عن توافق ممثلي الحكومة الشرعية والحوثيين على رفض طرح القضية الجنوبية ورفض مشاركة الجنوب والمجلس الانتقالي على وجه الخصوص في مشاورات جنيف القادمة، لكن معظم المواقف السياسية لهؤلاء تبدأ دائما على شكل تسريبات ثم ما تلبث أن تغدو حقائق تنضح بها أوعيتهم الإعلامية والسياسية ومواقفهم العملية. هذا الموقف ليس غريبا فالطرفان يسيطر على صناعة القرار فيهما غير الجنوبيين وعندما يشركون معهم بعض الجنوبيين من باب رفع العتب فالأخيرون لا يتصرفون إلا كضيوف يحترمون آداب الاستضافة ومتطلباتها البروتووكولية، حتى لو كانت هذه الاستضافة خارج مقار إقامة المضيفين وديارهم، وقد لمست من الكثير من المسؤولين الجنوبيين في السلطة الشرعية ممن التقيتهم وتحدثت إليهم، من مختلف المستويات أنهم مع العودة إلى وضع الدولتين لكنهم لا يستطيعون البوح بهذا الموقف بسبب قوة نفوذ وهيمنة النخبة الشمالية على صناعة القرار داخل مكونات السلطة الشرعية. ما تسرب عن هذا الموقف (صحيحاً كان أم غير صحيحٍ) يكشف الكثير من مكنونات العقل الباطن لهؤلاء وهو ما يعبر عنه كتابهم والمتحدثون باسمهم،وقد قرأت منشورات وتغريدات عديدة كتبها أصحابها بابتهاج شديد للتعبير عن سرورهم بعدم التعرض للقضية الجنوبية في جنيف. وجهة نظري الشخصية أن جنيف ليس سوى محطة من عدة محطات لمحاولة بناء الثقة بين طرفي الأزمة في شمال اليمن (الحوثيين والشرعيين)، وبالنسبة للجنوب والجنوبيين فإن لهم قضية أخرى لا تتعلق بهذه الثنائية التي أعيت العالم وعجز طرفاها عن العثور على مشتركات، لكنني أرى أن على الجنوبيين أن يلبوا دعوة المبعوث الأممي إذا ما دعاهم، وسواء وصل المتقاتلون إلى اتفاقات أو حتى إجراءات بناء الثقة أو لم يصلوا، وهو الاحتمال الأرجح فإن قضية الجنوب هي بيد الجنوبيين وحدهم، وعندما يتحدث القادة الجنوبيون عن أهمية اعتراف العالم بالقضية الجنوبية فإن هذا لا يأتي إلا من باب الحرص على توفير الجهود واختصار الطريق وليس لأن الجنوبيين يتسولون شيئا ما من طرف ما. الشعب الجنوبي اختار طريقه، وهو يعلم إلى أين يتجه وسواء أقر الآخرون بهذه الحقيقة أم أنكروها فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئا، وسيعلم الذين يجهلون أو يتجاهلون هذه الحقيقة أن كل المساعي الرامية إلى حل الأزمة بدون حل القضية الجنوبية ستؤول إلى الفشل لأنها تتجاهل أهم عنوان وعمود الأزمة الفقري، وهذا بطبيعة الحال لا يثني الجنوبيين عن مواصلة نضالهم الشاق والطويل حتى بلوغ الغايات التي آمنوا وسيظلون يؤمنون بمشروعيتها ويقدمون الغالي والنفيس من أجلها. ومرة أخرى عندما يتفق الطرفان المتقاتلان بدماء وأرواح البسطاء من أنصارهم بالوقوف ضد الجنوب والجنوبيين فإنهم يبرهنون أن كل ثرثراتهم عن القضية الجنوبية في مؤتمر ما سمي بـ"الحوار الوطني" لم تكن سوى ذرٍ لرماد الكذب والخداع المكشوف في عيون من يراهنون على صدق أكاذيبهم أما الشعب الجنوبي فقد عرف طريقه وسيمضي على هذا الطريق معتمدا على قواه الحية وعدالة قضيته ودعم ومساندة أنصار الحق والعدالة في هذا العالم الفسيح.