اليمن... عام الحسم والسلام 2022
في مقالنا الأخير تحت عنوان «اليمن والتحولات المحتملة في 2022» تحدثنا في مقدمته حول صعوبة التنبؤ في المسألة اليمنية للتحولات المحتملة التي قد تحدث خلال هذا العام الجديد، بسبب تعقيدات اليمن الذاتية وتعدد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المرتبطة بها. في نهاية المقال أشرنا إلى تصريح منسوب لتيم ليندركينغ المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن الذي قال فيه إن الولايات المتحدة لن تتهاون في دعم أي مشروع بمنظمة الأمم المتحدة لمحاسبة الحوثيين على جرائمهم في اليمن، مؤكداً في الوقت ذاته التزام الولايات المتحدة تقديم حل سياسي للأزمة اليمنية، وتساؤلنا أي من الخيارين سيشهده عام 2022؟ استخدام عبارة الحسم، المقصود بها ممارسة ضغوط قصوى عسكرياً وأمنياً تجبر الحوثيين على التوصل إلى اتفاق سلام، وأنه ليس بإمكانهم مواصلة المعارك في عدة جبهات في مأرب ومناطق أخرى في جنوب اليمن، ناهيك عن مواصلة عملياتها ضد المملكة إلى ما لا نهاية، لأنه من المتوقع توصل محادثات فيينا حول الملف النووي إلى اتفاق بين أطراف الأزمة هذا العام، وحينها لن تكون حاجة إيران ذاتها بالضرورة إلى جماعة أنصار الله كورقة تستخدمها ضد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالطبع هذه الفرضية في حدوث انفراج في الملف النووي قد تكذبها تطورات أخرى وتعقيدات في الخمس دقائق الأخيرة كما يقال؟ فدول الإقليم استوعبت دروس الانسحاب الأميركي من أفغانستان وبالطريقة التي تمت بها أعطت لها إشارات بوضوح عن عدم رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن في الانخراط في المنطقة وبتركيز اهتمامها على الخطرين الصيني في شرق آسيا، والاتحاد الروسي في وسط أوروبا (أزمة أوكرانيا) مما سيخلق فراغاً سياسياً استوجب على الدول الإقليمية البحث عن سبل تحسين العلاقات فيما بينها بدءاً بلقاءات «استكشافية» بين المملكة العربية السعودية وإيران. وقيام الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، بزيارة لطهران والتي التقى فيها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وعدد من المسؤولين الإيرانيين. وعلى المستوى الأممي لم يغفل مبعوثو الأمم المتحدة إلى اليمن أهمية الدور الإيراني في تصلب مواقف الحركة الحوثية، ولذلك سعى مارتن غريفيث للتواصل معهم بزيارة طهران في فبراير (شباط) 2021. تبعه بعد ذلك زيارة غروندبرغ المبعوث الجديد بزيارة مماثلة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أشارت صفحته إلى أنه التقى فيها مع كبار المسؤولين الإيرانيين وممثلين عن المجتمع الدولي في طهران، مؤكداً الحاجة إلى دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية تفاوضية للنزاع، وقد اتبع غروندبرغ نهجاً مختلفاً عن سلفه مارتن غريفيث في تعاطيه مع الأزمة اليمنية باتباع نهج هنري كيسنجر بـ«سياسة الخطوة خطوة»، وهي السياسة التي نتج عنها اتفاق مؤتمر أستوكهولم في 6 ديسمبر (كانون الأول) لعام 2018 والتي إجمالاً لم تحقق أهدافها، في حين النهج الذي يريد اتباعه غروندبرغ هو أقرب إلى ما طرحه المبعوث الموريتاني السابق أحمد ولد الشيخ، في التباحث حول ملف الأزمة اليمنية بمجملها وليس عبر تجزئة عناصرها. وقد أدلى بهذا الخصوص في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في 14 ديسمبر الماضي، بتأكيده أن الحلول الجزئية لن تؤدي إلى سلام دائم، ولن يكون الحل مستداماً إذا لم يمثل مصالح مختلف اليمنيين، وتبني التوافق حول بلورة مبادرة سياسية شاملة تنهي الحرب بشكل مستدام. ومما يؤسف له أن الإحاطة لم تشر إلى أزمة ناقلة النفط «صافر»، بيد أن السيد غروندبرغ أشار في إحاطته إلى موضوع مهم وحيوي يتعلق بما سماه الحاجة العاجلة لتخفيض «التصعيد الاقتصادي» لتحسين سبل كسب الرزق وخفض تكلفة السلع وحماية العملة التي تدهورت قيمتها بشكل غير مسبوق، ومن المؤمل الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة بتغيير محافظي البنك المركزي أن تفتح هذه الخطوات الباب إلى مزيد من الإصلاحات. وامتداداً لما صرح به ليندركينغ المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن في ديسمبر الماضي، بأن بلاده لن تتهاون في دعم أي مشروع بالأمم المتحدة لمحاسبة الحوثيين على جرائمهم في اليمن، عبر المندوب الأممي السيد غروندبرغ في بيان صحافي في نهاية ديسمبر الماضي أن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان في اليمن لا يمكن أن تستمر من دون مساءلة. وفي خلاصة البيان أشار المبعوث الأممي إلى أنه جاهز «للعمل مع الأطراف لإيجاد حلول فورية لخفض التصعيد… وإتاحة المجال لعملية سياسية تهدف للوصول إلى نهاية شاملة ومستدامة للنزاع في اليمن»، والسؤال المطروح هل سيشكل عام 2022 عام الحسم والسلام ويكون غروندبرغ آخر مبعوث أممي إلى اليمن، أم أن الأزمة اليمنية ستستمر لسنوات أخرى؟ وهل يمكن للعملية السياسية أن تأخذ طابع الاستدامة من دون التوصل لحل جذور الأزمة ذاتها، وليس حلاً مؤقتاً ينهي الصراع والحرب ولا ينهي جذور الأزمة التي قد تظهر مجدداً بعد فترة ما؟ وماذا عن مخرجات الحوار الوطني ومسودة مشروع الدستور الاتحادي؟ والسؤال الأخير ما موقع اليمن المستقبلي بين محيطه الجغرافي؟ هذه التساؤلات بالإمكان الحصول على الإجابة عنها باستثناء سؤال واحد، هل باستطاعة الأطراف اليمنية التوافق بينهما على حل؟ هذا هو السؤال الكبير.