إلى إخواننا في الشمال...مع التحية:
بتجرد من كل أدران الجهوية ومن اسقام المناطقة المعوقة، ومن علل الطائفية المدمرة...أقولها لكم جميعا حوثيين وإصلاحيين، ومؤتمريين ومستقلين، وعوام الشعب : حافظوا على أرضكم لئلا تصبح مستباحة لجرائم القتل والفوضى وعصابات التقطع والتطرف أكثر مما هي عليه اليوم، ولكي لا تصير الى مهاوي الردى الذي يتمثل أمامكم بأوضح صوره في المحافظات التي يُــقال بأنها محررة، و لئلا تصير مرتعا للجماعات المتطرفة وسماسرة الأوطان والأراضي واللصوصية، وحتى لا تؤول مؤسسات الدولة - أو بالأصح ما تبقى منها- إلى المآل الذي انتهت إليه المؤسسات بالجنوب بفعل فاعل، وبالمناطق الخارجة عن سيطرة الحوثية بالشمال من ضياع وتدمير وهمجية وسطو على المال العام والخاص من أراضٍ وأملاك ،وازهاقا للأنفس بدون حق. صحيح أن المؤسسات في الشمال سواءً في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الحوثية أو سواها من المناطق الأخرى هي في أسوأ حالاتها، ولكنها تظل أفضل بكثير قياسا بمؤسسات المحافظات بالجنوب, فيكفي أنها ما تزال تنبض بشيء من الحياة والحيوية ولا تتنازعها عدة جهات من الداخل والخارج ولا تستأثر بقرارها قوى محلية وخارجية متعددة بذات المستوى بالجنوب ، وبوسعها أن تصمد الى فترة أطول حتى تنجلي الأمور وتزول الغُــمّــة. وصحيح كذلك أن جرائم بشعة ترتكب في محافظاتكم وأن تدخلات خارجية تفعل فعلتها لديكم، وصحيح أيضا أن سماسرة المال والمعونات الإغاثية تدمي قطاع واسع من الناس هناك لكنها أي الجرائم والفساد تظل أهون بكثير مما نراه بالمحافظات المسماة بالمحررة، فكيفي أن الأجهزة الأمنية والقضائية في الشمال ما تزال تمارس شيئا من هيبتها ودورها الأمني والقضائي والرقابي الرادع إذا ما قارنا ذلك بالمحافظات المزعوم أنها تعيش برغيد عيش التحرر وهي بالأصل تغوص في بحر التسيب والفوضى، وفي ظل أوضاع استثنائية كالتي نُــمرُّ بها. هذا فضلا ان في الشمال ثمة أجهزة رقابة حكومية مدنية بكل مجالاتها: المالية والإدارية والخدمية ما تزال تعمل ولو بالحد الأدنى، مما يعني أن الحفاظ عليها بحالتها هذه هو أفضل من إشاعة الفوضى الشاملة بكل الأرجاء، فالبديل هو المضي نحو الفوضى المريعة وسيادة لغة القتل والبلطجة والتطرف والفساد والنهب، والاحتراب وتعميق لغة الأحقاد ونبش الضغائن القديمة والجديدة أكثر مما هو حاصل ، فالمال الخليجي وحتى المال الذي بيد القوى المحلية يفعل فعل السحر، في زرع الفتن والتمزق. ما نودُّ أن نقوله لكم أن الحفاظ على الشمال وكبح تدحرجه صوب الفوضى والتشظي وتغييب ما تبقى من المؤسسات سيعني بالضرورة أنكم تتجهون بأقدامكم الى الجحيم, وهذا ما لا يتمناه لكم أحد، -كما نعتق أنكم لا تتمنوا لنا مثله بالجنوب-. فالنموذج المريع الذي ترونه في الجنوب لن يكون في صنعاء وسائر الشمال سوى نتف صغير من كومة مأساة كبيرة، ونقطة في بحر متلاطم من الفوضى والانهيار . فالجنوب الذي أعتقد بداية هذه الحرب أن التحالف سيكون له بمثابة الصاروخ الذي سيضعه في