واقعية سياسية وعقلية إستراتيجية شاملة وفاعلة .. تتحقق الأهداف الكبرى !
لابد من الإشارة بداية بأن إيقاع الأحداث والتطورات السياسية يتسارع وعلى نحو غير مسبوق من حولنا ؛ وبأن الضغوط تزداد وبدرجات وأشكال مختلفة على الأطراف المنخرطة في الأزمة اليمنية المركبة والحرب الدائرة فيها منذ نحو خمس سنوات ؛ وبأن المقترحات والبدائل المتاحة أصبحت كثيرة ومطروحة على طاولة التسوية السياسية وإيقاف الحرب وإن لم تستقر على صيغة محددة حتى الآن ؛ وهو ما يعني بأن خيارات الحلول مفتوحة على كل الإحتمالات ؛ وبأن النجاح لأي طرف كان — ويهمنا هنا الجنوب — في هذه المرحلة التاريخية والحاسمة والتي ستأخذ وقتا ليس بالقصير كما نتصور رغم كل الذي يجري الآن سيتوقف وبدرجة رئيسية على عدد من العوامل سنحاول إختزالها بالنقاط التالية : — ( ١ ) التحولات التاريخية الكبرى لا تتم بسهولة ودون حضور للفكر المنهاجي المؤطر للفعل السياسي الشامل البعيد عن ( التوليفة ) والمدرك جيدا لطبيعة المجتمع وتعقيداته وتنوع المصالح فيه ؛ وكذلك تعدد الخلفيات والأهداف لتلك القوى السياسية والإجتماعية المختلفة ؛ وبغير ذلك يصبح للعشوائية دورها ؛ وللسطحية والخفة والإنفعالات حضورها في الممارسة السياسية ؛ ومعها يحضر المال السياسي بالضرورة وتنتعش العصبيات بأنواعها وتنشط العصابات المتعددة الفعل والأهداف ؛ الأمر الذي يتطلب تغليب الطابع الوطني العام على ما عداه مرحلياً وبأدوات سياسية فعالة — ونقترح هنا ميثاق شرف وطني ملزم لكل من يوقعون عليه — يضبط إيقاع الفعل الوطني والسياسي وبما يحد أو يمنع التجاذبات والإستقطابات الحادة والخطيرة التي من شأنها إلحاق الضرر البالغ بالأهداف الوطنية القريبة منها والبعيدة ؛ وتؤثر سلبا على حركة ووسائل النضال الوطني وتضعف تأثيره في الواقع عمليا .. ( ٢ ) أن الأهداف الوطنية والبرامج السياسية للقوى والأحزاب السياسية وفي أي مكان أو زمان في عالم اليوم ؛ ليست كيانات حية يمكنها أن تسير على قدميها حتى تترجم ما حوته من من رؤى وسياسات ووسائل وتبلغ إلى حيث أرادت الوصول تلك القوى والأحزاب أو غيرها ؛ بل أن الأمر يتوقف أساسا على حركتها هي وفعلها النشط الذي يردم الهوة ما بين المصاغ ( برامجيا ) وبين التطبيق العملي والقائم على التفاعل الخلاق والمبدع في تنفيذ تلك الرؤى والبرامج في المجتمع وفي سياق متصل الحلقات وبما يستلزمه ذلك من تقييم ومراجعة نقدية ووفقا للمعطيات التي تحققت أو لم تتحقق ولأسباب ذاتية أو لظروف موضوعية وخارج عن إرادتها ؛ وإستخلاص الدروس والنتائج المستفادة منها ؛ أما مواصلة التحرك دون ذلك فأنه يحمل معه مخاطر شديدة لعل أقلها المراوحة والدوران في حلقة مفرغة.. ( ٣ ) إن الثوابت الوطنية وما تعكسه الأهداف المترجمة لذلك لا تعني بالضرورة ثبات المواقف أو الممارسة السياسية عند نقطة محدده ؛ لأن مشهد الحياة السياسية متحرك وتحصل فيه تغيّرات وتبدّلات لم تكن بالحسبان ومعها تتفكك تحالفات وتنشأ جديدة أخرى على صعيد الخارطة السياسية ؛ وبالتالي فإن تحريك المواقف ومعها الممارسة السياسية أمر لا مفر منه تجنبا لما هو أسوأ وللحفاظ على الحضور السياسي دون التفريط أو التنازل عن الثابت الوطني أو عن أهداف ووسائل تحقيقه وبصورة تجمع وعلى نحو خلاق ما بين التكتيكي والإستراتيجي ؛ وهو عمل ومهمة تختص بها القيادات العليا دون غيرها .. ( ٤ ) أن العمل السياسي بما هو فعل مركب ومتعدد الأبعاد والإتجاهات في حياة المجتمع ؛ لا يمكن له النجاح مالم يكن قادرا على ملامسة هموم الناس والإقتراب منهم وتقديم الرؤى والحلول الممكنة لمشكلاتهم والدفاع عن قضاياهم وبما يحقق تطلعاتهم المشروعة لهم وبهم وعبرهم ؛ لتنزل السياسة بذلك من سماء الشعارات إلى حيث ينبغي أن تكون وعلى أرض الواقع النابض بالحياة ؛ وحيث تختبر السياسة ويتم إمتحانها وتنال المصادقة من الشعب وتحصل هي على المصداقية كذلك ؛ ولعلنا نشير هنا وفي هذا الإتجاه الإيجابي إلى تجربة المجلس الإنتقالي الجنوبي والتي شهدناها مؤخرا ونأمل أن تستمر وبزخم أكبر وعلى نطاق أوسع وأشمل وحسب الظروف والإمكانيات المتاحة .. ( ٥ ) قلنا مرارا ونؤكد مجددا بأن الخطر الأكبر الذي يهدد المشروع الوطني للجنوب وتحت عنوانه العريض — إستعادة الدولة — يكمن في سعي القوى المعادية للجنوب والطامعة بثرواته والسيطرة عليه لإشعال فتيل الفتنة بين أبنائه وبكل الوسائل والسبل المتاحة وبأكثرها مكرا وخسة ونذالة وبطرق مختلفة ؛ ولعل أخطرها على الإطلاق هو إستجابة القلة القليلة من الجنوبيين لهذا المخطط ولأسباب ودوافع مختلفة ؛ أو لنقل عدم إستشعارهم بخطورته على الجميع وجعلهم رأس حربة لهذا المشروع الجهنمي ومن حيث لا يشعرون ربما ؛ ولعلها تجد في إستخدام الصراعات الماضية في الجنوب والعزف على أوتار الذكريات المؤلمة والمخزون النفسي الكامن في صدور الناس ورقتها الرابحة ؛ وهي محاولة جديدة منها لنبش الماضي ليتجدد على هيئة فتنة كبرى تحرق الأخضر واليابس في الجنوب !! وحينها ستندفن أحلام الجنوبيين ومعها مستقبل شعبهم وأجياله القادمة ؛ لذلك نكرر الدعوة المخلصة وبشعور وطني صادق إلى كل أبناء وبنات الجنوب وكل أحراره وعقلائه ونخبه المختلفة ؛ وأيٍِ كانت مواقعهم وقناعاتهم وتباين رؤاهم ومواقفهم إلى منع حدوث مثل هذه الفتنة وجعلها أولويتهم المطلقة وما عدا ذلك سنجد له الحلول المناسبة ؛ ووضع حد لتهور واندفاع البعض وبحسابات آنية وضيقة وإعادتهم إلى طريق الصواب وإنخراطهم في معركة الجنوب والدفاع عنه ؛ لأن لهم في الجنوب ما لغيرهم وعليهم من الواجبات والمسؤوليات مثلهم مثل كل الجنوبيين وعلى قدم المساواة ؛ وبأن الإنتصار للجنوب يستدعي بالضرورة وحدة وتماسك صفوف الجبهة الداخلية الجنوبية وما يقتضيه ذلك من تفاهم ووفاق وتنازلات متبادلة .. ونقول أخيراً إذا لم نشعر بالخوف الحقيقي على شعبنا من الفتنة ؛ فمما وعلى ماذا سنخاف بعد ذلك إن هي وقعت لا سمح الله !