تدحرجات "الشرعية".. عبء المرجعيات وضياع الأرض. ماذا بعد؟
انتهى أمر صنعاء أيها الإخوة.. فمن يجرؤ على ترديد خطاب عودة الشرعية إليها سيبدو كأنه يضع سكتشات كوميدية تخدش حياء من لا يستحي.. حتى أن الذاكرة أحالت كل ما قيل وكتب عن ذلك إلى خانة النفايات. فأين منكم زمن البدايات بعد سبع عجاف كأنها (سبعون هاوية) مما تعدون؟ لم يعد في قدرات "الشرعية" ما يمكن الرهان عليه، ومعاقلها تتساقط تباعا، ومعاركها، إن وجدت، لم تعد منطلق لتحرير شيء أو لفرض أمر ما على طاولة تفاوضية وإنما حالة دفاع لا تُوقظ أملاً ولا تشفي من متلازمة الهزائم ولا تغير شكل النهاية المنتظرة. لقد تصرف حكام منظومة "الشرعية" وفقاً لحسابات "الإخوان" الداخلية والإقليمية دون اعتبارات للوضع المعقد في الشمال وفي الجنوب ودون شراكة أحد.. وكأن لسان حالهم يقول: لتأخذ الحرب مداها الطويل فنحن هاهُنا حاكمون ومالكو ختم الولاية. وهكذا تدحرجت "الشرعية" فوق أهداف متداخلة وانشغلت بمزايا الحكم لتنتصر غواية السلطة على دماء الشعب المنسي، ولم تحافظ على القيم التي تميز السلوك المسؤول للقيادة في حرب يقتضي شرطها التاريخي أن تضحي وتتحمل المشقات لينتصر الشعب لا أن يموت الشعب من أجل "عودتها المقدسة" إلى كرسي حكم. ولهذا أصبحت في نظر العالم عبء يفوق أي شيء آخر. أما في نظر الناس فإنها مجرد فَرَس ضائعة في مضارب بني عبس تأكل لتنتفخ دون حساب للمدى وللمواجهات، تاركة (النسّاجين) من رواد الإعلام الشعبوي الرديء وأدوات الإسلام السياسي يحيكون المشهد في فضاءات من الزيف والفتن والكراهية حتى أحرقوا كثيراً من القيم التي كان يتعين الحفاظ عليها. وفي زاوية مقابلة عكس الأداء السعودي والدعم غير المشروط لإخوان اليمن تحت غطاء "الشرعية"، نموذج رهيب في السعي (بلا كنترول) لصناعة الحروب الطويلة والمعقدة، دون أن يفهم أحد ما هي العوائد. وحتى المتبحر في فنون الجوسسة ونمذجة تفكير صنّاع استراتيجيا الصراعات والتحالفات لا يستطيع بناء منطق ملائم، وإن حاول سيصل بعد جهد إلى (لا شيء) كبير وحاسم، تجسده معلومة خاوية وهي: أن ما تفعله الشقيقة في تحالفها ليس سوى تنويعات على سلوك قديم. وهكذا تتضح المآلات التراجيدية لعاصفة الحزم عاريةً مجردةً بعد أن كسفتها نجومية الإعلام ويتضح معها حجم الاستثمار في مهرجانات التضليل التي استمرت حتى فاض صبر العالم وقرر أن يهدي "الحوثيين" اعترافاً صريحاً، بعد أن كانوا مجرد انقلابيين محكوم عليهم بألف قرار أممي. لقد وصل العالم إلى قناعة بأن "الشرعية" لا يمكن أن تستثمر صفتها إلى مالا نهاية أو أن تبقى إلى غير أمد، بل يجب أن تكون هناك محطة أخيرة، خاصة وأن شروط بقائها مكلفة للغاية ولم تعد واقعية. كما أن قائدة التحالف العربي لم يعد بحوزتها ما تُفاجئ به حلفاءها العالقين في "اتفاق الرياض" أو العالم الذي تغيرت نظرته إلى واقع الحرب. وهكذا فإن استمرار الحال بات من المحال.. والسؤال الكبير هو ماذا بعد؟ هل يذهب المجتمع الدولي هذه المرة إلى خيار الضغط الجاد والنهائي من أجل إطلاق عملية سياسية توقف الحرب وتتجاوز عبء المرجعيات والآليات الراكدة وترسم مساراً تتحدد فيه الوجهة الموضوعية نحو سلام حقيقي تقبل به كافة الأطراف؟ أم أنه يواصل الحديث الإعلامي النمطي عن "مشاورات" دون حراك ملموس باتجاه خطوات واضحة؟ الحقيقة أن المتاح من الأخبار وما يرشح عن تحركات ولقاءات يشير إلى جهود ووساطات تعمل ببطء لوضع إطار عام لمشروع اتفاق… لكن وفي المقابل هناك ديناميكية متسارعة للحوثيين على الأرض يراقبها الوسطاء بصمت وهدوء، ما يجعل الحوثيين يرجحون بأن المواقف الدولية تتساوق مع أهدافهم في: التمدد نحو مناطق أكثر حيوية (أولاً) ثم فرض شروطهم تباعاً قبل الحديث عن صفقات "سلام ناقص". وفي كل الأحوال يمكن القول بأن الأوضاع تقترب تدريجياً من مفترق غامض قد يأخذها إلى واقع ميداني وسياسي مختلف تماما، ويحمل معه كثير من المتغيرات وربما المفاجئات. ولكن هذا حديث آ