ما بعد عودة الحكومة!!
بغض النظر عما إذا كانت عودة الحكومة كليةً أم جزئيةً، أو ما إذا كانت دائمةً أم مؤقتةً فإن عودة رئيس الوزراء ومن معه من أعضاء الحكومة إلى جانب الوزراء الموجودين في الداخل الجنوبي من وزراء الانتقالي وغيرهم ستعني للمواطن البسيط أن مرحلة من الانفراج ستشهدها عدن ومحافظات الجنوب التي هي أصلا مناطق سيطرة الحكومة كما يفترض. السؤال الأساسي هو ماذا يحمل رئيس الوزراء من أجندات لتطبيع الأوضاع والوفاء بالوظائف الأساسية لكل حكومة والتي لم تكن بحاجة إلى أن ينص عليها اتفاق الرياض لولا عبث العابثين وابتزازات المبتزين. لست بصدد تقييم عمل الحكومة منذ تشكليها فعدد أيام وجودها في عدن لا يساوي ربع عدد أيام غيابها، ولست بصدد البحث في أسباب هذا الغياب لكن المهم هو أن عودة الحكومة وترحيب المجلس الانتقالي بهذه العودة يدحضان كل الافتراءات التي ظل إعلام الخاطفين يردده بأن هذه الحكومة حوصرت وطُردت ومُنعت من البقاء في عدن وأداء وظيفتها. إن الناس يتطلعون إلى حزمة الإجراءات التي سيتخذها رئيس الوزراء ووزراؤه لرفع المعاناة عن مواطني محافظات الجنوب وعلى رأسها العاصمة عدن، وما يتطلع إليه المواطنون ليس معجزات خارقة من قبيل بناء سكة حديد أو إنشاء محطة للطاقة النووية، ولا حتى مشاريع تنموية استراتيجية للقضاء على الفقر وتخفيف البطالة وتنمية الواردات، فذلك ليس مطروحا اليوم وإن كان التفكير فيه واجب وحق لكل الطامحين بحياة أقل معاناةً وفقراً وأوبئةً وبطالةً وأكثر استقراراً وسكينةً وازدهاراً، لكن المطلوب اليوم هو توفير مرتبات الموظفين والمتقاعدين وحل أزمات الكهرباء والوقود والمياه والبيئة والغلاء ومعالجة الانهيار المتواصل للعملة وتنمية الموارد، وبالأحرى السيطرة على موارد العملة الأجنبية بتحريرها من الناهبين والمهربين ولصوص الثروات والمال العام وإعادتها إلى خزينة الدولة وتفعيل أجهزة الدولة التنفيذية والخدمية والنيابية والقضائية ومحاربة الجريمة وخلق حالة من الطمانينة لدى المواطن بأنه ينظوي تحت لواء دولة تحميه من المخاطر وترعي مصالحه وتدافع عنها. إنها طائفة واسعة من المهمات التي لا يوجد من يشكو غيابها في أي مكان في العالم إلا في بلادنا، ونحن نعلم أن الوفاء بها دفعةً واحدةً قد لا يتوفر منذ البداية، على افتراض أن الحكومة ستشرع في المعالجات الجادة لكل هذه الأزمات، وإنها ستحتاج إلى بعض الوقت للوفاء بها فضلا عن الحاجة إلى مخصصات مالية كافية للوفاء بهذه الالتزامات والتي يتوقع كثيرون أن رئيس الوزراء قد درس أهميتها وعمل على تدبيرها بعناية قبل عودته. لكننا نشير هنا إلى أن المواطن الجنوبي الذي اكتوى بنيران الفاقة والشح والعجز والحرمان قد يصاب بالخيبة إذا ما اكتشف أن مستوى معالجة هذه الأزمات أقل مما ينبغي أن تكون عليه، ولا أقول أقل من تطلعاته، لأن تطلعات المواطنين لا تحدها حدود. لا يوجد من يضمن لمعين عبد الملك ووزرائه بما في ذلك وزراء الانتقالي، بأن المواطنين لن يخرجوا للاحتجاج ضد الحرمان والفساد والمطالبة بحقوقهم إذا ما اكتشفوا أنهم تعرضوا للخديعة أو التضليل كما جرى بعد توقيع اتفاق الرياض، وعلى رئيس الوزراء وزملائه أن يوسعو صدورهم ويفتحوا آذانهم للاستماع إلى مطالب المواطنين، وألا يفسروا الاحتجاجات على إنها عملٌ شيطاني يستهدف طرد الحكومة، كما يروج المغرضون وزارعو الفتن وصُنَّاع الكراهيات، فالرفض للسياسات الخاطئة والتصرفات العرجاء والفساد المنتشر هو حق لكل مواطن في أي بقعة كان من بقاع الأرض، وقد سمعنا أن رئيس الوزراء جاء من ساحات شباب الثورة، الذين خرجوا للمطالبة بتغيير النظام ونتصور أن هذا يجعله ووزرائة على استعداد لسماع أصوات الناقدين وعدم الانسياق وراء تفسيرات المشككين والمضللين الذين لا يرون في أنين الجوعى وصراخ المرضى وشكاوى المعذبين إلا مؤامرة تستهدفهم وحدهم ووطنهم الذي لا يرون فيه إلَّاغنيمةً ومصدراً من مصادر تنمية الثراء الفاحش والاتجار بعذابات الناس وآلامهم.