السيول تجرف تراث اليمن المعماري “صور”

عدن الحدث

لم يعد اليمن سعيدا بعد أن اجتاحته الحرب والأمراض والفقر وزادت الأمطار الغزيرة والسيول من معاناته، وها هو أيضا في طريق فقدان هويته المعمارية بعد أن انهارت أبنيته القديمة، تلك التي تمتاز بخصوصية معمارية فريدة ما يتطلب تدخلا حكوميا وأمميا لإعادة ترميمها. في صنعاء التي “تسقط وتذوب” على حد قول مسؤولة يمنية، تهدد سيول من المياه الموحلة الحي الأثري المأهول منذ أكثر من 2500 سنة والمدرج على لائحة المواقع الأثرية العالمية منذ عام 1986، وكذلك سكانَه الذين يعانون من حرب مدمرة مستمرة منذ سنوات. وصنعاء القديمة التي تشتهر ببيوتها المتعدّدة الطبقات ومنازل الآجر القديمة، ليست الموقع الوحيد الذي تهدده الأمطار، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافة (يونسكو) من أن “الظروف المناخية تهدد بقاء التراث الثقافي الفريد لليمن”. ويحاول علي الورد الذي يقيم في أحد بيوت صنعاء القديمة إزالة المياه، يقول الرجل اليمني المسن “منذ الفجر نحاول صيانة الأسقف بالطين وإزالة المياه منها، لكن كل الذي قمنا به بلا جدوى”. ويتابع بأسى “ننام ونحن خائفون، والله نحن بين الحياة والموت”. وتسبّبت السيول التي ضربت اليمن في الأسابيع الأخيرة بوفاة 172 شخصا -بينهم أطفال ونساء- على الأقل وإصابة المئات في مختلف أنحاء البلاد، بحسب مصادر رسمية ومسؤولين محليين. وأدت الأمطار الغزيرة منذ منتصف يوليو الماضي أيضا إلى تدمير العديد من المباني والمنشآت وألحقت أضرارا بمواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، وخاصة في صنعاء القديمة وشبام وزبيد. في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أعلنت “وزارة الصحة” في الحكومة غير المعترف بها دوليا، أن “106 منازل ومنشآت خاصة وعامة تضررت كليا، و156 (أخرى) تضررت جزئيا” حتى السابع من أغسطس. ودُمّرت بعض المباني في صنعاء القديمة كليا أو جزئيا؛ يقول محمد الخميسي الذي يقطن في المدينة القديمة، شاكيا، إن “بيوتنا شعبية من الطين. نرجو من المنظمات المجتمعية أن تجد لنا حلا”. يمن كان جميلا أما المسؤولة في الهيئة اليمنية للمحافظة على المدن التاريخية دعاء الواسعي فترى أن “حجم الضرر الذي تعرضت له صنعاء هو نتاج الإهمال وعدم الصيانة منذ زمن”. وتضيف أن “صنعاء تسقط وتذوب بكل معنى الكلمة”، مشيرة إلى أن “أسقف منازل صنعاء القديمة تضررت سابقا بسبب الضربات التي تعرضت لها المدينة” والقصف “تسبب في اختلال أساسات المنازل”، متابعة “الآن جاءت الأمطار وقضت على ما تبقى”

