الجنوب المظلوم
الجنوب هو الرقعة الجغرافية التي تمتد من باب المندب حتى حوف، تتصارع عليها الأمم لأهميتها الجغرافية والاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر عبر مدخله الجنوبي، باب المندب وخليج عدن وبحر العرب، والذي يعتبر من أهم الممرات الدولية للنقل في التجارة العالمية بين الشرق والغرب ناهيك عن ثرواته الهائلة، وهذا الأمر يفهمه أولي الأمر أصحاب المصلحة العالمية، ونأمل أن يفهمه أبنائه لكي يتوافقوا على شكل النظام السياسي القادم. منذ استقلاله .. لم يعترفوا فيه وشنوا عليه حروب متعددة من ضمنها الحصار المحكم، إلا انه استطاع أن يؤسس دولة محترمة لها شأن وتأثير في الإقليم والعالم، ولم يحسنوا التعامل معه حتى عندما قرر التماثل معهم والسير معاً نحو التكامل الاقتصادي وتنمية البلاد لتستفيد من موقعها الجغرافي وثرواتها الهائلة لصالح مجموع الشعبين في الجنوب والشمال، وكل ذلك لم يشفع له هذا التحول الكبير حتى تم تصفية كل ما يتعلق بدولة الجنوب وتشليحها قطعة قطعة. لم تستطع الآلة الإعلامية الضخمة التي كان يمتلكها نظام 7/7 والتي كانت موجهة لكي تفهم الجنوبيين بأنهم غير أهل للحكم من خلال التركيز على نشر الوقائع السلبية والأخطاء القاتلة التي مرت على البلاد خلال حكم ما بعد استقلال الجنوب، ومع الاسف تستمر هذه الآلة الإعلامية الضخمة حتى اليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود ومع آلة إعلامية أخرى لها مصلحة في الاستيلاء على الجنوب في ضخ الكم الكبير من الإعلام السلبي الموجه نحو شعب الجنوب لكي يؤثروا على الرأي العام فيه، مفاده بأن لا فائدة من مطالبتكم باستعادة دولتكم لأنكم ستتقاتلون من جديد، ورحمة بكم نحن سنحكمكم ونحن فقط سندير شؤونكم، لكنهم قد تناسوا أن شعب الجنوب قد جربهم منذ العام 94م حتى اليوم، وكانت التجربة مرة وقاسية ومع كل انتصار يحققه شعب الجنوب يبرزوا له قصة الصراع على السلطة في الجنوب، وكأنه لا يوجد أي اجندة في الجنوب الا هذه والتي تمثل الجانب السلبي في حكم الجنوب، وهذا الصراع مثله مثل أي صراع في كل بلدان العالم يتم عادة بين الطبقة الحاكمة ولا علاقة للشعب فيه ومن هم وراء، هذه الضجة الإعلامية تركز على هذا الجانب من العملية وهو جانب سلبي بالتأكيد، وكانت هناك أخطاء كبيرة لا أحد ينكرها ولكن كل همهم إثبات أن الجنوب غير صالح لأن يُحْكم من قِبَل أبناءه. لم يذكر أحد الجانب الإيجابي من عمل النظام في الجنوب وهو كثير وعظيم بل يتم تجاهله، فمثلا أول خطوة قام بها النظام هو القضاء على ظاهرة الثأر القبلي تماما، وأصبح القانون هو سيد الموقف والقضية الجنائية فردية لا تتحملها القبيلة أو الاسرة، وهذه الخطوة لم يستطيعوا تنفيذها في بلادهم بل تم نقلها إلى الجنوب. وثانيا .. لم يكن هناك نظام سياسي أو حتى إداري موحد للجنوب يوم الاستقلال، فتم إيجاده وتطويره إلى أعلى مستوى من الرقي الخالي من الفساد، وهذا أيضا يفتقدوه في بلادهم حتى اليوم. وثالثا .. ولَم يكن هناك تعليم موحد ولا توجد مدارس تغطي المدن والقرى والصحاري والسهول، وتم تمدد التعليم المجاني في كل الجنوب ومع تقديم خدمات النقل المجاني ودعم الطلاب ماديا، وكان التعليم للجميع دون استثناء أحد حتى ما بعد الجامعة مجانا، وكان يتم إرسال اعداد كبيرة إلى الخارج للدراسة على نفقة الدولة، وتم محو الأمية تماما بين أوساط الشعب وهذا أيضا مفقود لديهم حتى اليوم. ورابعاً .. ولم يكن أي أثر للصحة عند الاستقلال غير ما هو موجود في عدن وبعض المدن الأخرى وفِي حدها الأدنى، وتم إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في عموم البلاد، حتى كان لدى