ايران والاوهام الإمبراطورية والتحديات العربية
ايران دولة متعددة القوميات والثقافات ويغلب على قيادتها العنصر الفارسي وقد كانت الى قبل بضعة قرون ذات أغلبية سنية الى ان أتى اسماعيل الصفوي للحكم وأرغم الناس لاعتنقاق المذهب الشيعي بالقوة. قامت فيها ثورة شعبية ضد شاه ايران مكونه من تحالف جبهوي ضم كافة شرائح وطبقات المجتمع الإيراني ولم يكن الملالي الا جزء من تشكيلة الثورة وعندما تخلى الأمريكان والغرب عن دعم الشاه وكان السقوط وشيك هناك من قدم الملالي لقيادة الثورة لإجهاضها وتسليمها لهم لكي يتصدروا المشهد ومن ثم تم إقصاء القوى السياسية الاخرى بطرق مختلفة وبدأوا بتنفيذ أجنداتهم في السيطرة على مفاصل السلطة في كل أنحاء البلاد والمؤسسات الحكومية الاخرى. ايران دوله جاره وتتشاطىء مع دول عربيه متعددة لم تكن الجغرافيا هي التي تجمعها مع العرب ولكن تتشارك معهم في الدين وهناك قواسم مشتركة ايضاً منها الثقافيةً والمصالح التجاريه وهذه تعتبر من اهم العناصر التي يفترض ان تشكل علاقة طبيعية بين العرب وإيران لكن من المؤسف لم تكن في اَي عهد من العهود السابقة او اللاحقة علاقتها بالدول العربيه وديه وكانت دوما محل صراع. كان الاعتقاد بان مجيىء الثورة الايرانيه ستقوم بتصحيح الأخطاء المرتكبة من قبل شاه ايران تجاه جيرانه العرب وذلك باعادة الجزر الاماراتية المحتلة وحل مشاكل شط العرب وكل ما يتعلق بقضايا المعلقة بين العراق وإيران واحترام حقوق الجيرة مع الدول العربيه وغيرها من القضايا التي كانت مثار جدل إقليمي مع نظام الشاه لكن كانت الصدمة ان نظام الثورة الإيرانية تمسك بنفس السياسية الشاهنشاهية وزاد عليها آن قرر في دستور الجمهورية الإسلامية مهمة تصدير الثورة الايرانيه الى محيطه العربي وهي بذلك مع سبق الإصرار تريد ان تعيد اوهام الإمبراطورية الفارسية في السيطرة على جوارها العربي ولكن هذه المرة بقميص ديني مذهبي وبدات بإنشاء المؤسسات الدينية والعسكرية ومنها فيلق القدس التي أنيط به مهمة ( تحرير القدس المحتلة) وتوالدت احزاب عديدة على شاكلتها في البلدان العربية التي يتواجد بها طائفة شيعية وكلها أذرع لايران تستخدمها لتنفيذ أجنداتها السياسية على حساب امن واستقرار البلدان العربية . ما يهمنا هنا ان نشير الى خطورة سياسة التدخل الإيراني في شئون البلدان العربية المجاورة التي ادت الى تدمير دولة العراق وانهيار دولة سوريا واختطاف دولة لبنان والانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن وإعلان انتصار الثورة الإسلامية فيها ولن تنتهي هنا وَلَكِن ستصل الى ابعد من ذلك وستشمل بلدان عربية اخرى تتواجد فيها طائفة شيعية وان لم توجد يتم اختلاقها وتشييع. ابنائها وأصبحت هذه سياسية علنية لإيران ولا تخفي ذلك وإنما تتباهى بانها استولت الى عدة عواصم عربية. بيت ايران الداخلي اوهن من بيت العنكبوت لو ان جيرانها العرب قاموا فرادى او جماعات برد فعل مساوي لما تقوم فيه ايران في التدخل في شئونهم الداخلية لتم اسقاط الدولة الإيرانية وتصبح اثر بعد عين وتتقسم الى عدة دول لكن العرب يراعوا ألجيره والأخوة في الاسلام التي لم تراعيه ايران وهي حتى اللحظة تصدر