القرارات الرئاسية والشرعية المخطوفة
لم يكن المجلس الانتقالي الجنوبي هو الوحيد الذي اعترض على القرارات الرئاسية الأخيرة التي تضمنت تعيينات رئاسية في مواقع مهمة، في مجلس الشورى والنيابة العامة وغيرها، وما قد تليها من قرارات، بل لقد اعترضت عليها معظم القوى والأحزاب التي تقف مع الرئيس وتختلف مع المجلس الانتقالي، بما في ذلك حزب الرئيس نفسه (المؤتمر الشعبي العام)، ولكل طرف منطلقاته وأسبابه. سأحاول هنا مناقشة سؤالين يتعلقان بالقرارات الرئاسية الأخيرة: الأول لماذا ترفضها أحزاب الشرعية بما فيها حزب الرئيس التوافقي نفسه؟ والثاني لماذا يرفضها المجلس الانتقالي الجنوبي؟. أحزاب الشرعية التي وقعت مع الرئيس على المبادرة الخليجية تنطلق من حقيقة أن الرئيس توافقي، وليس رئيس حزب واحد، ينفرد باتخاذ القرارات بناء على توصيات حزبه الذي فاز في انتخابات رئاسية تنافسية يفترض أنها جرت في أجواء طبيعية، والجميع يعلم أن الرئيس هادي انتخب عن طريق الاستفتاء وبلا منافس، ونعلم ويعلمون الأسباب التي أطالة فترة رئاسته من سنتين انتهتا في فبراير 2014م، ونعلم ويعلمون أن المبادرة الخليجية، التي انتخب بموجبها الرئيس، تنص على أن تكون القرارات والمواقف التي يتخذها توافقية تعبر عن جميع القوى السياسية، ممثلة بأحزاب السلطة في صنعاء حينها، وهو ما لم يتم عند اتخاذ القرارات الرئاسية الأخيرة. بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الذي عبر عن استنكاره للطريقة التي اتخذت بها هذه القرارات جاء سليما ومتماسكا ومسؤولاً منطلقا من روح ومضمون وغاية اتفاق الرياض الذي رعته وأيدته وضمنت تنفيذه الشقيقتان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والذي اكتسب نفس أهمية وقيمة ومكانة المبادرة الخليجية التي لم يكن المجلس الانتقالي طرفاً فيها. المتحاذقون والسطحيون يقولون أن اتفاق الرياض تضمن أربع وزارات للانتقالي وقد تمت وانتهى الأمر، لكن هذا نوع من اصطناع الغباء أو التظاهر به لأغراض هم يعلمونها ونحن نعلمها، فاتفاق الرياض يعني الشراكة بين المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي، وبالتالي فإن جميع السياسات والمواقف والمباحثات والمشاورات ناهيك عن القرارات التي يفترض أن تكون توافقية مع القوى السياسية اليمنية ، ينبغي أن يكون المجلس الانتقالي طرفا فيها، ولا تتم من خلال التخفي، واالتستر على طريقة "على عينك يا حاسد". نحن نعلم أن الرئيس هادي عرضة للاختطاف والابتزاز والحصار من قبل الذين يدافعون عن القرارات الخاطئة، أو بالأصح ممن يوقعونه في هذه المواقف المحرجة، ثم ينبرون لشتم الآخرين إذا ما بينوا ما فيها من خطل وانحراف عن المسيرة التوافقية، وكما قلنا في منشور سابق، إن الذين ماطلوا وسوفوا وحاولوا بكل السبل إعاقة تنفيذ اتفاق الرياض على مدى أكثر من 14 شهرا، وأخفقوا في محاولاتهم تلك، لجأوا اليوم إلى دفع الرئيس ليخوض معركة مع كل شركائه السياسيين بما فيهم حزبه، وطبعا مع المجلس الانتقالي المعني بتنفيذ كل ما له صلة بالجنوب، وهم يتبعون المأثور العربي القائل "رمتني بدائها وانسلت" فإذ يبذلون قصارى جهدهم لإعادة محاولة إفشال اتفاق الرياض من خلال هذه الفقاعات والتخريجات الاستفزازية والمثيرة للاستغراب والريبة، يذهبون لاتهام المجلس الانتقالي بأنه يتهرب من تنفيذ اتفاق الرياض، لكنهم ينسون أن للناس وعلى رأسهم رعاة اتفاق الرياض أعين يبصرون بها وآذان يسمعون بها وعقول يدركون بها، وإن من يعرقل اتفاق الرياض هو من يرفض نقل القوات المسلحة من وادي حضرموت والمهرة وشبوة، لمواجهة الانقلابيين وتحرير العاصمة صنعاء، وقبل هذا هو من سلم ثلث مساحة اليمن الشمالي في مأرب والجوف ونهم والبيضا لهؤلاء الانقلابيين بلا مقاومة واتجه بقواته جنوبا لتحرير الجنوب من أهله وسكانه تحت حجة طرد الاحتلال السعودي-الإماراتي. لن ينساق المجلس الانتقالي وراء استفزازاتهم، بل سيتمسك باتفاق الرياض حرفا حرفاً وسيتقيد بالمشاركة في حكومة المناصفة ومساعدتها على القيام بوظائفها، لكن الألاعيب التي يمارسها المفلسون العابثون المختطفون للشرعية لن تنطلي على المجلس وشركائه، وسيكون له (أي المجلس) خيارات الرد التي ستحددها اللحظة والظرف وموقف رعاة اتفاق الرياض من هذه المهازل التي يتمترس َراءها خاطفوا الشرعية. لقد غدا إصلاح وضع مؤسسة الرئاسة وتحريرها من خاطفيها أمراً ضروريا وملحاً لا يقبل التأجيل وإلآ بقينا ندور في هذه الحلقة المفرغة من الألاعيب والفوازير العبثية التي يتقنها الإخوان أيما إتقان. ملاحظة: • لم نتحدث عن نتائج التحقيق مع بن دغر الذي جاء تعيينه رئيسا لمجلس الشورى اليمني قبل صدور تقرير نهائي عنها، خصوصا وأن الرئيس الذي عينه رئيسا لمجلس الشورى هو من أحاله إلى التحقيق. • ولم نعلق على ما تشيعه المصادر الإعلامية الموثوقة، بأن المرشح لمنصب النائب العام متهم بنهب رواتب مئات الأفراد من جنود وضباط وزارة الداخلية لعدة أشهر.