الجنوب أول مستشفى للأمومة والطفولة في شبه جزيرة العرب، وكان التطبيب مجانا ًولكل المواطنين، ومن يتعذر علاجه في الداخل يتم إرساله الى الخارج لمواصلة العلاج على نفقة الدولة، وكان يتم نقل أي مريض من أي مكان في البلاد على الطائرات العسكرية في أي وقت إلى عدن وبالذات النساء المتعسرات، وهناك من ولد في الجو وهذا ما يفتقدونه حتى اليوم. وخامساً .. شبكة الطرق فحدث ولا حرج، فقد كانت الطرق المسفلتة في إطار مدينة عدن، ومنذ الإستقلال تم مد شبكة واسعة من الطرق الى المحافظات الريفية ومع تشييد الجسور. وسادسا .. تم تشييد المصانع الكثيرة التي استوعبت عمالة كبيرة. وسابعا .. تم استصلاح اراضي زراعية في محافظات الجنوب مع بناء محطات للخدمات الزراعية وتطوير مراكز الأبحاث وتشييد حظائر الأبقار والكثير والكثير من الإنجازات التي لا يسعفنا المجال هنا لحصرها، ومن أهمها الامن والأمان الذي عم البلاد طوال فترة الحكم في الجنوب، ومن أهم ذلك ايضاً الأمن الغذائي حيث نجد أسعار السلع موحدة في كل محافظات الجمهورية، وكانت الدولة تتحمل كلفة النقل وتقوم بدعم أسعار السلع الاساسية بحيث تكون في متناول الجميع. هذه الإنجازات لا أحد يتحدث عنها، والتي هي محفورة في ذاكرة أبناء الجنوب حتى اليوم، وأما الصراعات التي كانت تجري فهي صراعات بين النخب السياسية الحاكمة، وهي تحدث في كل بلدان العالم، ولم يكن الجنوب استثناء من ذلك لكن استمرار اثارتها بمناسبة وبدون مناسبة اصبح معروف الأهداف للجميع، والجنوبيون يعرفون ذلك تماماً .. وما الحشود الهائلة في الحراك الذي انطلق في 2007 إلا رفضاً لسياسات المحتل الذي يحاول أن يستخدم تلك الصراعات كفزاعة للجنوبيين ولن تنطلي على احد. لو كان النظام البديل الذي حل محل نظام الجنوب عادلاً ومنصفا ويلبي طموحات الجنوبيين، وتم تطوير ما كان موجود من رعاية في التعليم والصحة والأمن والأمان وتوفير الدعم للسلع الغدائية وأسقط الثارات، وحافظ على الثروة وعدم تسخيرها لصالح نخبة معينة حاكمة تلتهم كل مقدرات البلاد لما ثاروا عليه وهو في عز مجدة ومدجج بالسلاح واجهزة الامن الكثيرة التي كانت ترصد النملة على الرغم من القمع والتنكيل الذي مورس على شعب الجنوب .. إلا أنها فشلت في إنهاء طموح الجنوبيين بالتمسك بهويتهم وهدفهم باستعادة الدولة الجنوبية، وعندما نقول استعادة الدولة الجنوبية لا نعني استعادة النظام الحاكم في تلك الدولة، ولكن نريد أن ننشىء نظام سياسي اتحادي يحترم كرامة الانسان ويحترم حقه في التعدد السياسي، نظام يتوافق عليه كل الجنوبيين يكون عامل أمن واستقرار للإقليم والعالم. وعلى الرغم من كل الحروب الموجهة التي تجري اليوم ضد الجنوب، ومن أهمها محاربته في قوت يومه وحرمانه من مرتباته لمدة تصل إلى أكثر من سنه، وتعطيل للخدمات في الكهرباء والمياه وعدم وضع ميزانيات تشغيلية لتسير النشاطات اليومية في المحافظات الجنوبية، وعدم الإعمار لما هدمته الحرب والكثير من القضايا التي تمس معيشته اليومية ومنها انهيار العملة، ومع كل ذلك لا زال شعب الجنوب صامد في موقفه ويناضل من اجل استعادة حريته ودولته وهويته السياسية . لا شيىء يلغي ذلك الظلم إلا الإنتصار لطموح الشعب الجنوبي، ومع ذلك ما يؤذي الجنوب ان يكون الظلم يأتي على أيدي بعض أبناءه والذين يقفون في الجانب المضاد منفذين لأجندات من يظلم شعب الجنوب، ومع علمهم المسبق بأن ذلك يتعارض مع طموحات أهلهم ومستقبل أحفادهم هو أقسى أنواع الظلم، وسيذكر التاريخ من يقف في الصف المعادي عندها نقول لهم راجعوا حساباتكم وكونوا مع أهلكم .. ومع مستقبل احفادكم ودعوا التاريخ يتذكركم بما تحبون لا ان يتذكركم بما تكرهون.