مشاكلها للخارج من اجل حشد الدعم لسياستها ولا تستطيع ان تستمر بالعيش دون افتعال معارك في خارج حدودها وهذه سياسة ثابتة ونهج تسير عليه منذ تاسيس الجمهورية الإيرانية وهنًا تقع المسؤلية على الشيعة العرب الذين يفترض فيهم رفض هذه السياسة الاستعلائية التي تنتهجها ايران وتوظيفهم كوقود لضرب اخوتهم العرب. العرب ليست لديهم مشكلة مع ايران الدولة والشعب ولكن مشكلة ايران ان دستورها يقضي بتصدير الثورة وهي لا تخفي طموحها في السيطرة على المناطق العربية المجاورة لها وهي تسير بخطط بعيدة المدى لاستخدام الطائفة الشيعية في البلدان العربيه لاختطاعبها لتنفيذ اجتداتها على الارض وان لم تجد تخلق وتشيع الناس لحسابها وهذ ما يحدث في بعض البلدان التي لا يوجد فيها شيعة. فيما يخص ايران ومشكلتها النووية هي قديمة جديدة ولا تخفي ايران طموحها في امتلاك السلاح النووي وتعلن ذلك للعالم ولَم يستطع ذاك العالم ان يفعل غير مراضاتها وتقديم حلول مساعدة لتبرير مسعاها ولو كان العالم جاد معها لعمل كما عمل مع المشروع النووي العراقي الذي كان مجرد مشروع في البدايات الاولى حيث تم ضرب المفاعل النووي العراقي من قبل اسرائيل في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وفِي نهاية القرن تم محاصرته وفرض عقوبات قاسية الى ان تم غزوه وتدميره وإعادته الى القرون الوسطى بانهيار دولة العراق وتفتيتها وبعثرتها ولن تتعافى الا بعد عقود قادمة لكن في الحالة الإيرانية تم منحها الفرصة لكي تقوم باريحية لمواصلة بحثها وتصنيعها للسلاح النووي مع فرض عقوبات لا تؤثر على برنامجها التسليحي بل مدها بالأموال لكي تستطيع ان تقوم بالتمدد الإقليمي لتستولي على اربع عواصم عربيه واصبحت تمتلك قوة جيوسياسية تستطيع. ان تفرض بها بشروطها على الإقليم والعالم. لا توجد سياسة موحده للعالم الغربي تجاه نووية ايران فامريكا في واد واوربا في واد اخر وكانت المصالح هي الحاكمة وليس الحفاظ على الأمن والسلم العالميين وادى ذلك الى إعطاء ايران منفذ لكي تستطيع ان تعزز قدراتها النووية وخاصة عند اعلان امريكا الخروج من الاتفاق الذي تم بين ايران ودول 5زايد واحد مما مكن ايران من التصرف باتجاه تطوير برنامجها النووي بحرية حيث تمكنت من عبور محطات تقنية كثيره واصبحت في وضع اقرب من انتاج الأسلحة النووية وإيران لن تتراجع عن ما وصلت اليه وسترواغ وتماطل كعادتها. اليوم نلاحظ الادارة الامريكية الجديدة ترسل إشارات سلبية ومهادنة لاسترضائها. اول الإشارات اعلان استعدادها للعودة الى الاتفاق السابق طبعًا مع اضافة ادراج برنامج ايران الصاروخي وايضاً موضوع تدخلها في الشؤن الداخلية للبلدان المجاورة لكن ليس من المحتمل ان تكون هذه الشروط الإضافية جزء من الاتفاق النووي. الإشارة الثانية إلغاء ادرج أنصار الله كمنظمة ارهابية حتى دون ان تضع هذا الالغاء على الطاولة كمقايضة لجلبهم الى طاولة المفاوضات او حتى على طاولة مفاوضاتها مع ايران اي انها تخلت عن اهم ورقة في يدها. الإشارة الثالثة بانها اتخذت قرار بإلغاء الدعم اللوجستي للتحالف ووقف بيع الأسلحة وكأن التحالف هو المعتدي على أنصار الله دون حتى إعطاء فرصة لتقييم الوضع وهذه