عدن لم تعد جميلة، بل تركتها الحرب غارقة في القمامة

متابعات



عدن لم تعد جميلة، بل تركتها الحرب غارقة في القمامة التي تهدد المواطنين بالأمراض والأوبئة، وما زاد الوضع سوءا عدم مسؤولية عمال النظافة الذين أصبحوا يتراخون عن القيام بمهامهم، فغرقت الشوارع في مياه الصرف الصحي وانتشرت القاذورات التي تعبث بصحة الإنسان.


لم يعد بمقدور سكان مدينة عدن، جنوبي اليمن، الاستئناس بصور الهدوء التي كانوا ينعمون بها إلى ما قبل الحرب الجارية، ولا بصور الجمال التي كانت تفاخر بها مدينتهم، وتغطي أجزاء كبيرة من أحيائها وشوارعها، بعد أن استوطنت القمامة ومياه الصرف الصحي أماكن واسعة منها واستبد القلق من أخطار المرض نفوس ساكنيها.

فمن دائرة “القتل والتشريد والتدمير” التي تعرضت لها عدن على مدار خمسة أشهر سبقت تحريرها من الحوثيين في منتصف يوليو الماضي، إلى ما هو مُشاهد اليوم في معظم أحيائها، ومداخل أزقتها، والمتمثل أساسا في طفح مياه الصرف الصحي وانتشار الأوساخ.

تقول لؤي صبري، بطلة العرب سابقا في لعبة تنس الطاولة (خلال عامي 1992-1997) والتي تقطن بحي الشيخ عثمان “للأسف القذرات لا تشوه جمال البيئة فقط، ولكنها تعبث بصحة السكان أيضا، حيث ترسل بأفواج منهم تجاه الأسرة البيضاء، لا سيما الأطفال الذين يجدون في اللهو واللعب في الشوارع بدائل للقضاء على أوقات الفراغ في ظل غياب المنتزهات السياحية”.

وتضيف صبري “طفح مياه الصرف وما تخلفه من روائح وأمراض، شواهد على عجز الجهات المعنية عن إيجاد حلول ناجعة حيال مشكلة أزمة النظافة التي باتت خطرا يلتف حول رقبة غالبية السكان ويقض مضاجع الكثير من البيوت، مع انتشار مرض حمى الضنك الذي فتك بالمئات من المواطنين، ولا يزال رافعا شعار الخطر أمام ما تبقى”.
  

امرأة أخرى في العقد الخامس من العمر كانت تجتاز الشارع بصعوبة بالغة، جاعلة من الحجارة وإطارات السيارات المترامية وسيلة لتجاوز عقبات الطريق، قالت وقد علت قسمات وجهها صور غضب شديدة، مفضلة عدم ذكر اسمها، إن “كنت ترى ذلك مدعاة للبهجة ومكانا جالبا للفرجة، فنحن نراها كارثة حقيقية تهدد حياتنا وتقطع أوصال ما بقي لنا من فرحة بعد خروج ميليشيات الحوثي وخناجر مسمومة في قلوبنا”.

مدير مكتب النظافة في عدن، قائد راشد، يقول من جهته “نعمل في ظروف معقدة واستثنائية، ونشعر بأن حجم الكارثة أكبر من طاقة مكتبنا، حيث نعاني من شح في الإمكانيات والمعدات والموازنة التشغيلية، فضلا عن معظم المعدات وسيارات النظافة التي انتهت إما بالتلف والتدمير جراء الحرب، أو بعمليات السطو والنهب لمعظم المرافق الحكومية”.

ويتابع “في استقلال فاضح للأوضاع الأمنية المهترئة في عدن، تم السطو وبقوة السلاح على 9 سيارات تابعة لمكتب النظافة في أقل من شهر، ولم تنفع البلاغات التي وجهناها لقيادة المنطقة والمقاومة عن وضع حل لهذه المعضلة”.

الطالبة الجامعية سارة جلال المرقشي ترى من وجهة نظرها أنه “لا علاقة بما يجري في شوارع عدن لأدنى اعتبارات السلامة للبيئة ولحياة البشر”، مضيفة “مشكلة مياه الصرف الصحي هي إحدى تجليات الوضع المتردي في عدن، وينبغي أن تسارع الجهات ذات العلاقة لحل المشكلة فورا، لا أن تترك الأوساخ تنفث سمومها في أجواء لا تنقصها الكوارث.”

بدوره أرجع زكي حداد، مدير إدارة الصرف الصحي في المدينة، أسباب طفح مياه الصرف بهذه الصورة إلى انقطاع غالبية العمال عن العمل، احتجاجا على عدم صرف رواتبهم الشهرية لعدة شهور، إلى جانب عدم وجود ميزانية تشغيلية خصوصا أن عملية تحصيل رسوم النظافة، قد توقفت خلال فترة الحرب على المحافظة (التي تحمل الاسم ذاته للمدينة)”. غير أنه استدرك القول “مشكلة المعاشات الشهرية تم حلها بالتعاون مع الإماراتيين الذين صرفوا رواتب كل العمال حتى نهاية شهر سبتمبر المنصرم”.

واستطرد قائلا “لكن غياب الدولة شجع هؤلاء على عدم الالتزام بالعمل، بعد أن استلموا كافة مستحقاتهم المالية، فمن بين 625 عاملا لا يتواجد سوى 80، وهو عدد قليل وغير كاف لمواجهة المشكلة الكبيرة التي تعصف بالحياة في المدينة”. وأعرب حداد عن أمله في أن تقوم الجهات المسؤولة بواجبها، وإلزام هؤلاء العمال وإجبارهم على العمل أو استبدالهم بعمالة أخرى.