. وبحسب الواسعي، فإنّه على الرغم من أن “الميزانية محدودة ونحن في حرب ولدينا مشاكل كثيرة تواجهنا ولكن هذه هويتنا. ومثلما ندافع عن بلادنا، لا بد أن ندافع عن هويتنا التاريخية”. ودعت إلى المزيد من “التنسيق” وإلى “دعم المبادرات الشبابية والمجتمع المدني” من أجل الحفاظ على التراث. وتعتبر الأمم المتحدة أن الوضع في اليمن يشكل أسوأ أزمة إنسانية إذ يحتاج أكثر من ثمانين في المئة من السكان إلى شكل من أشكال المساعدة والحماية. وعلى بعد نحو 500 كيلومتر من صنعاء في محافظة حضرموت لم تسلم مدينة شبام -التي يصفها خبراء الآثار بـ”مانهاتن الصحراء”، نسبة إلى مبانيها البرجية الشاهقة المنبثقة من الصخور- من الأحوال الجوية السيئة. ويصل عدد مبانيها إلى 470 منزلا، بُنيت جميعها من مادة الطين، بارتفاع يتراوح بين خمسة وثمانية طوابق، ما جعلها توصف بأول ناطحات سحاب طينية في العالم. وبحسب المعلومات الرسمية، فإن ما يقارب الـ40 منزلاً تضررت أسطحها وأبنيتها وتسربت مياه الأمطار إلى داخلها، وسط مناشدات بالتدخل العاجل من السلطة المحلية والهيئة العامة للمدن التاريخية لترميم المدينة حتى لا تتفاقم المعاناة وتنهار أقدم مدينة تاريخية في البلاد. ويحاول العمال رأب التصدعات على عجل؛ يقول مدير عام مديرية شبام عبدالوهاب عبدالله بن علي جابر “بسبب هذه الأمطار والسيول، تعرضت المدينة لشبه كارثة حقيقية لم تشهدها المدينة في أوقات سابقة”. ويضيف أن شبام “كان لها النصيب الأكبر في عمليات المتابعة والحصر لأنها مدينة تاريخية ومدينة ذات معلم إنساني وتاريخي”. وصل عدد مباني مانهاتن الصحراء إلى 470 منزلا بُنيت جميعها من مادة الطين بارتفاع يترواح ما بين خمسة وثمانية طوابق وفي محافظة الحديدة غرب اليمن، أدت الأمطار الغزيرة إلى تضرر مبان ومساجد قديمة في مدينة زبيد الأثرية ذات الأبنية الطينية والتي تحتضن خامس أقدم مسجد في العالم، وصنف على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. وتشكل زبيد أهمية أثرية وتاريخية كونها عاصمة اليمن في القرن الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر، واكتسبت أهمية طيلة قرون بفضل جامعتها الإسلامية. من جهتها، أعربت اليونسكو في بيان عن “أسفها الشديد للخسائر في الأرواح والممتلكات في عدد من المراكز التاريخية في اليمن، بما في ذلك مواقع التراث العالمي في زبيد وشبام وصنعاء، وخاصة في الأيام الأخيرة في أعقاب الظروف الجوية القاسية التي اكتسحت البلاد”. وقالت المنظمة، إن الأضرار الناجمة عن الأمطار تعرض “حياة سكان هذه المراكز التاريخية للخطر، تاركة البعض دون مأوى ملائم، مع تفاقم الوضع المتردي بالفعل بالنسبة إلى العديد من (السكان) الآخرين”. ونبهت اليونسكو إلى أن الظروف المناخية تهدد “بقاء التراث الثقافي الفريد لليمن، الذي يعدّ شهادة على الإبداع البشري” والقدرة على التكيف مع التضاريس الطبيعية والظروف البيئية المتنوعة في البلاد. وبعد مناشدات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا حشدت اليونسكو الدعم من صندوق التراث للطوارئ لحماية مدن التراث العالمي الثلاث في اليمن -صنعاء القديمة، وشبام حضرموت، وزبيد- من الانهيار جراء السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة. جاء ذلك في بيان وزعه مكتب المنظمة، وذكر أن اليونسكو “تعمل على حشد الدعم من صندوق التراث للطوارئ للاستجابة بسرعة وفاعلية للأزمات الناتجة عن النزاعات المسلحة والكوارث، وأنها -بالتعاون مع شركائها- تدخلت في حارة القاسمي في مدينة صنعاء القديمة ومدينة زبيد التاريخية لحماية ما يقارب 30 منزلا من الانهيار”.