معركة المدينة الصحراوية.. مفتاح لإيران وضغط للولايات المتحدة

كتب: جون غامبريل وإيزابيل ديبري ترجمة: عبدالله قائد- خاصة بـ “الشارع”:
أصبحت المعركة من أجل مدينة صحراوية قديمة في اليمن الذي مزقته الحرب عاملاً رئيسياً لفهم التوترات الأوسع نطاقاً التي تؤجج منطقة الشرق الأوسط الآن، والتحديات التي تواجه أي جهود تبذلها إدارة الرئيس جو بايدن لنقل القوات الأميركية إلى خارج المنطقة.
وتدور المعارك في الجبال خارج مأرب، في الوقت الذي يحاول فيه المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران، والذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، الاستيلاء على المدينة، التي تعتبر مهمة وحاسمة لإمدادات الطاقة في البلاد.
شنت السعودية، التي تقود تحالفاً عسكرياً منذ عام 2015 لدعم حكومة صنعاء في المنفى، غارة جوية تلو أخرى للحد من تقدم الحوثيين نحو مأرب. وقد رد الحوثيون بهجمات بطائرات بدون طيار وهجمات صاروخية إلى عمق المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى اضطراب أسواق النفط العالمية.
ومن المرجح أن تحدد معركة مأرب الخطوط العريضة لأي تسوية سياسية للحرب الأهلية الثانية في اليمن منذ تسعينات القرن الماضي. وإذا استولى الحوثيون عليها، يمكن للمتمردين الضغط على هذا المكسب في المفاوضات، بل والاستمرار في التوسع نحو الجنوب. وإذا ظلت مأرب في قبضة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فإن الحكومة ستنقذ ربما معقلها الوحيد حيث يتحدّى الانفصاليون سلطتها في أماكن أخرى من البلاد.
كما أن المعركة تشكل ضغطاً على أقوى حلفاء أمريكا العرب في الخليج، وتهدد أي عودة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني. بل أنها تعقد جهود إدارة بايدن للتغيير البطيء لعمليات الانتشار العسكري الأميركي الجماعي في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة لمواجهة ما تعتبره التهديد الناشئ للصين وروسيا.
وقال عبد الغني الإرياني، الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن خسارة مأرب ستكون “الرصاصة الأخيرة في رأس الحكومة المعترف بها دولياً”. وأضاف: “إنها ستمهد الطريق لتقطيع أوصال الدولة اليمنية. أنتم تشاهدون حالياً عدم الاستقرار والأزمة الإنسانية. كما أنكم ستشاهدون مسرحاً مجانياً للجميع للتدخل الإقليمي”.
الواحة القديمة تصبح جبهة حرب
تقع مأرب على بعد 120 كيلومتراً شرق صنعاء، على حافة صحراء الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية عند سفح جبال صرواح. ويعتقد أنه منزل ملكة سبأ التوراتي المقدس، التي أعطت الملك سليمان ثروات التوابل والذهب. في القرآن الكريم، كانت موقعاً للفيضانات الكبيرة التي رافقت انهيار سدها القديم.
الكارثة التي تجتاح المدينة اليوم هي من صنع الإنسان بالكامل. فر أكثر من 800,000 لاجئ منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر  2014 والحرب التي أعقبتها، مما زاد من عدد سكان المدينة، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
إن الاستيلاء على مأرب، أو الاقتطاع منها بطريقة أخرى، سيمثل جائزة كبرى للحوثيين. فهي موطن لحقول النفط والغاز التي تحتفظ الشركات الدولية، بما فيها شركة إكسون موبيل وتوتل سا، بمصالح فيها. ينتج مصنع تعبئة الغاز الطبيعي في مأرب غاز الطهي للبلاد التي تضم 29 مليون نسمة. وكانت محطة توليد الكهرباء في اليمن توفر 40٪ من الكهرباء لليمن. يعتبر سد مأرب الحديث مصدراً رئيسياً للمياه العذبة بالنسبة لدولة تعاني من الجفاف، على الرغم من أنه لم يتم تطويره بالكامل حتى في وقت السلم.
عندما دخلت المملكة العربية السعودية الحرب في اليمن في عام 2015 إلى جانب حكومتها في المنفى، تحالفت المملكة مع قبائل مأرب، التي لطالما اعتبرت صنعاء والحوثيين على أنهم مستبدين لها. وكانت السلطة السياسية الرئيسية الأخرى هي حزب الإصلاح، وهو حزب سياسي إسلامي سني وفرع اليمن لجماعة الإخوان المسلمين. وقد وفرت هذه القوى المتباينة شريان حياة للحكومة اليمنية المحاصرة في المنفى، والتي تواجه منذ وقت سابق من ضغوط من الانفصاليين المتحالفين معها في الجنوب.
قال أحمد ناجي، الخبير اليمني غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن المملكة العربية السعودية توصلت لفترة من الوقت، بدءاً من خريف 2019، إلى اتفاق مع الحوثيين. ونقلاً عن مسؤولين حوثيون على دراية بالمناقشات، قال ناجي إن اتفاق القناة الخلفية تضمن امتناع كل من السعوديين والمتمردين عن مهاجمة المناطق المأهولة بالسكان.
ولكن عندما بدأ الحوثيون في الاندفاع مرة أخرى إلى مأرب، استأنف السعوديون حملة قصف مكثفة.
وقال ناجي إنه بالنسبة للحوثيين “يعتقدون أنهم يكسبون من خلال الحرب أكثر من محادثات السلام”. بالنسبة للسعوديين، “إذا خسروا مأرب، فلن يكون لديهم أي أوراق على طاولة المفاوضات”.
اليمن عالق في الملزمة الإقليمية
يتزامن تصاعد الصراع حول مأرب مع تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه الحرب. وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد أعلنت أن الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية”، والتي أتت في أعقاب حملة من المملكة العربية السعودية تدعم هذه الخطوة.
ألغى بايدن تصنيف الحوثيين كإرهابيين بعد توليه منصبه. كما أعلن أن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات القتالية الهجومية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية في اليمن، قائلاً: “يجب أن تنتهي هذه الحرب”.
لكن القتال حول مأرب تصاعد حتى مع عرض السعوديين مؤخراً اتفاقاً لوقف إطلاق النار. وقالت أنيسيه باسيري التبريزي، الباحثة الإيرانية في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، إن الإحباط الذي منيت به إيران من فشل إدارة بايدن في رفع العقوبات بسرعة ساهم في “تكثيف الهجمات من قبل الجماعات في العراق، وبالمثل في اليمن”.
وقالت تبريزي، إن “إيران تحاول إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة”. “رسالة مفادها أن الوضع الراهن ليس مستداماً”.
وفي حين يناقش الخبراء مدى سيطرة إيران على الحوثيين، يشن المتمردون بشكل متزايد هجمات بطائرات بدون طيار محملة بالقنابل كانت قد نُسبت سابقاً لطهران إلى عمق المملكة. وشملت تلك الهجمات تحطم طائرة بدون طيار على طائرة تجارية متوقفة، وهجمات أخرى استهدفت منشآت نفطية رئيسية، مما هز أسعار الطاقة مؤقتاً.
وقالت الحكومة السعودية، في بيان لها، لوكالة “أسوشيتد برس”: “يبدو أن حذف الإدارة الأمريكية للحوثيين من قائمة (المنظمات الإرهابية الأجنبية)، للأسف، قد أسيء تفسيره من قبل الحوثيين”. “وقد قادتهم هذه القراءة الخاطئة لهذا الإجراء إلى زيادة أعمالهم العدائية، بدعم من النظام الإيراني”.
وقالت المملكة إنه منذ بدء الحرب، أطلق الحوثيون أكثر من 550 طائرة بدون طيار محملة بالقنابل، وأكثر من 350 صاروخاً باليستياً باتجاه السعودية. وفي حين تسبب ذلك بأضرار وإصابات ووفاة شخص واحد على الأقل، فقد أفادت التقارير أن الحرب في اليمن قد شهدت مقتل أكثر من 130,000 شخص. تعرضت المملكة العربية السعودية لانتقادات دولية متكررة بسبب الغارات الجوية التي قتلت المدنيين، والحصار الذي يفاقم الجوع في دولة على شفا المجاعة.
