ظاهرة القائد زعطان
منذ وعيت نفسي، وخلال سنوات خدمتي العسكرية في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي سبقت انتقالي للعمل الأكاديمي في جامعة عدن عام 1998م، لم أرَ أي ضابط مهما كانت رتبه العسكرية، بما فيها منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أو وزير الدفاع، ناهيك عن قادة الوحدات البرية والبحرية والجوية ، بل وربما لدى قادة جيوش الدول المتقدمة، يكتب على صدره [القائد"فلان الفلاني"]، كموضة منتشرة لدى الكثير من ضباط وحدات القوات المسلحة الجنوبية المختلفة، أو المقاومة الجنوبية، ولا يكتفي البعض بكتابة [القائد "زعطان"] بالعربية بل يضيف تحتها بالانجليزية [Leader "Zatan"] وكأنه يريد أن يعرف العالم غير الناطق بالعربية أنه (الزعيم والقائد)، فكثرت لدينا للأسف رتبة [القائد زعيط] و[القائد معيط] دون أسس أو قواعد نظامية، ويا زعيمة جري صنبوق. لا أدري من استن هذه القاعدة السلبية، التي نراها كثيراً ، لكن الواضح أنها دخيلة على الأنظمة العسكرية، ويجب أن لا نسمح لها بالانتشار، والاكتفاء بالمعمول به في كل جيوش العالم بالرتبة العسكرية المستحقة والاسم فقط لمن أراد ذلك في المراسيم الرسمية. ولنا في الشهيد القائد منير محمود أبو اليمامة،طيب الله ثراه، أسوة حسنة، فرغم مكانته كقائد عسكري ميداني ، لم يحدث أن كتب على صدره ، خلال مسئولياته القيادية وحتى لحظة استشهاده (صفة القائد)، بل اكتفى بتسجيل اسم وحدته العسكرية في جهة صدره اليمين وفي شمالها رتبته واسمه (العميد منير محمود)وهو التقليد المتبع رسمياً في جيوش العالم.. أعرف حماسة شبابنا من قادة وضباط القوات المسلحة الجنوبية وفخرهم بصفة القائد، لكن العمل المؤسسي الذي ننشده لمؤسساتنا لا يجيز لنا السماح باستمرار مثل هذه المظاهر، لأن (القائد) ليس رُتبة نعلقها، بل صفة لا يطلقها الشخص على نفسه ولا يلصقها على صدرة، بل يطلقها عليه الآخرون كتقدير لحسن قيادته وأدائه في تنفيذ مهامه القيادية. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، أتذكر حادثة طريفة حدثت مع زميلنا د.ناجي جبران ، رحمه الله تغشاه، حينما كان يبحث في النت عن (الرمز في الشعر)، ليستفيد منه في كتابة أطروحته الموسومة بـ (تطور الرمز في الشعر اليمني المعاصر )، إذ كانت تظهر له (الزعيم الرمز فلان) و(القائد الرمز فلان)..ولو أن أحدنا اليوم بحث في محرك جوجل عن معنى (القائد) لظهر له عشرات أو مئات ممن يصفون أنفسهم في صفحات التواصل الاجتماعي بـ(القائد زعيط) و(القائد معيط). نأمل أن تصل رسالتنا للمعنيين في قيادات الوحدات العسكرية للتنبه لمثل هذه الظواهر الدخيلة على النظم والقوانين العسكرية والتخلص منها قبل انتشارها بتكثيف العمل التوعوي بين صفوف أفرادهم وضباطهم، ويكفي لمن يرغب كتابة التعريف بالوحدة العسكرية والاسم والرتبة المستحقة. وبالمثل يجب عدم التحرك بالأطقم العسكرية أو التحرك بها خارج إطار المهام الرسمية، والحد من استخدامها في الأغراض والمناسبات الخاصة، بما في ذلك مشاوير (القات).