وداعاً عاشق التراث والآثار السلطان فضل بن محمد هرهرة

صدمت اليوم لخبر رحيل الرجل المثقف والنبيل، السلطان فضل بن محمد هرهرة (أبو نبيل) الذي تعرفت عليه وتواصلت معه منذ سنوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي, بدافع من الاهتمامات المشتركة التي تجمعنا في الاهتمام بالتراث والشأن الثقافي بشكل عام، ثم أُتيحت لي فرصة التعرف عليه قبل عام مضى خلال زيارتي الشخصية لمتحفه التراثي الشخصي المتميز والفريد، الذي خصص له غرفة في منزله بمدينة دبي، وأصبح مقصدا للزوار ممن سمعوا عنه كثيرا، وكان ذلك سبب تواصلنا ثم تعارفنا، أثناء زيارتي للإمارات العام الماضي، وقد انبهرت بما رأيته لحظة الوصول في غرفة الاستقبال التي تمثل جزءاً من متحفه، إذ تزخر بالوثائق التاريخية النادرة والصور والعملات وطوابع البريد الخاصة بسلطنات وإمارات الجنوب العربي بلادنا، ومنها وثائق تاريخية ومراسلات خاصة لسلطنة أسرته آل هرهرة في يافع، ومن بلدان مختلفة، ويحتفظ فيه بنسخ نادرة من القرآن الكريم بحجمها الكبير ومعروضات وصور تاريخية متنوع. أما المتحف التراثي فينقلك في محطات تاريخية عبر الأزمنة والقارات، واستأنسنا بحديثه وهو يشرح لنا تفاصيل كل قطعة جمعها, خاصة النادر منها, ويروي مصدرها وتاريخها التقريبي. وشعرت بدهشة كبيرة أمام ما رأيت, وتساءلت كيف تمكَّن شخص لوحده أن يحشد هذا الكم الكبير من الآثار والتحف والتماثيل الأثرية ونماذج من الأدوات المنزلية وأدوات العمل والعملات النقدية المسكوكة في عهود مختلفة منها ما يخص الدولة الرسولية وكذلك العملات السابقة لبلادنا شمالاً وجنوباً بكل جزئياتها, وكذا أدوات الزينة وغيرها الكثير مما لا يخطر على البال من نماذج نادرة, ولم استغرب حينما عرفت منه أنه جمع محتوياته على مدى سنوات طويلة من اقطار وحضارات وعصور مختلفة, يعود بعضها إلى العصور الرومانية والفارسية وإلى حضارات ما قبل الإسلام، وتحتل الآثار والتحف والمقتنيات الإسلامية وكذلك الخاصة بالجزيرة العربية واليمن عامة ويافع خاصة حيزا كبيرا منها, ويصعب جردها أو عرض اسمائها لكثرتها وتنوعها, وربما تغني الصور عن الحديث.. كل ذلك بدافع حبه للتاريخ والآثار كهواية رافقته منذ وقت مبكر من حياته, وكان –كما أوضح لنا- في رحلاته وأسفاره كلما وجد شيئاً يلفت انتباهه يجذبه إليه بدون شعور وكأنه يقول له (خُذني) فلا يتردد عن أخذ واقتناء كل ما له صله باهتمامه. يحتل المتحف غرفة صغيرة تضيق بما تحتويه من المعروضات الكثيرة التي تتراكم فوق بعضها, لضيق المكان, رغم تنظيمه الدقيق للمحتويات واستغلال المساحة المحدودة لإظهار المتحف بشكل جميل بجمال روح صاحبه وذائقته الفنية. ورغم انقضاء سنوات كثيرة على وجود ونشاط هذا المتحف الخاص النادر والفريد وزيارة شخصيات حكومية ذات علاقة بالتراث والآثار والشأن الثقافي له فأن أحداً لم يلتفت إلى تقدير وتكريم جهود هذا الرجل في اظهار تراثنا والاعتزاز به ولو بكلمة شكر أو شهادة تقدير, وكان الاستثناء الوحيد الذي لفت انتباهي هو التكريم الذي حصل عليه ويعتز به كثيراً , كان من قبل جمعية يافع الخيرية التنموية بعدن حيث قام رئيسها الدكتور قاسم صالح الأصبحي بتسليمه شهادة تقديرية وفاء واجلالا لما يقوم به من دور في الحفاظ على الآثار اليافعية والموروث التاريخي وإبراز الوجه الحضاري لبلادنا من خلال متحفه المتميز هذا, وهذه بادرة تستحق الجمعية ورئيسها المهتم بالشأن الثقافي والتاريخي د.قاسم الأصبحي الشكر عليها. إن رحيل فقيدنا الكبير اليوم إثر تعرضه لمرض كوفيد-19 خسارة لا تعوض، وعزاؤنا أنه ترك لنا إرثاً وتراثاً زاخراً، قل نظيره اليوم في متاحفنا التي تعرضت للنهب والسرقة منذ حرب الاحتلال عام 1994م، ويجب الحفاظ على هذا الكنز الثمين من قبل أسرته. رحم الله فقيدنا السلطان فضل بن محمد هرهرة وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون

مقالات الكاتب