رحل خالد محي الدين ويبقى مشروعه

برحيل خالد محي الدين آخر قادة ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر التي غيرت مجرى التاريخ ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله والمحيط من حوله، فقدت مصر والأمة العربية أحد أبرز الوجوه السياسية في عصرنا الراهن. كان خالد محي الدين رحمه الله، نوعا نادرا من السياسيين اختلفت معه، أو اتفقت. هو نفسه اتفق مع عبد الناصر وكان أحد الضباط الأحرار الدين فجروا ثورة يوليو 1952 في أشياء واختلف معه في أشياء أخرى، واختلف مع الرئيس السادات بعد رحيل عبد الناصر وزيارته لإسرائيل. وكان أحد أبرز وجوه المعارضة السياسيه لحكمه، وفي عهد السادات أسس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي سنة 1976م. لكنه في كل الظروف والأحوال ظل حبه لمصر ولمبادئ ثورة يوليو العظيمة وظل منحازاً لإنجازاتها التاريخية في الحرية والاستقلال والسيادة والدفاع عن مصالح وحقوق العمال والفلاحين والجماهير. كان خالد محي الدين صديقاً لشعبنا في اليمن، ويرى أن الدعم الذي قدمته مصر وقائدها جمال عبد الناصر للثورة اليمنية في الشمال والجنوب وتضحيات الجيش العربي المصري توطد مكانة الأمة العربية في موازين القوى الاستراتيجية، لهذا كان يعطي أهمية خاصة لليمن وخاصة للنظام التقدمي في اليمن الديمقراطية، ليس لأسباب أيدولوجية فقط، بل لموقعها الاستراتيجي في عدن وباب المندب ومواقفها المبدئية من قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين. وكان يرى في ذلك النظام في ذلك الركن من الوطن العربي انتصاراً لثورة يوليو ومبادئها العظيمة ومشروعها النهضوي الحضاري. وأن انتصاره في جزء منه انتصار للمشروع كله، ورغم ما أصاب المشروع العربي من انكسارات نتيجة التآمر الكبير عليه من قوى في الداخل والخارج، إلا أنه ظل مؤمناً بقدرة القوى الحية وجماهير الأمة العربية بإحداث التغيير المنشود في حياة أفضل دون أن يغفل عن طول الصراع وشراسة جبهة الأعداء . زار القائد خالد محي الدين عدن وحضرموت لحضور احتفالات الذكرى العشرين لثورة 14 أكتوبر عام 1983م، وفي الحفل الجماهيري بهذه المناسبة الذي أقيم في ميدان الحبيشي في كريتر تم منح أسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وسام ثورة الرابع عشر من أكتوبر أعلى وسام في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقد سلم لرفيقه في النضال خالد محي الدين لتسليمه الى أسرة الزعيم جمال عبد الناصر. وأتذكر يومها ما إن تلفظت باسم الزعيم جمال عبد الناصر، حتى انهال الجمهور كالسيل العارم على المنصة. يهتفون باسمه في فرح وابتهاج كأنه مازال يعيش بينهم ولم يغادرهم لحظة واحدة.. وكأن الرئيس جمال عبد الناصر قد نهض من قبره، ليقف على المنصة حيث كنت أقف، ويأخذ "المايكرفون" مني ويجلجل بصوته: "أيها الإخوة.. ها نحن نحتفل معكم بذكرى الثورة بعد أن حمل الاستعمار البريطاني عصاه ورحل عن عدن" وقد تكررت لقاءاتي بالراحل الكبير بعد ذلك في مصر وغيرها في العديد من المناسبات حيث نشأت بيننا صداقة عميقة وكنت أجده في كل حوار بيننا في قضايا الأمة وهمومها ذلك السياسي والعقل الذي يتمتع بذهن متقد، ورؤية عميقة وبعد نظر، وقدرة على التحليل واستشراف المستقبل، والإيمان العميق بطاقات الأمة وقدرتها على تغيير قدرها بالرغم من كل الصعوبات والأزمات. برحيل خالد محي الدين فقدتُ أخاً وصديقاً عزيزاً، وفقدت أسرته الأب الحنون، كما فقد حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي القائد والمؤسس، وفقدت مصر إبناً باراً من أبنائها وأحد رجالاتها الذين كان له دور في تغيير وجه التاريخ. تغمّد الله الفقيد الغالي بواسع رحمته وأسكنه فسيج جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

مقالات الكاتب