التصالح والتسامح قيمة وليست مناسبة

التصالح قيمة من القيم الانسانية الرائعة .. والتسامح هو جذر منظومة هذه القيم .. حاصل جمع التصالح والتسامح لا بد أن يكون مكانة في أعلى سلم الرقي الانساني ببواعثه المنشئة للتعايش والتقدم والاستقرار . لكن هذه المكانة في أعلى السلم لا يمكن الوصول إليها إلا عبر خطوات ثابته ، وكل خطوة تنتج ما يعادلها من ثقافة وسلوك وفهم لمضامين هذه القيم ، ناهيك عن أهمية الاعتراف بالأخطاء في إطار يتوافق مع حق المجتمع في أن يصبح العنصر الفاعل والمحرك لقيم التصالح والتسامح ، وهو ما عرف في بلدان كثيرة بالعدالة الانتقالية . أدرك الجنوبيون أهمية التصالح والتسامح ووقفوا عند النقطة التي شكلت الرغبة النخبوية في تجاوز صراعات الماضي ، واختاروا ١٣ يناير من بين كل محطات الصراع كيوم للتصالح والتسامح ليبدو الأمر وكأنه مجرد استجابة عاطفية لحاجة موضوعية تتجاوز بتحدياتها محرد الرغبة . لم تكن المشكلة في يوم المناسبة ، ولكنها كانت فيما قدمته من قراءة ملتبسة لمضامين الفكرة . تم تجسيد ١٣ يناير في الوعي المجتمعي بصورة مثلت استجابة لكل من أراد أن يغرق الجنوب في حفرة ١٣ يناير ولا يخرج منها أبداً . وما حدث ويحدث اليوم مع التصالح والتسامح لا يذهب بالمسألة إلى الصعوبات الحقيقة التي تعترض طريقها وإنما يذهب مباشرة إلى ١٣ يناير وكأنها قدر الجنوبيين في أي يظلوا في هذه الحفرة ، وأن مستقبلهم أصبح مرهوناً بالبقاء فيها أو مغادرتها ، بما في ذلك نجاح أو فشل تطبيق قيم التصالح والتسامح . لا يتذكر الجنوبيون التصالح والتسامح إلا حينما تحل ذكرى ١٣ يناير ، والمشكلة أن هذا الربط لا يتوقف بالمسألة عند ما تطرحه المناسبة من ضرورات لتجاوز الحدث والخروج من الحفرة ، وإنما للاسف بما تحييه في النفوس من ألآم . التصالح والتسامح دعوة نبيلة بما حملته من مضامين ، لكنها تفقد قيمتها على الأرض التي لا زال يغطيها غبار الانقسام والتمترس في خنادق الصراعات القديمة . سيصبح التصالح والتسامح قيمة ذات معنى حينما يتكون حامل حقيقي ينقله إلى المجتمع بشروط لا تتوقف بها عند رغبات النخب السياسية وهواجسها ، وهذا ما يجعل دور المجتمع المدني مهماً في صياغة إطار للتصالح والتسامح لا يغفل اهمية العدالة الانتقالية .

مقالات الكاتب