اليمنيون في السويد والعصا الأميركية الغليظة
حقق المبعوث الأممي مارتن غريفيث اختراقا في الملف اليمني مع انعقاد مشاورات السويد التي هي كسر لجمود سياسي بعد 32 شهرا من انطلاق مشاورات الكويت في أبريل 2016 والتي فشلت في اللحظة الأخيرة عندما رفض الحوثيون التوقيع على ما تم الاتفاق عليه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المشاورات المضنية. ولذلك توقفت كافة المساعي السياسية بين الطرفين طيلة هذه المدة الطويلة التي من المؤكد أنها زادت من التنافر بين الشرعية والانقلابيين، غير أن العديد من التغيرات الدولية لعبت دورا في كسر الجمود، خاصة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران الذي يعتبر أحد الدوافع المهمة في تحريك الملف اليمني سياسيا. الأميركيون وحدهم الذين يملكون الدوافع لتحقيق مكاسب سياسية في اليمن، هذه الدوافع هي التي حركت اليمن من مربع الجمود إلى مربع الحركة. فالرغبة الأميركية في تحقيق إضافة إلى استراتيجيتها المعلنة تجاه النظام الإيراني تظل هي المحفز الأساس بل هي العنصر الوحيد تقريبا في دفع اليمنيين نحو المشاورات في السويد. ومع ذلك فإن عدم استيعاب الأميركيين لتعقيدات الأزمة اليمنية أدى إلى خلل في التوازنات القائمة في مشاورات السويد، فكان من المفترض أن تمنح الولايات المتحدة الفرصة الزمنية لحسم معركة الحديدة، فهذه المعركة كان يمكن أن تغير كافة التوازنات، لكن تبعا لعدم استيعاب الأميركيين ورضوخهم للضغط الإعلامي حول الأزمة الإنسانية فقد أوقفت المعركة. تنازل غريفيث عن البروتوكول واضطر إلى مرافقة وفد الحوثيين من صنعاء إلى ستوكهولم في إشارة يريد الحوثيون منها تأكيد الضغوط التي تحيط بهم، ومع ذلك فإن هذه الخطوة وغيرها سقطت بمجرد انطلاق المشاورات، حيث لم تعد المناورات الحوثية ذات جدوى خاصة وأن تقدما حدث بنقل الجرحى من صنعاء إلى العاصمة العمانية مسقط، وأن اتفاقا أبرم بين الشرعية والحوثيين حول ملف الأسرى والمعتقلين، والمشاورات باتت تناقش إجراءات بناء الثقة من أجل بناء أرضية صلبة لجولة مفاوضات سياسية لاحقة. يشعر الحوثيون في السويد بعدم وجود فرص للمناورة التي طالما أوجدوها في المشاورات السابقة، بل حتى في إطار مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني، ويعود السبب إلى أن مرجعيتهم السياسية في طهران تعاني ضغطا هائلا بسبب السياسات الأميركية لا فقط على صعيد اليمن بل حتى على صعيد لبنان وما يعاني منه حزب الله من ضغط إسرائيلي في تزامن يعطي إشارات إلى أن الولايات المتحدة تبدي صرامة في سياساتها تجاه أذرع إيران في المنطقة العربية، وهذه السياسة لا يبدو أنها ستتوقف عند حد معين وهو ما يستشعره وفد الحوثيين في السويد، ومعنى ذلك صعوبة الحصول على مساحة للمناورة وأن عليهم تقديم تنازلات في سبيل الخروج من المأزق. الولايات المتحدة لا تمتلك خارطة سياسية للحل بالنسبة لليمنيين غير تلك التي أنتجها وزير الخارجية السابق جون كيري، وتقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنة عسكرية وأمنية، والانتقال إلى تصويت حول الدستور الذي سيتعين على اليمنيين تعديله، ثم إجراء انتخابات رئاسية تعالج أعراض الأزمة اليمنية، دون أن تخوض في معالجة جذورها التي تبدو فيها القضية الجنوبية أكثر القضايا تعقيدا وإلحاحا للحل السياسي ولو مرحليا بمنح الجنوبيين حقهم في التواجد وطرح قضيتهم السياسية. إجراءات بناء الثقة حول قضايا الأسرى والمعتقلين وميناء الحديدة ومطار صنعاء والبنك المركزي ودفع رواتب موظفي الدولة هي جملة من القضايا الشائكة، إلا أنه ينتظر أن تسفر مشاورات السويد عن تسويات مرتقبة، فالطرفان يدركان أن بين أيديهما ورقة يتم التفاوض عليها تتعلق بالإطار السياسي النهائي لإنهاء الأزمة اليمنية، تلك الورقة المخفية عن الإعلام وعن حشود المأزومين من الطرفين تمتلك هذه المرة فرصة للنضوج سياسيا باعتبار عامل المتغيرات الدولية. لا يملك طرفا الصراع في اليمن قدرة على مواجهة العصا الأميركية الغليظة، كما لا يملك الطرفان قدرات لمواجهة الاستحقاقات المتعلقة بضرورات التسوية وفقا لمتطلبات الإقليم، فلن يتم منح الحوثيين مكافأة على انقلابهم بمنحهم حكما ذاتيا في شمال اليمن بل تسوية سياسية وفقا للمرجعية الأصلية المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهذا ما يدعو الولايات المتحدة إلى استخدام عصاها على رأس الوفد الحوثي الذي يخشى تلويح البيت الأبيض بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، ما يسقط احتمالات مشاركتهم السياسية في أي تسوية قادمة. اليمنيون وإن لم يمتلكوا إرادة لتحقيق السلام، وإن كانوا لا يحملون نوايا إيجابية للوصول إلى التسوية السياسية، فإن الدوافع الخارجية تبقى عوامل ضغط تشكل الأفق السياسي للخروج بحلول سياسية تبدو مواتية، حتى وإن تصلبت مواقف الطرفين المتنازعين في اليمن في إطار سلوك اليمنيين وعنادهم وموروثاتهم، إلا أن العصا الأميركية قادرة على إجبارهم على الخروج من مشاورات السويد بالحدّ الأدنى من التوافقات التي سيتم من خلالها التأسيس لمرحلة التفاوض الأخيرة لتضع الحرب أوزارها.