عبد الرحمن الراشد والقراءة بعين واحدة(الأخيرة)*
من أطرف ما يقوله عبد الرحمن الراشد أن قطر سعت ” إلى تأجيج الوضع برفع وتيرة التحريض الدعائية للميليشيات الانفصالية الجنوبية ضد الحكومة. وهو حراك سياسي موجود من قبل، لكنه الآن يتناغم مع الحوثيين، يسعى لفتح جبهة تعوضهم عن خسارتهم معسكر صالح، بمحاصرة الحكومة في عدن”. يا للعبقرية!! الطرف الوحيد الذي ألحق شر هزيمة بالمليشيات الحوثية حينما هرب منها من يدعمهم ويدافع عنهم عبد الرحمن الراشد، يسعى لتعويض الحوثيين خسارتهم معسكر صالح، والأدهى من كل هذا قطر التي لا يدع إعلامها فرصة إلا ويكثف هجماته الإعلامية على الجنوب والجنوبيين، “تؤجج الوضع برفع وتيرة التحريض الدعائية” لما يسميها الراشد بالـ”مليشيات الأنفصالية”. الحقيقة إنه يمكن ترويج هذه الترهات وتسويقها للأطفال حديثي العهد بالسياسة أو لمن لا يجيدون اللغة العربية ومن ليسوا متابعين لقناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام القطرية أما وإن الصحيفة التي نشرت الموضوع تصدر باللغة العربية وهي نفس اللغة التي تبث بها قناة الجزيرة وكل وسائل الإعلام القطرية، فإن المرء ليستغرب كيف تقول ما تقوله وهي تعلم أن قراءها معظمهم إن لم يكن كلهم يتابعون قناة الجزيرة ويعرفون ماذا تقول عن الجنوب والقضية الجنوبية وفي الحقيقة لا بد من الاعتراف أنه لو أن قطر تكرمت وتميزت في موقفها تجاه قضية الجنوب ومظالم الجنوبيين لسجلنا لها أسمى آيات التقدير والاحترام، لكن قطر لا تختلف في موقفها من الجنوب عن بقية شقيقاتها الخليجيات إن لم تكن قد ميزت نفسها في مؤتمر أبها في العام 1994م وظلت تفاخر بهذا الموقف وما تزال تعتبره ميزة تستحق التباهي. يتحدث عبد الرحمن الراشد عن المقارنة بين استفتاء إقليم كردستان وكيف فشل الأكراد في نيل استقلالهم، كما يعترف بأن نظام علي عبد الله صالح قد ارتكب مظالم في كل اليمن، وهي حجج يقول بها كل أعداء صالح بما في ذلك الذين شاركوه تلك المظالم ويقودون اليوم معسكر الشرعية، والحقيقة أن الاعتراف يجرائم نظام صالح وشركائه على مدى أربعة عقود يؤكد أن هذا الخبز من ذاك العجين وأن الذين يتعطشون إلى حسم المعركة مع الانقلاب إنما يحلمون بمواصلة مشوار صالح ووراثته في جرائمه ومنهاجيته في التعامل مع الوطن والمواطن، لأنهم لم يبرهنوا على مدى ثلاث سنوات من الحرب أنهم قد غادروا نفس المدرسة وبدأوا في تطوير أخلاقهم ونظرتهم للحكم واحترامهم للشعب، وحيث أن الراشد وقبله عشرات المثقفين اليمنيين يقارنون الجنوب بالحديدة وريمة والجوف فإننا نقول لهم إننا نشاطركم أن كل المناطق اليمنية بما في ذلك تعز وإب وصعدة وصنعاء وبقية مناطق الشمال قد عانت من الظلم عقودا وعقودا، لكننا نشير إلى نقطتين مهمتين تتعلقان بهذه المقارنة: الأولى: إن هذه المناطق عانت من ظلم وطغيان حاكم محلي جائر رضخت له طبقاتها السياسية ولم تجرؤ على مواجهته إلا نادرا، بل إن كثير ممن