فاقد الشيء لا يعطيه
أذكر مقولة رائعة لأحد أبناء الجنوب ممن كانت لهم ممتلكات كبيرة تم تأميمها بعد استقلال الجنوب، وحين عاد الرجل من منفاه القسري للمطالبة ببعض تلك الأملاك وواجه ما واجه من السلطات التي سيطرت على الجنوب بعد حرب 1994م.. قال الرجل لا أريد أملاكي وما بقي منها فلتذهب وليعد الجنوب.. قال ذلك بعد أن استطاع قراءة المشهد عن قرب وبعد أن قضى أكثر من عام في متابعات لا طائل منها وليس فيها أدنى إنصاف. وحال الرجل يقاس عليه من هم أمثاله ممن واجهوا المساومات العجيبة بعد أن أتوا على أمل استعادة شيء من عقاراتهم العينية ولم يجدوا سوى السراب رغم أن السلطات حينها ظلت تكيل ذمها للعهد القديم وتتوق نفسها بأنها من تقيم العدل وتحقق المساواة.. عموما استطاع هؤلاء على مدى عقود خلت استغلال ماضينا وتوظيفه لإبقاء خلافاتنا وتأليب أبناء الجنوب ضد بعضهم في حين أجادوا اللعب على أوتار العوامل المناطقية ردحًا من الزمن، إلا أن تلك الأوراق أخذت تسقط تباعاً بعد أن تبين حجم فسادهم واستغلالهم للأموال العامة وما أظهروا من ثراء على حساب الفقراء.. حالياً.. يعزفون على أوتار جديدة قديمة في آن.. ويتباكون على أحوال عدن.. وحضرموت ونحوها من الأساليب الرامية إلى تفتيت الإرادة الجنوبية والنفاذ إلى النسيج الاجتماعي عبر ما يظهرون من مشاريع هي في الأصل لا تحقق العدالة لأحد بقدر ما هي وسيلة إضعاف إن تحقق لهم ذلك. ما يعني أن هؤلاء لا يؤمنون بحق الجنوب للجنوبيين، إلا أنهم أكثر تماهياً مع المشاريع الصغيرة التي لا يتحقق إثرها إلا السراب، إذ لم يكن في الأصل هو تحرير الجنوب بصورة عامة، وبعد ذلك سيكون الباب مشرعاً للإنصاف وفق أدبيات الثورة الجنوبية المعلنة. وما فكرة عدن للعدنيين في هذه الأثناء إلا تتويه للجنوبيين عن هدفهم الأساسي، وهكذا الحال لِما يتم تسويقه بشأن حضرموت التي مازالت ثرواتها محط نهب أطراف النفوذ الشمالية، التي قد لا تدرك ما تلخصت لدينا من تجارب سنوات خلت وما تحقق لدى شعبنا من وعي، بعد أن ذقنا مرارات كثيرة استهدفت كل الجنوب بدون استثناء.