طورالباحة.. تحت خط الظمأ ومشروع مياه إسعافي طيلة 8 سنوات يبحث عمن يسعفه
عدن الحدث / متابعات
نحو 1883 كيلو متر مربع، بينما يربو عدد سكانها عن 57 ألف نسمة.. تبعد عاصمتها عن مدينة الحوطة عاصمة لحج بنحو 90 كم.. مثلها مثل كثير من مناطق الوطن تئن طور الباحة تحت وطأة أزمة مياه الشرب والاستخدام المنزلي، ومياه الري الزراعي، حيث أكدت عديد من الدراسات أن المنطقة لا تعاني من ندرة المخزون الجوفي فقط، بل ومن فقر المخزون السطحي أيضاً، إذ لا يزيد مستوى منسوب المياه في أعمق الآبار بالمنطقة عن 40 مترا، كما تفتقر إلى الحواجز المائية والسدود التي تحفظ مياه الأمطار لتغذية الخزانين الجوفي والسطحي. كما تعاني من قلة الأمطار، وانعدام مصادر المياه الأخرى، إضافة إلى داء الفساد الذي تسبب في انهيار مرفق المياه الحكومي، وعطل إنجاز مشروع المياه الإسعافي لأكثر من ثمان سنوات.. هذه العوامل جعلت أزمة المياه واحدة من أعقد مشاكل المنطقة، وأصبح حصول سكانها على مياه صالحة للشرب والاستخدام المنزلي مشكلة معقدة بمفهومها الحقيقي والشامل، هوت بهم إلى تحت (خط الظمأ)، بل وبعض المناطق تكاد تنعدم فيها المياه كليا، مما يكبد سكانها ـ خاصة النساء والأطفال ـ مشاقاً يومية في رحلة البحث عن الماء من بلدات بعيدة، ويبدد قسطاً كبيراً من دخل الأسرة لشراء الماء.
«الأيام»استطلعت هذا المنطقة وخرجت بمشاهد مؤلمة من متاعب أزمة المياه وآثارها على المنطقة وأبنائها.
**مشروع مياه إسعافي**
حينما تصاعدت التهديدات بنضوب حقل مياه طورالباحة، وتوقفت خدمات فرع مؤسسة المياه الحكومي، بُشر الناس بإنشاء مشروع مياه إسعافي في أكتوبر 2007م شرع العمل في المرحلة الأولى لـ(مشروع مياه الرجاع الإسعافي - 40 كم جنوبي مدينة طور الباحة)، وحدد سقف إنجازه بـ9 أشهر فقط، حفرت 3 آبار، وبدأ مد الأنابيب، لكن يبدو أن مصالح القائمين على المشروع تناقضت فأنتجت خلافات، وألحقت الإسعافي بلعنة الفساد لتعثره في مرحلته الأولى.
تناوب نافذون ومجموعة قبلية وعيوب فنية على تعطيل المشروع مرة تلو أخرى، حينا للابتزاز وأخرى للمساومة، وثالثة بالأعطال الفنية.
في البدء أوقف العمل في المشروع بسبب اكتشاف مخالفات مواصفات الأنابيب التي استخدمها المقاول، ثم توالت إيقافات المشروع الإسعافي الذي أعد المنقذ الوحيد من العطش الذي يعصف بطور الباحة.
مجموعة قبيلة تقطن بمحاذاة مسار خط أنابيب المشروع استغلت بدورها الفرصة وصممت ألا تسمح بمرور الأنابيب في مضارب القبيلة دون ثمن، فأوقفت المقاول عن مد الأنابيب الناقلة من آبار منطقة الرجاع إلى خزان إعادة الضخ بمنطقة دار القديمي بطول 20 كم كمرحلة أولى وأجبرته على مغادرة موقع العمل، مشترطة الثمن منح القبيلة مشروع مياه خاص.
إزاء تعنت القبيلة فشلت كل الحلول التقليدية للسلطة، من مساومات، ومحاولة بإقناع القبيلة بالعدول عن عرقلة المشروع.. توقف العمل بمد أنابيب المشروع لأكثر من عامين بعد أن كان مقررا أن يسعف طور الباحة بالماء خلال 9 أشهر فقط، بعد عامين بدأت المرحلة الثانية وتشتمل على مد خطوط الضخ من دار القديمي إلى الخزان التجميعي بمدينة طورالباحة بطول 20 كم أخرى، وتجهيز حقل الآبار وربط محطة إعادة الضخ بمنظومة التشغيل.
منذ عامين جرت عدة محاولات للضخ التجريبي، لكنها فشلت جميعها، انفجرت الأنابيب مرارا وتكرارا ولم تجد كل أساليب الترقيع نفعا، العيوب الفنية لأنابيب التوصيل فضحت الفساد، تخبط المشروع الإسعافي في هاوية التعثر 8 سنوات دون أن يبادر أحد لمعاودة انتشاله حتى اليوم.
**مشروع فاشل**
خلدون أحمد نعمان رئيس قسم العدادات بمؤسسة مياه طورالباحة تحدث عن هذا المشروع بالقول: “مشروع المياه الإسعافي في هذه المنطقة فاشل وذلك لافتقاره للدراسات الفنية الحقيقية، ولمخالفة الأنابيب المستخدمة للمواصفات، ولعدم وجود رقابة ومهندس إشراف”.
وأضاف: “المخزي أن شهادة الإنجاز قد صرفت للمقاول قبل فحص الأنابيب والتأكد من صلاحيتها، والمؤلم أن نسمع تصريحات لمسئولين ممن تلطخت أيديهم بالفساد وبإفشال المشروع الإسعافي عن قرب تشغيله”.
أما جلال السويسي مدير الإعلام بطور الباحة فيختصر إجابته بالقول: “مشروع المياه الإسعافي حلم ولد ميتا”.
**التحليلات تفشل مشروع إستراتيجي**
مشروع مياه الفجرة 27 كم جنوب مدينة طور الباحة، أنشئ على ضوء دراسات جيولوجية قديمة أجريت قبل الوحدة، وأكدت غنى وادي الفجرة بكميات كبيرة من المياه الجوفية.. وفي 93م شرع العمل في المشروع الذي أطلق عليه (المشروع الاستراتيجي لمياه الفجرة) لتغذية جميع مناطق مديرية طور الباحة وبعض مناطق شرق مديرية المضاربة.
اكتملت مرحلته الأولى بحفر 7 آبار، توفرت فيها المياه، وبناء خزان فوق إحدى القمم.. وبعد إهدار مبالغ ضخمة لإنجاز المرحلة الأولى توقف المشروع لخمس سنوات دون أن يعرف السبب، وأثناء ظهور أزمة المياه في طور الباحة استؤنف العمل مجدداً في المشروع، حيث تم حفر بئرين إضافيتين ليصبح الحقل مكونا من 9 آبار، تفاوتت أعماقها بين 40 ـ 200 متر، ومرة أخرى توقف العمل لخمس سنوات أُخر، تركت خلالها معظم الآبار مفتوحة فتعرضت للتعرية الطبيعية، وتساقطت فيها الدلاء والأحجار والأشجار والأتربة.
وبعد سنوات قام فريق فني من مؤسسة مياه عدن بالضخ التجريبي لمعرفة استقرار المياه ونوعيتها وعمقها، فتناقضت النتائج من تقرير إلى آخر حول كميات المياه وصلاحيتها، فبينما أفاد أحد التقارير بارتفاع نسبة عناصر الكالسيوم والمغنسيوم والفوسفات والكبريتيد في الماء، أشار آخر إلى وجود آبار قديمة مكشوفة مجاورة للحقل مياهها من نفس الطبقة الحاملة للماء ويشرب منها أهالي المنطقة، وقطع بصلاحية استخدام المياه للطبخ والغسل وشرب الحيوان.
