هكذا دخل محمد بن زايد القلوب في محافظات الجنوب
الحشود المليونية التي تزاحمت، خلال الآونة الأخيرة، في عدن والمُكلا وسُقطرى ضمن مليونيات الوفاء في اليمن للإمارات شدت أنظار العالم إلى ظاهرة غير معتادة. فأن تخرج كل هذه الحشود لتعبر عن شكرها وامتنانها يعد عملاً استثنائيا لم تعرفه الشعوب والأمم التي اعتادت أن تقام هكذا فعاليات احتفاءً بزيارة رئيس أو حاكم، غير أن الاستثناء أن يخرج شعب بكامله، يكسر كل القواعد والأعراف ليقول لدولة أخرى شكراً بهذا الزخم الشعبي، فهذه ظاهرة تستحق الوقوف عندها. الإمارات تحتل قلوب محافظات الجنوب، وهذا انعكاس حقيقي لما قدمته الإمارات منذ أن انطلقت «عاصفة الحزم» في مارس 2015، فالذين يحاولون قراءة المشهد المليوني من دون قراءة أبعاده العميقة لن يستطيعوا تفسير المشهد كما يجب أن يُفسر، فالإمارات وهي الشريك الأساسي مع السعودية ارتبطت جهودها منذ اللحظة الأولى بالحرب الجوية التي ساندت المقاومة الجنوبية في عدن. وهناك تراكمات تاريخية، حيث وقعت محافظات الجنوب ضحية أولى لأول فتوى تكفيرية قبل أن يظهر تنظيم «القاعدة» بخطابه المتطرف، وقبل أن يصعد «الدواعش» على المنابر لتكفير المجتمعات واستباحة دمائها، فما حدث في التسعينيات من تكفير مجتمعي وما تعرضت له المحافظات الجنوبية من انتهاكات جسيمة غرست جرحاً نازفاً لم يتوقف ليأتي غزو «الحوثيين» لمدينة عدن عام 2015 بذات الخطاب الديني المأزوم الذي اعتبر سكان محافظات الجنوب «دواعش» ويحاول استئصالهم ويدخل إلى مدنهم ليفجر منازلهم وبيوتهم. وفي التسعينيات تمت الاستعانة بالأفغان العرب في الحرب على الجنوب فتحولت محافظات شبوة وأبين ولحج وحضرموت لمناطق فُتحت فيها معسكرات تنظيم «القاعدة»، وانتشرت المعاهد الدينية المتشددة التي كان حزب «التجمع اليمني للإصلاح» يقدم لها التمويلات المالية لتكريس الخطاب المتطرف وروح الكراهية في هذه المحافظات، ومن ثم كسر القيم والمرتكزات الرئيسة التي كان عليها المجتمع الجنوبي بكامل تنوعاته، فمنهج المدرسة الحضرمية الوسطية الذي ساهم في نشر الدين الإسلامي في آسيا وأفريقيا كان خلال سنوات فرض صنعاء واقعها السياسي على الجنوب يتعرض لحملة تدميرية ممنهجة في صراع تاريخي بين الزيدية القبلية والشافعية الحضرمية هذا البُعد الذي تحول إلى هتك للنسيج الاجتماعي. لم تكن «عاصفة الحزم» مجرد حرب ضد «الحوثيين» من وجهة نظر محافظات الجنوب فحسب، بل حرب ضد كل أصحاب تيارات الإسلام السياسي بأشكالها وأفكارها المتطرفة، لذلك كانت المعركة حاسمة في تحرير عدن، التي ما أن تحررت من «الحوثيين» حتى حاول تنظيم «داعش» السيطرة عليها، وأدت لاغتيال المحافظ السابق جعفر سعد ومحاولة اغتيال دولة الرئيس خالد بحاح في حادثة تفجير فندق القصر مما استدعى تأهيل قوات «الحزام الأمني»، التي استطاعت أن تعيد التوازن للمدينة وتطهيرها من الخلايا الإرهابية بل ونجحت في تطهير محافظات لحج وأبين والضالع. الإمارات التي ساهمت في تأهيل قوات النخبة الحضرمية والشبوانية أسهمت في تخليص مساحات جغرافية أوسع نطاقاً من تلك المساحة التي أقامت فيها «داعش» دولتها المزعومة في العراق وسوريا، وفي حين