مدار الرفاهية والانعتاق والتحرر ويصير بواسطته في رغيد مال الخليج ويتقوى بنفوذه السياسي على المسرح الدولي وبأنه بمجرد أن يتخندق معه بذات الخندق ويسكب دماء أبنائه بالجبال والسهول والوهاد والشوارع والطرقات سيستظل تحت ظل الخليج الظليل وينال من هذا التحالف كل ما يسلّي ويحلّي ويعشي الحمار ، ها هو كما ترونه اليوم يندب تضحياته ويرفع عقيرته عاليا ويعض أصابع الندم بعد أن جازاه هذا التحالف جزاء سنمار، ورمي به في سحيق الفاقة وفي هاوية الجوع والإذلال يتلمس شربة ماء نقية أو حتى شبه نقية ولا يجدها, ويحلم بساعة ونصف كهرباء ليضطجع بها من هذه العواصف والقواصف لا يحصل عليها للأسف. وحتى معاشه الشهري المستحق إن وجد وظيفة أصلا، فهو لا يناله إلا بعد عدة أشهر، وبشق الأنفس. نقول أن كان الجنوب قد صار الى هذا الحال وبات هذا التحالف يتعاطى معه بهذا الشكل من اللؤم والجحود والعقاب المذل وهو الذي يفترض أنه شريكه، وهو مَــن أقال عثرته من الانزلاق في مستنقع الهزيمة العسكرية المهينة منذ الأشهر الأولى لهذه الحرب، فما بالكم بتعاطيه معكم بالشمال إن وقع في قبضته؟. وحين نتحدث عن الشمال فنحن نقصد كل الشمال بكل أطيافه السياسية والحزبية والفكرية بمن فيها القوى والأحزاب التي تقاتل الى جانب هذا التحالف، وبمن فيهم من يقدمون أنفسهم لهذا التحالف بأنها حماة الدين من الخطر المجوسي الحوثي، فالكل في الشمال سيكون داخل دائرة الاستهداف إن سقط بدائرة الفوضى ومكيدة التحرير.. هذا الشمال الذي يرى فيه التحالف كتلة من المجوس والروافض التي تجرأت أن تقول لأصحاب الجلالة والمعالي والسمو: ( لا) ،وتجاسرت باسم الحوثية أن ترسل صواريخها وطائرتها المسيّــرة صوب حقول نفطها ومطارتها الفارهة، وتطاولت باسم الحركة الإخوانية أن تتمرد على ولي نعمتها منذ عقود وتذهب الى صف الخصم الإقليمي القطري التركي ،يجب أن يتم تأديب هؤلاء جميعا وكسر شوكتهم وشوكة كل الشمال ومعاقبته بشتى صور العقاب والانتقام والهوان. إخواننا الأفاضل: طالما والبعض يصرُّ على الحديث عن تحرير الشمال من الشماليين، والجنوب من الجنوبيين, ففي تقديرنا أن أنبل وأنجع تحرر يمكن أن ينتشل الشمال ويحرره من ربقته ومن أصفاده هي تحرير الشمال من الأفكار التي تصفده منذ عقود، والانتصار لنفسه من نفسه.. تحرره من سطوة نخبه وأنانية رموزه السياسية والحزبية القبلية ومن ارتهانها المعيب للغير، وليس تحرير أرضه من ناسها وأهلها. فتناسي الخلافات والترفع فوق الأنانية والحسابات الحزبية الفكرية الضيقة هي منجاكم وملجئكم من الطوفان القادم . نقول لكم هذا حرصا عليكم،ولأننا في الجنوب يهمنا شمال مستقر متماسك ،لا تأتي عليه نيران الفوضى ولا تحرقه حمم التمزق، أو يبطش به جحيم العصبيات. شمال يمكن العيش معه حاضرا ومستقبلا بسلامٍ واستقرار ،بأي شكل من أشكال التعايش ..مستقبل وعيش خالٍ من منطق الهيمنة ومن فلسفة الإلحاق. نقول هذا من واقع تجارب وعبِــر مريرة. فللتاريخ الحديث و والمعاصر ذاكرةٌ لا تخون ولا تتزهمر، تجاربهُ خير شهود.