لماذا لا سلام بدون الجنوب ؟؟
يعتقد البعض أن القول الذي كثيراً ما يكرره الساسة والناشطون السياسيون الجنوبيون بأن "نجاح أية مشاورات بشأن الأزمة اليمنية يعتمد على مدى التعامل الجدي مع القضية الجنوبية" وأن استبعاد هذه القضية أو تجاهلها أو تهميشها لن يؤدي إلا إلى فشل أية مشاورات أو مفاوضات أو اتفاقات قد يسعى المبعوث الأممي السيد مارتين جريفيت إلى تحقيقها، وبالتالي فشل أية مساعي لحل نزاع (الشرعية ـ الانقلاب)، يعتقد هذا البعض أن هذا القول هو نوع من الترويج الإعلامي لقضية الجنوب أو شيء من الابتزاز السياسي، أو المبالغة السياسية في أهمية الجنوب وقضيته، لكن الحقائق التي يعلمها الجميع تكشف أن هذه المقولة تمتلك من المضمون والمصداقية ما يفرض على أي سياسي محترم أن يأخذها بعين الاعتبار بغض النظر عما إذا كان يتفق مع مطالب الجنوبيين أو يختلف معها. من الواضح أن جهداً جاداً يبذله الشركاء الإقليميون والدوليون من أجل محاولة اختراق جدار الأزمة اليمنية والوصول إلى اتفاق ولو جزئي ولو بعد حين على طريق حل صراع ثنائية (الشرعية ـ الانقلاب) . نعم سيستغرق الأمر زمنا قد يطول وقد تتعثر المشاورات في أي لحظة وقد تفشل، لكن لنفترض أن الطرفين اتفقا على كل شيء ووصلا إلى صفقة ترضي كليهما وعادت السلطة الشرعية إلى صنعاء وتقاسم الطرفان السلطة وانتهى كل سبب من أسباب الحرب، وبقيت القضية الجنوبية معلقة لا يراد لأحد أن يلتفت إليها تحت حجة الحفاظ على "وحدة اليمن وأمنه واستقراره" والجميع يعلم أن اليمن لم يعرف وحدةً، ولا استقراراً ولا أمناً، فهل فعلاً سينعم الطرفان بالسكينة والاستقرار؟ وهل فعلا سينجحان في إغلاق كل ملفات الصراع؟ من غير شك أن التجاهل المتعمد لمطالب الشعب الجنوبي واصطناع الحجج المختلفة إزاء ثورة الجنوبيين وتطلعاتهم المشروعة نحو تقرير مصيرهم، تارة تحت تهمة الانفصالية وتارةً أخرى تحت تهمة التبعية لدولة الإمارات أو السعودية، لا شك أن كل هذه السياسات الاستعلائية الحمقاء التي جربها علي عبد الله صالح على مدى ربع قرن ويواصل ورثته استمرار التمسك بها لن تزيد الشعب الجنوبي إلا تمسكا بحقوقه ولن تساهم إلا في مزيد من تصليب الموقف الجنوبي ووحدة قواه السياسية وردم الفجوات الطبيعية والمصطنعة بين هذه القوى، وباختصار استمرار النزاع بين الشعب الجنوبي وبين من يصرون على اعتباره منطقة غزو وغنيمة حرب وملحق من الملحقات بأملاكهم وغنائمهم. نعلم أن هذا لن يمر دون عوائق ومطبات ومكائد ودسائس والرهان على اصطناع وتغذية النزاعات الجنوبية ومحاولة اصطناع ممثلين جنوبيين على طريقة خالد باراس وغالب مطلق ومن لف لفهم، لكن الاتجاه الآخر للبوصلة يؤكد أن الجنوبيين كلما طالت بهم فترات النضال كلما اكتسبوا المزيد من الخبرات والمهارات في خوض المعارك السياسية وإدارة الملفات المعقدة المتصلة بقضيتهم ومستقبلهم ودولتهم الجنوبية المنشودة الجديدة. نعم إذن لا استقرار ولا أمن ولا سلام ولا حل للأزمات بل ولا دولة بدون الجنوب. والله غالب على أمره .