أبعاد زيارة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي إلى الضالع

الضالع/ فؤاد جباري

تحمل زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي القائد العام للقوات المسلحة الجنوبية والأمن، إلى محافظة الضالع، أبعادًا سياسية واقتصادية وعسكرية عميقة، تتجاوز الطابع البروتوكولي إلى دلالات استراتيجية مرتبطة بالمرحلة الحالية التي يمر بها الجنوب والمنطقة ككل؛ فهذه الزيارات لمحافظات الجنوب والتي كان آخرها الضالع، والتي جاءت بمعية وفد رفيع المستوى من الوزراء في حكومة المناصفة وهيئة رئاسة المجلس الانتقالي والقادة السياسيين والعسكريين، تعكس حجم التحديات التي تواجه الجنوب، وتضع الخطوط العريضة للسياسات القادمة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. أولًا: الأبعاد السياسية – رسائل داخلية وخارجية من الناحية السياسية، تمثل زيارة الرئيس الزُبيدي للضالع تأكيدًا على مكانة المحافظة كقاعدة أساسية للنضال الجنوبي، وكجزء لا يتجزأ من معركة استعادة الدولة. فقد شدد في تصريحاته على أن الضالع ليست مجرد محافظة ضمن الجغرافيا الجنوبية، بل هي رمز للصمود والنضال المتوارث عبر الأجيال، مما يعكس إدراك القيادة الجنوبية لأهمية تمتين العلاقة مع الحاضنة الشعبية وتعزيز الثقة بين القيادة والمجتمع. وعلى الصعيد الخارجي، جاءت تصريحات الرئيس القائد في هذه الزيارة حول النجاحات الدبلوماسية التي حققها المجلس الانتقالي في المحافل الدولية لتؤكد أن القضية الجنوبية باتت ضمن الأجندة الدولية. وأشار إلى أن المجتمع الدولي أصبح أكثر تفهمًا لمطالب الجنوب، ما يعني أن هناك تقدمًا ملحوظًا في المسار السياسي للمجلس الانتقالي، وهو ما يعزز من موقفه في أي مفاوضات قادمة حول مستقبل اليمن والمنطقة. إضافة إلى ذلك، أكد الرئيس الزُبيدي على ضرورة الشراكة في إطار الشرعية اليمنية، معتبرًا أن البقاء داخل منظومة الشرعية هو الخيار الأمثل في هذه المرحلة بالذات، خاصة في ظل التجاذبات الإقليمية والدولية التي تشهدها الساحة اليمنية. هذه الرسالة تحمل دلالة واضحة على أن المجلس الانتقالي يتبنى استراتيجية سياسية متوازنة، تضع في الاعتبار المصالح الوطنية الجنوبية ضمن السياق الإقليمي والدولي. ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية – تحديات المرحلة وسبل المواجهة لم يكن الجانب الاقتصادي غائبًا عن خطاب الرئيس الزُبيدي، فقد أقر بأن المعركة الاقتصادية لا تزال تمثل التحدي الأكبر أمام الجنوب، رغم الانتصارات العسكرية والأمنية التي تحققت. وأكد أن الجهود مستمرة لمواجهة التحديات الاقتصادية، رغم شح الموارد والإيرادات في بعض المحافظات، وعلى رأسها الضالع، التي تعاني من نقص كبير في المشاريع الخدمية والتنموية. وجود عدد من الوزراء في هذه الزيارة، من بينهم وزراء النقل، والكهرباء، والثروة السمكية والزراعة، والشؤون الاجتماعية والعمل، يعكس توجهًا جادًا نحو تعزيز التنمية المحلية، حيث تم استعراض المشاريع التي تم إنجازها وتلك التي ما زالت قيد التنفيذ. هذه الخطوة تشير إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يدرك تمامًا أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي هو عنصر أساسي في أي مشروع سياسي مستقبلي، وأن الخدمات والتنمية يجب أن تكون في صلب أولويات المرحلة القادمة. إضافة إلى ذلك، أكد الرئيس الزُبيدي على عمق الشراكة الاستراتيجية مع دول التحالف العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيدًا بالدعم الذي قدمته هذه الدول على مختلف الأصعدة. هذه الإشادة تأتي في وقت حساس، حيث يواجه التحالف تحديات إقليمية ودولية، ما يعني أن المجلس الانتقالي يسعى للحفاظ على هذه العلاقة الاستراتيجية، لضمان استمرار الدعم السياسي والاقتصادي. ثالثًا: الأبعاد العسكرية – معركة فاصلة قادمة على المستوى العسكري، تحمل زيارة الرئيس الزُبيدي للضالع دلالات مهمة، خاصة مع تصاعد التوترات مع المليشيات الحوثية. فقد أكد أن المعركة القادمة مع الحوثيين ستكون مصيرية، مشيرًا إلى أن الجماعة باتت في مأزق عسكري وسياسي بعد إدراجها في قائمة الإرهاب الأمريكية، مما يعني أن المواجهة أصبحت حتمية. كما شدد على ضرورة تعزيز التنسيق بين القوات الجنوبية والجبهات القتالية المجاورة في البيضاء وتعز وإب وسط اليمن، وهو ما يعكس رؤية عسكرية واضحة تهدف إلى كسر عزلة الحوثيين وفتح جبهات متعددة ضدهم. هذه الاستراتيجية تتماشى مع التطورات العسكرية الأخيرة، حيث تحاول المليشيات الحوثية تحقيق اختراقات ميدانية في أكثر من جبهة، ما يستدعي تكامل الجهود العسكرية لاحتواء أي تحركات معادية وتبدد الحوثيين. إلى جانب ذلك، جاءت إشادته بالقيادة العسكرية في الضالع لتؤكد على أهمية دعم هذه القيادات، التي حققت نجاحات ميدانية كبيرة، وجعلت الضالع واحدة من أقوى الجبهات الصامدة في وجه الحوثيين. هذا التقدير ليس مجرد تكريم معنوي، بل هو رسالة عملية تؤكد أن القيادة الجنوبية تعتمد على الميدان والإنجازات العسكرية في بناء استراتيجياتها المستقبلية. ختامًا: رؤية متكاملة للمستقبل عبر تحليل هذه الزيارة، يتضح أن الرئيس القائد الزُبيدي أراد إيصال رسائل واضحة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، مفادها أن الجنوب ماضٍ في مشروعه السياسي، لكنه يدرك حجم التحديات التي تفرضها المرحلة الحالية. فبين التأكيد على النضال السياسي والدبلوماسي، والاعتراف بالتحديات الاقتصادية، والتجهيز للمعركة العسكرية القادمة وفقًا للمعطيات الإقليمية والدولية، تعد هذه الزيارة خطوة مهمة في إطار تعزيز وحدة الصف الجنوبي، وتهيئة الأرضية لمواجهة الاستحقاقات المقبلة ما بعد الحوثيين. في ظل هذه المعطيات، تظل التحديات كبيرة، لكن زيارة الرئيس القائد للضالع عكست إرادة سياسية صلبة، واستراتيجية متوازنة، تعكس وعي القيادة الجنوبية بمتطلبات المرحلة، وتضع الأسس اللازمة لتحقيق الاستقرار والتقدم نحو استعادة الدولة الجنوبية المنشودة.