ازدواجية المعايير في الحرب الأوكرانية
فضحت الأزمة الأوكرانية ازدواجية المعايير والقيم التي تستخدمها الدول العظمى في سياساتها الخارجية، خصوصاً من قبل الدول الغربية حول أهمية التزام الدول قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ودفاعها في علاقاتها الخارجية عن أهمية تبني الدول النظام الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان كمعايير لعلاقات متميزة مع الدول. ولكن تلك المبادئ والقيم في واقع الأمر تجعل تلك الدول تتغاضى عنها حين تتطلب مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، وتذهب الأمور إلى أبعد من ذلك في حرية التعبير والنقاشات التي تدار عبر الفضائيات الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بشكل غير مسبوق في العلاقات بين الدول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أوضحنا في مقالنا الأخير حول الأبعاد القانونية للأزمة الأوكرانية الروسية كيف تطورت الأمور في الصراع الغربي الروسي إلى الحد الذي وصل إليه بالمطالبة إلى إبعاد روسيا الاتحادية من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي حتى لا تتمكن من استخدام حق النقض (الفيتو) للحيلولة من إدانتها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. الازدواجية في المعايير والقيم ليست في الواقع حكراً على الدول الغربية، وروسيا بدورها تشاركها في اتباع النهج ذاته في علاقاتها الدولية مع الأطراف الأخرى، وقاسمهما المشترك هنا يقوم على أساس امتلاكهما القوة التي توظف في خدمة أهدافها والدفاع عن مصالحها، ويعني ذلك أن الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي تلجأ إليه الدول العظمى حين يناسبها ذلك، ولا تقوم بلجوئها إلى القانون الدولي وفق مفاهيمه، وإنما وفق تفسيراتها الخاصة للقانون الدولي، وهي في الغالب ما تكون تفسيرات بعيدة عن مفاهيم ومعاني ومقاصد القانون الدولي. وكأنهم بذلك يوجهون رسائل سلبية إلى الدول خارج مجموعة الدول العظمى التي لا تمتلك القوة المساندة لطموحاتها من أن القانون الدولي وضع لها، وهي التي عليها التزام قواعده.