تسوية دائمة وعادلة.. مفاوضات جنوبية

— شمالية لا تختزل بثنائية الشرعية والإنقلاب !

قرار إيقاف الحرب في اليمن بات معروفاً للجميع تقريبا؛ بأنه بيد من بدأوا بها بدرجة رئيسية وبضغط وموافقة الكبار؛ وتوافقاتهم على تموضع مصالحهم اللاحقة في اليمن والمنطقة؛ ويبدو بأن مسألة إيقاف الحرب والذهاب إلى التسوية اللاحقة لوقف إطلاق النار أصبحت مسألة وقت؛ فالكل منهك ويبحثون عن المخرج المناسب لهم؛ ناهيك عن شعور البعض بأنه قد تورط ودفع ثمن ذلك كثيراً من ماله وسمعته وأنعكس سلباً على أوضاعهم الداخلية وبأكثر من صورة. وبرأينا لن تكون التسوية مضمونة النجاح؛ إلا عبر نجاح الحوار الجنوبي الجدي الشامل الذي بدأ قبل أشهر وبمبادرة من قيادة المجلس الإنتقالي الجنوبي؛ ووصوله إلى النتائج المرجوة وبأقرب وقت ممكن؛ ليكون الجنوب بذلك جاهزاً للحوار بشأن قضيته الوطنية في إطار عملية التسوية المرتقبة؛ وهو الحوار الذي ينبغي أن يكون جنوبياً — شمالياً وبرعاية إقليمية ودولية؛ بعيدا عن إختزاله بثنائية ( الشرعية والإنقلاب ! )؛ ونأمل في هذا الإتجاه أن يقابل فريق التفاوض الجنوبي الواحد والمعبر عن وحدة وشراكة الجنوبيين وإرادتهم؛ وفداً تفاوضياً واحداً أيضا وبأي صيغة يتوافق عليها ويرتضيها الشماليون لأنفسهم. فبذلك فقط يمكن الوصول إلى حلول واقعية وممكنة يتم القبول بها أو تفرض على من لا يقبل بذلك؛ وتنسجم في نفس الوقت مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها الحرب وأصبحت تجلياتها السياسية والميدانية على الأرض قائمة وكأمر واقع وبأكثر من صورة؛ وتستجيب كذلك للتطلعات الوطنية المشروعة للجنوب؛ والمعلنة والمعروفة للجميع؛ وبما يضمن في المستقبل التعايش والإستقرار الدائمين بين الشعبين الشقيقين ولدولتيهما. ولن يكون الوصول إلى صيغة هذا الحل مستحيلاً؛ وهو الهدف النهائي بالنسبة للجنوب ولن يتنازل عنه؛ وهو في مصلحة اليمن والإقليم بل والعالم كله؛ إذا ما تم التفكير بصوت مسموع وبلغة المنطق والمصالح معاً؛ وبعيداً عن المزايدات السياسية وإستحضار الإيديولوجيات والعصبيات؛ أو التمترس خلف المصالح الضيقة هنا أو هناك؛ أو التمسك بالأطماع غير المشروعة بثروات الجنوب وخيراته من قبل تلك الأطراف التي وجدت في الجنوب مغنماً لها. وسيضمن مثل هذا الحل الواقعي الذي تتجسد فيه المصلحة العامة الحقيقية للناس؛ وهي التي تتعارض تماما مع مصالح وأهداف قوى النفوذ والفساد وشعاراتها السياسية الخادعة والمضللة؛ وهو الحل الممكن والمتاح؛ وسيضع قواعد وأسس متينة لصيانة العلاقات الصحيحة والسليمة وبما يحافظ على وشائج الود والأخوة ويرد الإعتبار لها كعلاقات إنسانية متجذرة؛ ومحاصرة وإنهاء خطاب الكراهية من قاموس التعامل والعلاقات بينهما الذي شهدته العقود الثلاثة الماضية ولأسباب معروفة. وسيحافظ ذلك أيضا على تبادل المنافع وحماية المصالح المشتركة وتنميتها؛ ضماناً لمستقبل مزدهر وآمن تحكمه قواعد الندية والإحترام المتبادل والمصالح المتبادلة على سعتها وتنوعها؛ وهي الدائمة والباقية وتلبي حاجة الجميع وحقهم في التطور والازدهار والإستقرار. وبغير ذلك لا مفر من إستمرار الحروب والصراعات وتناسلها وبعناوين مختلفة ومتجددة؛ وسيحرص أمراء الحروب وتجارها على إستمرارها وستغذيها قوى وأطراف خارجية إقليمية ودولية ترغب ببقاء الأوضاع على هذا النحو ولأسباب وأهداف متعددة؛ تنعدم فيها فرص التنمية والإستقرار ويبتعد معها الغد المأمول الذي يحلم به الجميع ويسرق من الأجيال القادمة مستقبلها.

مقالات الكاتب