رسالة اخرى لإيران ولأنصار الله وهذا ما ادى الى استقواء ايران وانصار الله وجرى تصعيد عسكري غير مسبوق في شن هجمات على المنشاءات المدنية في عمق الاراضي السعوديه وفي نفس الوقت تصعيد الاعمال القتالية في اتجاه مدينة مأرب. وبالمقابل صعدت ايران عبر إذرعها في لبنان اغتيال ناشط سياسي في وضح النهار وفي بغداد مواصلة الهجوم على السفارة الأمريكية وفي كردستان على مطار أربيل حيث تتمركز فيه قوات أمريكية وكل هذه العمليات تجد بصمة ايران واضحة فيها وجميعها تشكل ضغوط على الادارة الأمريكية الجديدة لكي ترضخ لمطالبها وإيران لن تتراجع وان تراجعت سيكون هناك ثمن ولكن يا ترى ما هو ذلك. الثمن انه الخوف من ان تكون هناك مقايضة على حساب بلداننا العربية بالسماح لها بالعبث فيها بتمكينها من تثبيت وجودها فيها وسيكون التباحث معها حول حجم ذلك الوجود وشروطه بينما العرب سيكونوا خارج اللعبة ولن تدفع امريكا وأوروبا مقابل ويمكن التغاضي عن تدخلاتها في الشئون الداخلية للبلدان العربية وكذا برامجها لتطوير الصواريخ البالستية وهذه المسائل تخص بدرجة رئيسية العرب ويبدوا بان العالم لا يعير تلك القضايا اي اهتمام يذكر. الإشارة الرابعة وصول المبعوث الدولي الى طهران بشكل مفاجيء للتباحث حول ايجاد حل لليمن ولكن طوال فترة عمله لم نجده يذهب الى مصر مثلاً والتي تعتبر دولة محورية لها مخاوفها من التواجد الإيراني على مداخل البحر الأحمر ولم يعر اي اهتمام لمخاوفها. ومن جانب اخر لا يكفي ان تصدر امريكا بيان بانها ملتزمة بالدفاع عن السعودية لان ذلك كلام عام ولم نرى منه شيىء في الواقع العملي لان السعودية تعرضت لأكبر هجمات بالصواريخ على منشات أرامكو ولم تستطع امريكا لا بالتعامل مع تلك الصواريخ قبل وقوعها بينما تتواجد قواعد أمريكية متعددة تحيط بموقع الهجوم ولا بعد ذلك ولم يعاقب المعتدي وهناك العديد من الهجمات في الجوار العربي طالت موانىء واصبحت ايران حرة طليقة اليد في العبث بامن الدول العربية المجاورة كما ان امن السعودية مرتبط بأمن اليمن ووجود ذراع لإيران في صنعاء او وجود ذراع لتركيا في اي مكان في اليمن غير مقبول للسعودية لان ذلك يهدد أمنها بلا جدال ومن حقها الدفاع عن نفسها . العرب يملكون مفاتيح العالم ......ممرات مائية مهمة ومواقع تتوسط العالم وثروات متنوعة هائلة وأكثر من نصف سكانه من الشباب لكن هذه الميزات لا نعيرها الاهتمام الكافي ولا نعطيها قدرها ووزنها في العلاقات الدولية والجواب ببساطة لاننا لا نجيد بناء التحالفات على أسس المصالح المتبادلة في الاقتصاد والأمن ولا نجيد استخدام مواقعنا الاستراتيجية خدمةً لأمننا القومي وعلينا كعرب لا ننتظر الحلول لمشاكلنا ان تأتينا من الخارج ولكن علينا ان نضع اسس علاقتنا بالآخرين وفقاً لشروطنا وفقاً لمصالحنا وبالحفاظ على مصالح الجميع المتبادلة. لن يكن مجدي الذود عن المصالح العربية امام التحديات الخطيرة الماثلة أمامنا الا بتوحيد رؤيتنا الاستراتيجية العربية تجاه امننا يحمي وجودنا ومصالحنا في هذا العالم المتغير ولن تستطيع دولة عربية منفردة بذلك ولكن بتضافر جهود الدول مجتمعة تستطيع ان تفرض رؤيتها لمجابهة التحديات القادمة.