ابو الشهداء .......

للمرة الثالثة اعزي صديقي احمد سالم عبيد ، في المرتين السابقتين عزيته في استشهاد ابنيه طارق وسند على التوالي ، وهذه المرة عزيته في استشهاد ابنه البكر نشوان ، كم هو صعب فقد ابن واحد على ابويه ؟!!! فمابالكم بفقد ثلاثة اولاد في ريعان الصبا وزهرة الشباب ؟!! كيف يكون الدخول الى الحزن النبيل ، وتقبل قضاء الله وقدره ؟ ان العين لتدمع ، والقلب ليحزن ، وانا لفراق فلذات الاكباد لمحزونون ياابا نشوان وطارق وسند ، ياابا الشهداء . في كل مرة اعزيه فيها في استشهاد ولد من اولاده اجده ذلك الاب الصابر ، المحتسب ، الذي يخفي المه ، وحزنه ، في ثبات ، ويتقبل العزاء ليس في سرادق حزن ، بل في حديقة عرس وكأنه يسوقهم الى الفردوس حيث هم احياء عند ربهم يرزقون ، حيث يلتقي وعد الارض بالسماء ... اعرف احمد سالم عبيد ، منذ اكثر من نصف قرن ، اعرفه جيدا ، اعرف معدنه الاصيل ، ونبته الطاهر ، اعرف عشقه للحياة ، وحبه للنضال منذ كنا في ريعان الشباب . التقيته للمرة الاولى في القاهرة ، في مطلع ستينيات القرن العشرين المنصرم . كان حينها طالبا في الكلية الحربية ، بينما كنت في مدرسة الصاعقة بانشاص ، وتواصلت علاقتنا بعد الاستقلال وتسلم السلطة ، حين عينت محافظا للمحافظة الثانية - لحج وكان احمد سالم مدير امن المحافظة . ثم جمعت بيننا وزارة الدفاع فكنت وزير الدفاع ، بينما شغل هو منصب قائد الكلية العسكرية ، ومن ثم قائد سلاح الطيران . وكانت تلك سنوات بناء القوة والقوات المسلحة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، حيث تم بناء دولة قوية ومهابة في المنطقة . وفي مرحلة لاحقة شغل منصب مدير الدائرة السياسية بوازرة الدفاع ، ثم جمعنا مجلس الوزراء حين عين وزيرا للاعلام في الوقت الذي كنت اشغل فيه منصب رئيس مجلس الوزرء . وعمل بعد ذلك سفيرا لبلاده في اديس ابابا .. وخلال تلك السنوات من عمر تجربة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية كان احمد سالم عبيد جزءا اصيلا من تلك التجربة ساهم فيها سياسيا ، وعسكريا ، ودبلوماسيا . ومثقفا وشاعرا ، فهو قبل كل شيء ابن لحج الخضيرة ، ابن الشعر والفن والغناء الاصيل والمدرسة القمندانية ، وقد غنى من اشعاره عدد من الفنانين . ولهذا فان ابناؤه تربوا في هذه المدرسة الوطنية التي انجبت المناضلين والشهداء ، والسياسين ، والمثقفين .. مدرسة البطولات ، والتضحيات ، والعطاء بدون حدود . هذه المدرسة هي التي اعطت ثلاثة من الشهداء من ابنائه وفلذات اكباده في اقل من بضع سنين . وحتى بعد ان خرجنا من السلطة ومن عدن ، جمعنا معا هم البحث عن حل سياسي في اكثر من بلد ، واكثر من عاصمة في صنعاء ، واديس ابابا ، ودمشق ، والجزائر ، وطرابلس وغيرها من البلدان في محاولة لاقناع الرفاق في عدن بمشروعنا للحل السياسي واستعادة الوحدة الوطنية دون جدوى ، وهو المشروع الذي تحقق بعد ذلك بعقدين تقريبا عبر مشروع التصالح والتسامح . كان دخول الوحدة عام ١٩٩٠ هروبا الى الوحدة ، والخروج منها عام ١٩٩٤ هروبا منها في لحظة غابت فيها الحسابات الدقيقة ، وكما يقال فان الالام تجمع .. وقد جمعت حرب صيف العام ١٩٩٤ ونتائجها التدميرية على الجنوب وعلى الوحدة بين الزمرة والطغمة في المنافي ، وكان نصيب المناضل احمد سالم عبيد القاهرة ، لكنه لم يسلم من ملاحقة وسطوة سلطة صنعاء التي لم يكفها استيلاؤها على كل مساحة الوطن شماله وجنوبه ، بل اخذت تطارده وغيره في منافيهم في سورية ومصر وغيرها .. فامتدت اليه يد سلطات امن علي عبد الله صالح التي اختطفته من مقر اقامته في القاهرة ونقلته سرا الى صنعاء في صفقة دفع ثمنها احمد سالم عبيد وحده !!!! لكن علي عبد الله صالح اضطر للافراج عنه بعد ان قاد المثقفون والمتضامنون معه اوسع حملة تضامن للافراج عنه . وهذا الاختطاف للمناضل الجسور احمد سالم عبيد من مصر يحدث لاول مرة من مصر ، صقلت المعارك والاحداث والمحن احمد عبيد ، وصلبت عوده ، ولم تنل منه ، ولا من جسارته . ظل مع شعبه ، وقضية شعبه ، وربى اولاده على حب الوطن ، والتضحية في سبيله الى حد الموت ، الى حد الشهادة ، وقدمهم قربانا للوطن الغالي .

مقالات الكاتب