الحديدة ومارب.. في معادلة الحرب والسلام
المجتمع الدولي يبحث عن السلام في اليمن ، ولكنه يغض الطرف عن فرص تحقيقه . ولكي يكون صادقاً وجاداً في الوصول إلى سلام دائم وحقيقي فإنه لا بد من الانطلاق من جذر المشكلة لمعرفة الطرف الذي لا يريد السلام ، وكذا الأسباب الموضوعية والذاتية التي تجعله يتمسك بالحرب كخيار لا يستطيع التنازل عنه . ليس اعتباطاً عندما نقول أن الحوثي هو الطرف الذي يرفض السلام منذ أن انقلب عليه وعلى الدولة وعلى التوافق الوطني بالسلاح ؛ والسؤال هو ما الذي يجعله يقبل السلام وهو يدرك أن المشروع الذي يسعى إليه لا يمكن ان يتحقق إلا بالحرب ؟؟ هذه حقيقة من حقائق الحرب التي فجرها الحوثي ، ومعها لا يمكن ان يكون الحديث عن السلام سوى مجرد تخدير للجسم المثخن بالجراح ، في حين تلتهم الحرب كل يوم ما تبقى من بقع حية في هذا الجسم المنهك ، وتهيئته من ثم للاستسلام وليس السلام . لكن يبقى سؤال آخر وهو ما الذي يجعل تحقيق السلام في وضع كهذا ممكناً ؟ الجواب باختصار هو أن تحقيق ذلك لن يكون بالمناشدة وإنما بكسر الرافض للسلام عسكرياً ليعيد بناء موقفه وفق معطيات مختلفة عما يتطلبه مشروعه الحربي .. هذا ما كان سيتحقق في الحديدة عام ٢٠١٨ حينما كانت الدولة على وشك أن تستعيد الحديدة من أيدي الحوثي ومن خلفه ايران ، لولا الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي بقوة لتوقيع اتفاق خسرت بموجبه الدولة أهم نقطة قوة لديها في معادلة الحرب والسلام عموما ، وظل السلام بسبب ذلك هو الخاسر الأكبر. حتى اليوم . لم يتوقف أمر الحديدة عند هذا الحد ، بل إن الاتفاق تحول إلى عصا دولية غليظة في وجه الشرعية بعد أن تبرع المبعوث الأممي السابق بتقديم شهادة إلى مجلس الامن عن تنفيذ الاتفاق من قبل الحوثيين في تلك المسرحية الهزلية التي شهدها العالم ولم يحرك ساكناً بشأنها . اليوم "مارب" تقاوم من أجل السلام الذي ضاع في الحديدة بسبب الحسابات الخاطئة للمجتمع الدولي يومذاك ، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم حسب ما ينقل من أخبار ، ولن يتحقق السلام إلا يكسر الحوثي في الجبهة المشتعلة في مارب . نأمل أن يدرك المجتمع الدولي أن سقوط مارب لن يحقق السلام الذي يتحدث عنه ، وقد حان الوقت لمغادرة الحديث عن السلام المجرد من معرفة دوافع الحرب التي يتمسك بها الحوثي ومن خلفه إيران، فكل المعطيات التي يتحرك السلام الحقيقي في ظلها تقول إن السلام والبغي لا يلتقيان ، وإن السلام يحتاج إلى قوة تكسر البغي وتمهد له الطريق .