قصة فادي سلامه الذي قتله الجيش في شبوة

عدن الحدث / خاص



بين العام 2004م والعام 2014م ، مضى عقد كامل من الزمان .. ربما نسي او تناسى ابناء عزان ومديرية ميفعة عموما في شبوة ما شهدته عزان قبل عشر سنوات كاملة من جريمة قتل وحشيه بحق احد ساكني عزان في العام 2004م وهو - وسيم علي التوم - المنتمي الى فئة المهمشين ، ذلك الشاب الذي كان يعمل خياطا للأحذية والذي لقي مصرعه على يد قوات القتل المركزي - الامن المركزي - بدم بارد .

ففي 29 مايو من عام 2004م اقدم ثمانية من افراد الامن المركزي على قتل وسيم طعنا حتى فارق الحياة ، حدث ذلك بالطبع في شارع عزان الرئيس وفي وضح النهار وتحديدا عند الساعة الواحدة والنصف ظهرا .

لم يتفوه احد حينها وصمتت المدينة والمديرية  ... كنت حينها اعمل مع صحيفة " الايام " واعددت تغطية صحفية مكثفة عن الموضوع فوجدت من ينتقدني من اهل المنطقة لأنني دافعت عن " خادم "!!.

عشر سنوات كاملة مرت وتغيرت امور عديدة ، وولد الحراك الجنوبي من رحم مثل هكذا معاناة لأبناء الجنوب ..

بعد عقد من الزمان ، ضحية اخرى للقتل الممنهج وغير المبرر ، في عزان ايضا ، من قبل الجيش المنتشر في مديرية ميفعة ، والضحية واحد من اروع وانبل الشباب في عزان ، وهي المدينة التي تدفع ثمن النضال من اجل الحرية والكرامة ، وكان لها شرف انطلاقة الحراك الجنوبي في محافظة شبوة في اغسطس - آب - 2007م .

فادي محمد ناصر سلامه فتى لم يكمل السابعة عشر بعد ، من مواليد الحوطة 1998م ، وانتقل لاحقا للعيش والسكن في عزان ، يحظى باحترام كل من يعرفه نظرا لأخلاقه العالية التي تحلى بها خلال فترة حياته ...يقول عنه اصدقائه بانه شاب دمث الاخلاق .. وكان فادي صاحب هدوء فطري و براءة وسكون .

يتحدث لنا الشاب سالم سعيد الحداد - من شباب عزان الفاعلين - عن الشهيد فادي قائلا : " كان شابا رائعا بدماثه اخلاقه وبنشاطه الاجتماعي والرياضي ، وعلاقاته المتميزة مع الاخرين ، كان شغوفا بالرياضة وبلعبة كرة القدم خاصة ، مفعم بالحيوية ، مواظبا على صلاة الجماعة في المسجد ، يتعامل مع الاخرين باحترام ، وليست لديه خصومه مع احد ، ولم يكن له أي انتماء سياسي او أيديولوجي" .

لكن الذي لم يقله الشاب سالم الحداد ان فادي عاش ظروف اسرية صعبة نتيجة انفصال والديه عن بعضهما البعض ، وهو الامر الذي لم يجعله يتمكن من اكمال الدراسة ، مكتفيا بالصف الثامن اساسي .

رغم قساوة الظروف الاسرية التي عاشها فادي ، الا انه كان صابرا ، فلم تحبطه او تؤثر تلك الظروف على سلوكه الاجتماعي ، ولم تجبره على الانحراف عن الطريق القويم ، وهو الامر الذي يؤكده الكثير ممن يعرفون فادي ، فظل حتى اللحظة الاخيرة شامخا في وجه المعاناة ، حتى انه كان مولعا بزيارة البيت الحرام ، وحقق تلك الامنية العام الماضي حيث اداء مناسك العمرة ، وهكذا هم دائما العظماء وعشاق النجاح ، لا تهزهم اعاصير وزوابع الحياة .

في رابع ايام عيد الاضحى المبارك ، التقيت في عزان بوالد فادي ، الاخ محمد سلامة .. كانت لحظات الحزن ماتزال تخيم على وجهه الشاحب ، كانت عيناه ملآى    بصور الولد - فادي - وهي تبكي وترثي قصة اللحظات الاخيرة ..

كان يوم الخميس 18 سبتمبر- ايلول الماضي ، اليوم الاخير في حياة فادي كما يقول والده الذي تحدث الي قائلا : " توجه الولد مع اثنان من اولاد آل الحداد في سيارة صغيرة استقلوها من عزان متوجهين الى منطقة الحوطة لإحضار سيكل دباب من الحوطة ، وبعد المغرب وضع فادي السيكل في سيارة هليكس ، بينما عاد لركوب السيارة هو ومرافقيه ".

يضيف ابو فادي : " بين المغرب والعشاء كان فادي واصحابه يسيرون في طريق العودة - الحوطة - الخرمة - عزان ، لكنهم فوجئوا بأطلاق نار كثيف باتجاههم بكافة انواع الاسلحة ، ارتبك فادي الذي كان يقود السيارة ، نتيجة الضرب العشوائي من جانب افراد النقطة العسكرية نحوهم، حتى ان السيارة توقفت عن السير ، فبادر العسكر بأطلاق وابل من الرصاص على السيارة ادت الى مصرع فادي مضرجا بدمائه ".

وهكذا ، وبهذه التراجيديا الاليمة غادر فادي هذه الدنيا وكانه قد نام مستغرقا في حُلم طويل .

يشير الاب المكلوم الى ان احدا من مسؤولي النظام ، او الجيش او حتى الحكومة المحلية في ميفعة لم يتواصل معهم : " لم يتصل احد او يعزينا من المسؤولين او من الجيش " .

يطالب ابو فادي بتسليم الجناة للقضاء ومحاكمتهم ، ويطالب ايضا بسحب الجيش من المنطقة ، ويقول بانه ليس لديه اكثر من ذلك لقوله .

هكذا عشر سنوات مضت ، بين رحيل وسيم التوم ، وفادي سلامه ، احتضنت عزان وداعهما الاخير ، فماذا لدينا سوى نيران الاسى وصدى اناشيد الحزن والآهات المتدفقة من الاحشاء ، ودموع حزن خجولة من عيون منكسرة .

في حالة فادي ربما تختلف ردة الفعل قليلا عن حالة وسيم ، كانت الجماهير قد ودعت الصمت الجبان ولو بنسبة معينة ، فكان ان شهدت عزان مسيرة سلمية للتنديد بالجريمة البشعة التي تعرض لها الشهيد فادي سلامه ، والمطالبة بتسليم الجناة ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من فعل شنيع .

رحمك الله يا فادي سلامه ، نم قرير العين ايها الفتى البري ، عشت فتى بعيد الخيال تحلم بالخير والمحبة والسلام والرحمة ، بقلبك الابيض النقي ، وروحك الطاهرة ..ها هي عزان التي احبتك وأحببتها تبكيك، وسيبكيك كل الخيرين الذين يعرفون نُبل اخلاقك وصدق ابتسامتك ، وسيترحم عليك اصحاب القلوب الرحيمة اليوم وغدا وبعد غد وو ..

                                 جمال شنيتر