لم يكن هنالك ثمة اهتمام دولي يوازي انتهاكات تنظيم «القاعدة» في حضرموت وشبوة واستفادته من الإيرادات النفطية واستخدامها لمينائي «الضبة» و«بلحاف» وتحقيق ملايين الدولارات لتمويل جرائمهم وانتهاكاتهم، كان الدور الإماراتي فاعلاً وحاسماً بداية من تحرير الساحل الحضرمي والشبواني والعمل على تطبيع الحياة في هذا الشريط الساحلي الطويل. الإسهام الإماراتي في مكافحة الإرهاب شكل منعطفاً أساسياً انعكس بدوره على حياة الناس وتطلعاتهم للمستقبل، هذا الجزء الذي وجد ترحيباً من الولايات المتحدة وإقراراً منها بنجاح القوات المسلحة الإماراتية في تطهير هذه المساحات من التنظيمات الإرهابية توج بإشراف البنتاغون على تسليم خفر السواحل للنخبة الحضرمية المسؤولية الأمنية على مسافة 300 كيلومتر بحري من البحر العربي مما يؤكد أن التأهيل الإماراتي لهذه القوات وصل إلى درجة عالية من الاحترافية والمهنية للقيام بمهامها في مجال مكافحة الإرهاب الذي هو جزء لا يتجزأ من عملية «عاصفة الحزم» والتحالف الدولي الذي تساهم فيه الإمارات بفعالية كبيرة. تداولت وسائل الإعلام صورة مؤثرة لموظف «الهلال الأحمر» الإماراتي يمسح دموعه، وهو يستمع لشكوى عجوز حضرمية في وادي المسيلة، صورة تختزل معاناة وأوجاع شعب كامل يعيش فوق آبار النفط وتصدر من موانئه ملايين الدولارات من بيع نفط المسيلة، وتعيش هي وملايين أمثالها الفقر والحاجة، تلك الصورة اختزلت كافة تفاصيل الواقع الإنساني الذي قدمته الإمارات عبر أذرعها أكانت «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية» أو «الهلال الأحمر الإماراتي»، اللذين أسهما في تخفيف وطأة الواقع الاقتصادي المتدهور مع غياب الدور الحكومي والفساد الضاربة أطنابه. ما قدمته الإمارات ضمن شراكتها مع السعودية من خدمات طبية وغذائية وتنموية لا يمكن حصره وقد تختصر جزيرة سقطرى- التي كانت فيها الإمارات أول المغيثين لها عندما ضربها إعصار «تشابالا» عام 2015 - هذه المساهمات الإنسانية، فأقامت فيها أكبر مستشفى تخصصي بعد أن كانت تملك مستوصفاً بدائياً، وكذلك حصلت على ميناء بحري بعد أن كانت الجزيرة تمتلك مجرد ميناء بدائي، إضافة للمدارس والطرق وسلسلة مشاريع تنموية لم يعرف قيمتها إلا الإنسان السُقطري. يستطيع تنظيم «الإخوان» أن يحشد عبر الهاشتاقات والذباب الإلكتروني مئات الآلاف من المغرضين حول ادعاءات زائفة بنقل أشجار دم الأخوين من سُقطرى أو فتح السجون السرية أو الاحتلال للموانئ، لكنهم سيعجزون بأن يحشدوا شعباً يرفع رايات الإمارات وصور حكامها في تعبير حقيقي عن الوفاء لما قدمته الإمارات للإنسان في محافظات الجنوب، ذلك الإنسان الذي خرج في عدن والمُكلا وسُقطرى ولندن وبرلين وواشنطن وسيخرج في بروكسل وجنيف أمام سفارات الإمارات العربية المتحدة ليعبر عن حقيقة الوفاء التي تشابه عصا موسى التي أكلت ما صنعه «الإخوان» من إفك وافتراء وكانت الحقيقة الكاملة في كيف دخل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وشعب الإمارات قلوب ملايين من أبناء محافظات الجنوب حباً وكرامة، ولسان حالهم قول ربهم (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان).