المؤتمريون وحكاية 2 ديسمبر
كلما حاولت ان اتجنب الاختلاف مع الإخوة المؤتمريين، من باب الشفقة عليهم، والمراعاة لمعاناتهم بعد فقدان زعيمهم بالطريقة التي يعرفها الجميع يصرون على إجبارنا بأنهم الأذكى وأن من يتابع أحاديثهم وتصريحاتهم يجب أن يتحلى بأكبر قدر من الغباء والسذاجة والسطحية، خصوصا عند ما يتعلق الأمر بما يسمونه انتفاضة 2 ديسمبر. ما يزال الإخوة المؤتمريون يحاولون إقناعنا بأن ما جرى خلال ٢ - ٤ ديسمبر ٢٠١٧ كان انتفاضة شعبية قادها الزعيم، ضد الحوثيين الذين يصفونهم بكل المساوئ وأقبح الأوصاف وأبشع النعوت، بعد إن كانوا حتى يوم 1 ديسمبر يتغزلون ببطولاتهم ويمتدحون مواقفهم ويثنون على سياساتهم. نحن نتفهم حرقتهم على مقتل زعيمهم بتلك الطريقة المفاجئة والبشعة التي لم يتعرض لها أي (مجرم) متخفي في إحدى الغابات أو مخابئ العصابات، لكننا لن نعفيهم من مطالبتنا لهم باحترام عقولنا حتى نواصل احترامنا لمشاعرهم. كان غالبية اليمنيين حتى صبيحة 4 ديسمبر يصدقون ما ينشره إعلام المؤتمر بأن علي عبد الله صالح عبقرية سياسية استثنائية وحكيم من حكماء الزمان وداهية من دهات العصر الذين لا يتكررون، لكنهم (أي الإخوة المؤتمريين) بعد ما جرى يوم 4 ديسمبر، لا يستطيعون إقناع أي مواطن بسيط، كيف فات هذا العبقري أن الشعب اليمني لم يعد بمقدوره تحمل الفشل والتدهور الذي وصلت إليه البلاد مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الجنوب ٢٠٠٧م وفي الشمال ٢٠١١م وإصراره على قلع عداد الانتخابات لمواصلة حكم البلاد تمهيدا لنقل العرش إلى ولي العهد؟ ولا كيف لهذا الداهية السياسي أن يوافق على تشكيل "حكومة تَوافُقٍ" له النصف فيها بالاشتراك مع خصومه ثم يفتعل كل الأسباب لإفشالها؟ لندع هذا جانباً ونسأل سؤالاً آخر وهو كيف عن لـ"لزعيم" أن يسحب كل اسلحة الجيش بمختلف قواه وفيالقه ومحاوره إلى قريته، ثم يسلمها لأعدائه إلى ما قبل أشهر- حلفائه الجدد المؤقتين، الذين تحالف معهم لمجرد الكيد لخصومه؟ بل كيف سلم الجيش والأمن والحرس الجمهوري وسلاح الطيران والصواريخ وكل الأسلحة الحديثة للحوثيين الذين حاربهم طوال ٨ سنوات ولم يتحالف معهم إلا أشهر؟ وكيف وثق بأن يقيم تحالفاً مع من حاربهم وشتت شملهم وشردهم في الجبال والكهوف والفلوات منذ عشرات السنين ولم يتخيل ولو من باب التحوط أو التخمين أنهم قد ينقضون عليه في اية لحظة ليأخذوا بالثأر ممن وجه الأوامر بقتل زعيمهم؟ أما موضوع الانتفاضة والثورة وغيرها فأرجو أن يحترم الإخوة المؤتمريون عقول من يسمعهم ويقرأ تصريحاتهم، فحتى الأطفال يعرفون أن من يقوم بثورة أو انتفاضة أو أي شكل من أشكال المقاومة السلمية أو المسلحة لا بد أن يرسم مخططاً مدروساً ودقيقاً ومتكاملاً يحاول أن يجعل في الخسائر أقل ما يمكن والفوائد أعلى ما يمكن، ولا يعلن عن هذه المقاومة إلا بعد أن يكون قد أمن لها معظم إن لم يكن كل أسباب النجاح، هذا في الأحوال التي ينوي فها هذا المقاوم مواجهة دولة لها نظام وقانون، فما بالنا وهذه المواجهة كانت مع جماعة كلما لديها من مهارات ومواهب تتركز في القتل والتفجير والتنكيل والاستمتاع برؤية الجثامين وهي تتجندل في الشوارع والملاجئ والمواقع المدنية!؟! ما جرى بين يومي2- 4 ديسمبر 2017م لم يكن سوى لحظة من لحظات الاختناق السياسي المتواصل والمتنامي منذ عقود، وصورة من صور العبثية السياسية اليمنية التي يتستر فيها السياسيون بستار الشعب وهم أبعد ما يكونون عنه، وعندما يتقاتلون يسدد الشعب فاتورة قتالهم وعندما يتصالحون يدفع الشعب ثمنا باهظا لتصالحهم ، وهو نفس المشهد الذي جرى مع الرئيس هادي بعيد 21 سبتمر 2014م حينما تخلى عنه كل حلفائه ووصفوه بأقذع الأوصاف، وهو تحت الحصار، لولا أن الرئيس أفلت منه بأعجوبة لم تتبين تفاصيلها بعد، وقد يتكرر معه أو مع غيره ممن يراهنون على تحالفات المصالح والمكائد التفخيخات السياسية. * * * النغمة المترددة هذه الأيام هي تحالف الجمهوريين، والجمهوريون، هنا محصورون في طرفين سياسيين بينهما أكثر "مما صنع الحَدَّاد"، ويعتقد الكثيرون أن تحالف هؤلاء الجمهوريين لن يكون سوى محطة استراحة، أو صفقة سياسية لن تخلو من مطب جديد يعده كلٌ منهما للثأر من الآخر لما جرى في 2011م. * * * ما يزال الكثير من الإخوة الجنوبيين يعتقدون أنه يمكن أن يتخذ قادة المؤتمر الشعبي العام موقفا مختلفا عما يتخذه حزب الإصلاح في العدوان على محافظات الجنوب ، بينما يعتقد آخرون، أنه مهما اختلف هؤلاء ومهما فجروا الجوامع ببعضهم، ومهما أحرقوا ساحات الاعتصامات، فإن شراكة 1994م ما تزال هي الأكثر ثباتا في علاقاتهم "رغم ما صنع الحداد". وصدق الله العظيم القائل: "َيوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب".