طريق جحاف .. (سالمين وعنتر) مرا من هنا

كتب هاجع الجحافي

إستكمالا للموضوع الذي نشرته يوم أمس الأول ، والذي ضمنته تفاعل الناس في مديرية جحاف مع إستكمال تحقيق حلم الأجيال في إيصال الطريق الإسفلتية الى عاصمة المديرية ، وتقدير الأهالي لتلك الروح الطيبة التي تحلى بها أهلنا وإخواننا في قرية (قرنة) ، وهو ما دفعني الى تسطير تلك المشاعر والانطباعات بحروف صادقة ومحبة للجميع . الا انني شعرت بأن لوحة الحروف التي نسعى الى رسمها بأقلامنا ، لم ولن تكتمل بمقال او إستطلاع أو قصة خبرية ، حتى تليق بوضعها في بروازها الجميل ، الذي يوثق أصدق قصة عشق للأجيال المتلاحقه تجاه هضبة جبل جحاف ، وحلمهم بنحت الخط الأسود على أديمه وجلاميد صخوره الصلدة ، كي يوصله بماحوله ويقرب ماحوله الى منحنياته وشعابه وقممه وأوديته ومدرجاته وقبل ذلك الى سكانه الطيبين وشبابه المتميزين المبدعين الذين يمثلون اليوم أحد أهم مسننات عجلة التنمية في مختلف الجامعات والمدن والأحياء ، وغير ذلك من القيادات والشخصيات البارزة التي انصهرت في حلم أكبر بحجم وطن ، ولكنها تبقى تتشارك هذا الحلم الذي يجمعها بمسقط الرأس. إنها رحلة كفاح وصبر وجلد ، وحكاية ملحمية يصعب الألمام بتلابيبها ، بما فيها من ألم وأمل ، وأمنيات وتضحيات ، ومكابدة وإصرار ، وصبر ومثابرة ، وتنافس وإبداع . ولهذا فهناك ثمة أشخاص يستحقون أن نتذكرهم ونحن نعيش هذا الحلم اليوم الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق .. فربما جيل الشباب اليوم ، يجهلون أن طريق هضبة جبل جحاف ، شقت لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي ، أيام إمارة الضالع المستقلة وبدعم مباشر من البريطانيين الذين كانوا يحتلون أرضنا ويعمرونها ، والذين هم اكثر من ادرك اهمية جحاف كطبيعة وتاريخ وبشر .. ولكنها كانت طريقا وعرة ، وكانت تمر عبر عقبة (تيلابه) التي كانت شديدة الارتكاز والقساوة ، وحينها كانت السيارات بعدد الاصابع ولاتزيد عن خمس سيارات تقريبا حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي ، ومن تيلابه الى رأس قرنه ، كان الركاب يحملون بضائعهم فوق السيارات ، يترجلون ويضعون خلف دواليبها الأحجار حتى لاتعود الى الخلف او تنقلب نظراً لشدة الارتكاز والوعورة ، ومن نفس هذه الطريق والعقبات الكأدا حرص العديد من قادة الدولة على زيارة الهضبة والالتقاء بالناس مثلما فعل الرئيس الشهيد القائد سالم ربيع علي عام ١٩٧١م والذي كان يبادلهم الحب والاعتزاز والوفاء ، ومازالت تلك اللقطات التي انتجها التلفزيون الفيتنامي حينها متاحة على اليوتيوب لمن اراد الاطلاع عليها. وربما ايضا ان جيل الشباب ممن هم في العقد الرابع من العمر ، يجهلون تماما ان الشهيد المناضل علي احمد ناصر عنتر ، قد حرص بداية ثمانينيات القرن الماضي ، على الغاء عقبة (تيلابة) وشق طريق جديدة عبر (بلس) وايضا شق وتوسعة الطريق حتى رأس شجح قرنة ، عبر ماكان يسمى مشروع الاشغال العامة ، وهنا أجد نفسي أستحضر تلك الملاحم الصادقة التي قدمها العمال طوال ثمانية أشهر تقريباً لتحسين وتوسيع وتسهيل وعورة الطريق ، والتي توجت بتضحية عظيمة قدمها أحد رجال جحاف الأوفياء ، والذي كان أحد عمال المشروع ، وهو الشهيد مقبل الزعلي قرية (الحقل) ، والذي قضى نحبه أثناء عملية تفجير الصخور في (شجح قرنة) بمادة الديناميت ، وهي قصة تضحية تستحق أن تكتب حولها رواية ملحمية مؤثرة. لن أنسى ذلك اليوم أبداً ، حينها كنا اطفالا ، وقد قدمنا من كل القرى الى مكان الحادث ، وكان الحزن سيد الموقف ، والجو اكثر برودة والضباب شديدا ويحجب الرؤية ، حتى الصخور كنا نشعر أنها أصبحت حزينة للغاية .. كان الوقت على ما أتذكر مثل هذه الايام من شهر كانون الثاني ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والجنة ، ولا أعتقد أن أحداً في جحاف سيتناسى تلك التضحية الجسيمة . ان أرواح (سالمين) و(عنتر) و(الزعلي) ترفرف فوق سماء طريق هضبة جحاف ، وتستحق هذه الارواح الطيبة ان نهديها انجاز حلمنا بالتعاون والايثار والمحبة . ثمة كلام كثير يطول شرحة ولكنني أحببت التذكير بأهم المحطات التي عاشها سكان الهضبة وهم يحلمون بتيسير الحركة على الطريق وسفلتتها ، بعيدا عن تخريب السيول ، وتجنباً للكثير من الحوادث التي يصعب الالمام بحصرها ، وتيسير اسعاف المرضى والحوامل اللواتي يعانين مخاضات الولادة المتعسرة ، وغير ذلك من الفوائد والخدمات التي سيجنيها الناس ، ولهذا فإن أي تضحية من اجل الطريق ، فإنها محل تقدير وإحترام الناس ، وهي أيضا صدقة جارية تحسب لصاحبها . أما الذين يعملون من أجل الصالح العام ويسخرون وقتهم وجهدهم وراحتهم من اجل السهر على إنجاز هذا الحلم ، فإن أجرهم عند الله تعالى كبير جداً ، فهناك باب في الجنة يدخل منه من تقضى على يديهم حوائج الناس ، وليس هناك أعظم من حاجة الناس جميعاً الماسة للطريق . ومن هذا المنطلق حرصت على ترجمة تقدير وشكر الناس لأخواننا في قرنة واعضاء اللجنة المجتمعية وغيرهم ، لأن من لايشكر الناس لايشكر الله ، الا ان الذاكرة والاستعجال احيانا تجعلنا نغفل عن ذكر جهات واناس لهم بصماتهم الطيبة التي تستحق العرفان والثناء ومنهم إخواننا في المجلس الانتقالي وعلى رأسهم الاخوين العزيزين عبدالله مهدي سعيد رئيس انتقالي المحافظة والاخ عبدالناصر محمد علي الطبقي رئيس انتقالي جحاف ، الذي يتمتع بدماثة الخلق والذي يعمل كجندي مجهول وكميسر لمختلف النشاطات طوال السنوات الماضية ومنها لجان الطريق والذين على ما اعتقد الكثير منهم في الانتقالي ، واحيي الاعلاميين والناشطين وغيرهم من اللجان السابقة الذين كانوا عند مستوى التضحية والمسؤولية ، وهذا التزام مهني واخلاقي نقوم به كأقل واجب تجاه أهلنا .. وشكر خاص لصحيفة (الايام) الغراء التي كانت ومازالت قريبة من الناس ونقلت وتنقل همومهم ومعاناتهم مع الطريق وغيرها طوال العقود الثلاثة الماضية . ولأن الشيئ بالشيئ يذكر فهناك أناس ، كانوا من أول من حلموا وسعوا الى ادراج سفلتت طريق جحاف واعداد الدراسات واعمال الشق والسفلتة لدى الجهات ذات العلاقة منذ ماقبل ومابعد عام ١٩٩٠م ، منهم الاخ العزيز سعادة السفير الدكتور حسين علي حسن ، والعميد محمد علي محسن (مهتم) ، والسفير الدكتور شايع محسن محمد ، والمرحوم الاستاذ حسن صالح الصبحي ، والاخ المناضل محمد ناجي سعيد ، بالإضافة الى جهود الاخ العزيز محمد علي حسين الوداد سواء في متابعة الدراسات او استضافة اللجان ، ولا انسى ايضا بصمات وجهود الاخ الاستاذ علي هادي حسن مدير عام جحاف السابق ، اثناء سفلتت المرحلة السابقة من الطريق ، وكذلك لاننسى توجيه شكرنا الجزيل للاخ المهندس خلدون سالم صالح محمد لجهوده في خدمة المجتمعات المختلفة عبر البنك الدولي وبحسب علمنا كان ممن لهم الفضل في اعتماد البنك مخصصات كافية لاستكمال طريق الضالع جحاف وايضا السعي الى استكمال شق وسفلتت طريق الأزارق ان شاء الله .. وقبل أولئك جميعاً فإننا نشكر الله تعالى ان مد بأعمارنا لنرى هذا الحلم وهو يتحقق ، بعد ان حرم من ذلك جيلين ممن سبقونا ، والفضل يعود لله تعالى من قبل ومن بعد في كل شيئ في حياتنا . وليعذرني الجميع ان كنت قد نسيت - دون قصد - ذكر من يستحقون ان نذكرهم ، فالكمال لله تعالى وحده . في الختام ارجو من كل اهلنا الاعزاء في جحاف الأستمرار على هذا الزخم ، وان يقدموا كل مافي وسعهم لتذليل الصعوبات امام المقاول حتى يتمكن من الانجاز بأفضل مواصفات الجودة ، وان نتعاون في القرى لتقديم الانموذج المشرف في التضحية والايثار ، وان نتعاون مع اللجنة المجتمعية التي تمثلنا اليوم خير ثمثيل ، ولنضع في أذهاننا أنها آخر فرصة لتحقيق حلم الجميع ولن تتكرر أبداً .. ولهذا علينا ان نتجاوب مع اشعارات اللجنة ، مثل اغلاق الطريق في بعض الاوقات لتنفيذ بعض الاعمال الهامة ، واستخدام طرقاً أخرى متوفرة ، حيث ان علينا ان نتعب قليلاً كي نضمن عمل وسفلتة ذات جودة افضل ، وان نجعل من الجروبات واحات إيجابية خضراء للعمل الايجابي المثمر ، وان نكبر الى مستوى الحدث والحلم ، دون ان ننجر الى امور اصغر تمثل فروعاً من حلمنا الأكبر .. والله من وراء القصد .