وعلى الرغم من أن بايدن قد سحب الدعم، إلا أن الطائرات والذخائر الأمريكية الصنع التي تباع إلى المملكة العربية السعودية لا تزال تستهدف اليمن. ربط المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، تسليح المملكة بسماح أمريكا بوقوع “الحرب”.
سأل خامنئي في خطاب ألقاه في 21 مارس: “أنا أطرح هذا السؤال على الأميركيين: هل تعرفون ماذا سيحدث للسعوديين في اليوم الذي أعطيتموهم فيه الضوء الأخضر لدخول الحرب اليمنية؟”. “هل تعلمون أنكم ترسلون المملكة العربية السعودية إلى مستنقع؟”.
الولايات المتحدة تقيم نشر قواتها في الشرق الأوسط
وتأتي جهود بايدن لإنهاء التدخل الأمريكي في الحرب اليمنية في الوقت الذي تحاول فيه إدارته العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية. وقد بدأت المحادثات غير المباشرة يوم الثلاثاء في فيينا.
وقال الإرياني، الباحث في مركز صنعاء، إن “الإيرانيين حريصون على المتاجرة بكرتهم اليمني من أجل شيء أكثر استدامة”.
وقد تناسب مثل هذه الصفقة المصالح الأميركية. وتبحث وزارة الدفاع في عهد بايدن إعادة نشر القوات، لا سيما تلك الموجودة في الشرق الأوسط، وسط ما يشير إليه الخبراء بـ “صراع القوى العظمى” الذي تواجهه أميركا مع الصين وروسيا.
إن سحب القوات من الشرق الأوسط يمكن أن يعزز القوات التي قد تحتاج إليها أميركا في أماكن أخرى. ومع ذلك، فإن القيام بذلك من المرجح أن يكون أسهل قولاً عما هو فعلاً.
وفي اليمن وحده، شن كل رئيس أميركي منذ جورج دبليو بوش هجمات بطائرات بدون طيار استهدفت تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية، التي طالما اعتبرتها واشنطن أخطر فرع للجماعة المسلحة. ولم يبدأ بايدن بنفسه بالأمر بأي ضربة من هذا القبيل، على الرغم من أن الجماعة لا تزال تعمل في شرق البلاد.
ولا تزال القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا. وفي الوقت نفسه، تعتمد دول الخليج العربي مثل المملكة العربية السعودية على القوات الأمريكية المتمركزة في بلدانها كثقل موازن لإيران.
وأرسل الجيش الأمريكي قوات إلى السعودية في عام 2019، ونشر بطاريات مضادة للصواريخ وسط توترات مع إيران. ومع ذلك، قامت القوات الأمريكية مؤخراً بتقليص هذا التواجد.
وقالت الحكومة السعودية، إن “المملكة تعتقد أن الوجود الأمريكي في المنطقة يمكن أن يساعد في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها من خلال دعم الحلفاء الذين يواجهون تهديدات عابرة للحدود الوطنية يرعاها النظام الإيراني في المقام الأول”.
وقال آرون شتاين، مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، إن القوات الأميركية ستبقى بشكل عام في الشرق الأوسط؛ لأنها لا تزال مهمة بالنسبة لأسواق الطاقة العالمية، وتشمل نقاطاً رئيسية في البحر للتجارة في جميع أنحاء العالم. وأضاف أن شكل هذه القوى سيتغير مع أن الولايات المتحدة تدرس كيفية موازنة إيران من خلال العودة إلى الاتفاق النووي.
وقال شتاين: “إن ذلك لا يحل المسألة الإيرانية”. “إنه يضعنا في مكان لإدارتها، وكأننا في دار رعاية”.
————————-
نشر هذا التقرير في وكالة أسوشيتد برس بتاريخ 7 أبريل 2021