الاهتمام الدولي بمساعي الحل في اليمن
كان من اللافت للنظر في ملف الأزمة اليمنية تصدر تصريحات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، تلاها بعد ذلك تصريحات مكملة من قبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في تحديد المكان والزمان لعقد مشاورات السلام حول اليمن. حدث كل هذا التحرك الأميركي في وقت كان فيه المبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث يقوم بمشاوراته في المنطقة ما يشكل مفارقة كبيرة مع الفترة السابقة لعقد مؤتمر جنيف في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث كان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة هو الذي حدد تاريخ انعقاد المؤتمر ومكانه في مطلع سبتمبر وفي جنيف، وتغيب عن حضوره وفد الحوثيين. في هذه المرة جاءت المبادرة من وزير الدفاع الأميركي ماتيس على هامش مؤتمر البحرين للأمن في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدعوته إلى مفاوضات سلام في غضون الثلاثين يوماً المقبلة في السويد، موضحاً في وقت لاحق أن تتم المفاوضات في مطلع ديسمبر (كانون الأول). وقد أيد غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي دعوة وزير الدفاع الأميركي لإجراء مفاوضات سلام، وقام على ضوئها وزير خارجيتها بزيارة عواصم دول المنطقة المرتبطة بأطراف النزاع في كل من الرياض وأبوظبي وطهران. ماذا تعني مختلف هذه التصريحات والتحركات الدبلوماسية؟ ولماذا انحصرت بشكل رئيسي على الولايات المتحدة الأميركية ثم على بريطانيا دون غيرهما من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي؟ فالأزمة اليمنية تعني الأمن والسلم الدوليين، وهما من اختصاص مجلس الأمن الدولي وليس فقط تعني دولتين من الدول الخمس الرئيسية في مجلس الأمن الدولي... هل تم ذلك بتوافق وتوزيع أدوار بين الدول الخمس أم لأسباب أخرى أكثر تعقيداً من ذلك؟ فسر مغزى تصريحات وزير الدفاع الأميركي في المنامة بأنه مرتبط باهتمام الولايات المتحدة بمشروع تشكيل «ناتو عربي» في مواجهة طموحات إيران في المنطقة العربية والشرق أوسطية واليمن، الذي لم يدرج ضمن الدول المحتملة أن تكون من أعضاء الناتو العربي، إلا أن الاهتمام الأميركي الذي يلتقي مع طموحات دول التحالف في مواجهة التغلغل الإيراني يفسر تولي وزير الدفاع ماتيس دعوته إلى عقد مؤتمر السلام في السويد. والاهتمام الأميركي باليمن لا يرتبط فقط بالأزمة الحالية، فهي للتذكير بأن الولايات المتحدة الأميركية كانت من أوائل الدول التي اعترفت في عهد الرئيس الأسبق جون كيندي بثورة 26 سبتمبر 1962 وجاء اعترافها بها في ديسمبر من العام نفسه. وبقرار من يوثانت الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة تم تعيين الأميركي رافل جونسون الحائز على جائزة نوبل للسلام (عام 1950) للإشراف على الاتفاق الذي توصلت إليه الأمم المتحدة بين السعودية ومصر في مطلع عام 1963 بتخلي كل طرف منهما عن دعم الطرف الآخر في الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين، ونجحت هنا دبلوماسية الأمين العام الأسبق رغم الصعوبات التي واجهها في علاقته مع مجلس الأمن الدولي الذي اتهمه الاتحاد السوفياتي على وجه الخصوص بأنه تجاوز اختصاصات مجلس الأمن لصالحه كأمين عام للأمم المتحدة. ومن دون شك فإن الدعم الأميركي ودور رافل جونسون أسهما في صلابة موقف يو ثانت ونجاحه في هذه الأزمة. ولعل الحرب ضد الإرهاب، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية عززت من اهتمام الولايات المتحدة باليمن وبالوجود فيه على مختلف المستويات، والدور البريطاني هنا له عدة اعتبارات وأهداف من تعاونه مع الولايات المتحدة الأميركية. فبريطانيا لم تكن من أوائل الدول التي اعترفت بتغيير طبيعة النظام في صنعاء في عام 1962 وذلك بسبب وجودها في مستعمرة عدن والجنوب العربي التي رأت في ثورة سبتمبر تعزيزاً للناصريين في الجنوب واليمن. والآن بوجود القرار البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بعد الاستفتاء الذي جرى في 23 يونيو (حزيران) 2016، فإن بريطانيا كما يبدو سترتبط بعلاقات أكثر ديمومة بالولايات المتحدة أو بالأصح العودة إلى علاقاتها الحميمية والتقليدية بالولايات المتحدة. فمشروع تشكيل ناتو عربي بمباركة أميركية و«بريكست» يجعل بريطانيا خارج المشروع الفرنسي للرئيس إيمانويل ماكرون بتشكيل جيش أوروبي يحظى بتأييد من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ودول أوروبية أخرى وتعارض الولايات المتحدة المشروع. ومن هنا يتبين التوافق الأميركي - البريطاني الخاص باليمن وتوزيع الأدوار بينهما على مستوى مجلس الأمن الدولي. والولايات المتحدة تتحرك في إطار رؤية أميركية خالصة كنوع من تفعيل سياسة السلام الأميركي «Pax Americana». والسؤال المطروح؛ ماذا عن موقف الأطراف اليمنية في النزاع إزاء هذه التحركات الأنغلو - أميركية حول الأزمة اليمنية؟ وماذا عن مواقف بقية الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي؟ وهل سينعقد مؤتمر استوكهولم في مطلع ديسمبر المقبل أم لا؟ للحديث بقية...