كانوا محسوبين على المعارضة من أبناء تلك المناطق قد كانوا أكثر قربا من صالح من أقرب أقربائه أما الجنوب فقد جرى اكتساحه عن طريق حملة عسكرية استخدمت فيها الجيوش الجرارة من الفيالق الرسمية والمجاميع القبلية والجماعات الجهادية ممن كانوا يسمون بـ”الأفغان العرب ” كل ذلك من أجل تحويل الجنوب من شريك في دولة الوحدة بالمناصفة إلى مجرد غنيمة حرب ، وبقية القصة معروفة للجميع. والنقطة الثانية: أن الحديدة وريمة وكل المناطق الشمالية المظلومة تاريخيا لم تكن دولاً مستقلةً دخلت مع علي عبد الله صالح عن طريق اتفاق لا معلن ولا سري، بل كانت جزءً من دولة الجمهورية العربية اليمنية وقبلها المملكة المتوكلية اليمنية، ومع ذلك فمن حقها أن تختار طريق نضالها الذي يناسب ظروفها لرفع الظلم عن مواطنيها من الطغاة الشرعيين والانقلابيين ، أما الجنوب فظل حتى 21 مايو 1990 دولةً مستقلة ذات سيادة وعضو مكتمل العضوية في جميع المنظمات الدولية والإقليمية ودخل في مشروع اتحاد معلن بين دولته ودولة الشمال لكن الطرف الآخر كان يعد العدة للانقضاض على تلك الاتفاقية وتحويلها من عقد بين طرفين نديين إلى ضم وإلحاق واحتلال واستيلاء ونهب من طرف واحد، وبعبارة أخرى خرق العقد وإلغاء شروطه من طرف واحد عن طريق الحرب والحرب فقط ، لذلك تكون المقارنة وفق منطق السيد الراشد مقارنة مختلة وظالمة. إن الجنوب الذي لا أشك أن عبد الرحمن الراشد يعلم أنه كان دولة لها صولتها وجولتها في جميع المحافل الدولية والإقليمية لم يكن قط محافظة من محافظات الجمهورية العربية اليمنية وهو ما ينطبق على مقارنة قضية الجنوب مع إقليم كردستان الذي لا يعني أن رفض نتائج الاستفتاء التي أتت لصالح استقلال الإقليم من قبل نظام الحكم في العراق هو نهاية التاريخ لأن للشعوب ذاكرة حية لا تتغير بتغير الحكام ومع ذلك فإن كردستان كانت على مر التاريخ جزءً أصيلا من العراق مثلما كانت بقية الأقاليم الكردية جزءً من الدول التي وزعت بينها ولا يوجد ما يمنع شعوبها من تقرير مصيرها لكن هذا ليس موضوع بحثنا. ختاما: لقد تناول الكاتب عبد الرحمن الراشد موضوع مسيرة سلمية خرجت تطالب بتغيير الحكومة وووجهت بالقوة المسلحة من قبل تلاميذ مدرسة عفاش (الشرعيين)، وحولها إلى تمرد على الدولة ومحاولة انقلاب وهذا الكلام لم يكن الراشد أول من قاله بل لقد سبقه إلى ذلك كل وسائل إعلام الشرعية ووزراؤها ومتحدثيها ولم تكن الشرعية بحاجة إلى الراشد أن يورط نفسه في ترهات لدى الشرعية مئات التافهين ليقولوا بها، ومع إنني ظللت طوال المقالة أتابع بتعطش للوصول إلى “من وراء مسلحي عدن؟” فقد أنهيت النص كاملاً دون أن أصل إلى نتيجة مقنعة سوى أن قطر قد سعت إلى تأجيج الوضع عن طريق التحريض وهو استنتاج مضحك وأخرق لا يقول به إلا جاهل أو محترف افتراء ولا أخال الراشد يسمح لنفسه بالهبوط إلى هذا المستوى من الدونية. ___________________________________ * من صفحة الكاتب على فيس بوك