تقرير آخر أعده مختصون فحصوا عينات من مياه أربع آبار أكدت نتائج الفحص وجود عنصر(EC) في ثلاث آبار بمقدار مرتفع، أما البئر الرابعة فأشار التقرير إلى أن مياهها صالحة للشرب، ثم أسدل الستار على المشروع، ومنذ تلك الفترة تعطل مشروع مياه الفجرة بحجج وذرائع متناقضة، وتحولت نتائج تحليل مياهه إلى ذريعة لإضاعة مشروع مياه استراتيجي كما أطلق عليه، دون حجج مقنعة أو تحليلات علمية قاطعة، بل آراء مثيرة للشك، لم تقنع أبناء المنطقة، الذين يهددهم الظمأ، ويجبرهم على شرب مياه من آبار براحة والتي من البديهي إن مكوناتها أخطر وأشد تلوثا من مكونات حقل آبار الفجرة.
**آثار شح المياه على المنطقة**
مظاهر ظمأ يصعب تصورها، وصور معاناة لا تطاق.. مشاهد دبات بلاستيك متسخة فوق رؤوس النساء والطفلات وعلى ظهور الحمير.. سيارات تتسابق على آبار بيع الماء لتملأ خزانات صدئة أو براميل بلاستيك ملوثة، كي تبيعه بسعر لم يعد يقدر عليه (إلا من لا يزال عالقا بخط الفقر)، أما من تردى تحت (خط الفقر) فلا.
إن أغلب سكان المنطقة يعتمدون على شراء مياه من السيارات ليست غير صالحة فحسب، وإنما ملوثة، تكلف الأسرة الواحدة ما بين 8 - 14 ألف ريال شهريا.. في خضم هذه المعاناة تبدد حلم مشروع مياه إسعافي طالما هولوا ضخامته، وحددوا لإنجازه 9 أشهر فمضت سنوات ثمان دون أن يسعف عطشانا.
مشكلة ندرة أو انعدام المياه في طور الباحة أنهكت الجميع، وخلفت آثارا أضرت بالإنسان واستقراره، لم تقف تداعياتها عند ما تسببه المياه الملوثة وغير الصالحة للشرب من أمراض ومخاطر صحية وإنما عكست نفسها على مجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية والأمنية، فتجلت آثار أزمة المياه بصورة أبرز في النزوح القسري من قرى وبلدات المنطقة، كنزوح داخلي لعشرات الأسر عن قراها إلى قرى أخرى في المنطقة ما زالت مشكلة المياه فيها أقل وطأة مما هي عليه في قرى النزاحة.. أما النزوح خارج المديرية فيعد المشكلة الأبرز التي خلفتها ندرة أو انعدام المياه، فقد نزحت من المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية مئات الأسر نحو مدن عدن، الحوطة، تعز، أبين، التربة، صبر والوهط.
**عمال المؤسسة على رصيف الجوع**
توقف نشاط فرع مؤسسة المياه الحكومي بطور الباحة، وتعثر مشروع المياه الإسعافي لم يحرم فقط المواطنين من مياه الشرب، وإنما حرم أيضا 40 عاملاً وموظفاً بالمؤسسة من أجورهم ومستحقاتهم، ورماهم قسراً إلى رصيف البطالة.
عن انقطاع مرتبات عمال وموظفي المياه منذ مايو2011م يقول خلدون البالي رئيس قسم بفرع المياه: “منذ عام 2009م ونحن نتردد على المسئولين في لحج وصنعاء لمتابعة رواتبنا حتى خسرنا إضعافها”.
وأضاف: “وزير المياه والبيئة شكل في 2012م لجنة من الوزارة لدراسة الأوضاع الفنية والاقتصادية لفرع مياه طور الباحة، وتحديد اتجاهات العمالة، وقد نزلت اللجنة إلى فرع المياه وأقرت الإسراع بإنجاز مشروع مياه الرجاع الإسعافي، وإعادة تفعيل نشاط فرع مياه طور الباحة، وتأهيل مكوناته بتمويل مركزي، وصرف رواتب العمال، واعتمادها في الموازنة العامة، لكن ما أقرته اللجنة الوزارية ضاع في دهاليز المعنيين.. كما إن وزارة المياه وجهت عدة مذكرات إلى محافظ المحافظة ـ رئيس مجلس إدارة مؤسسة المياه والصرف الصحي تؤكد أن مرتبات العمال تصرف بانتظام إلى حساب المؤسسة العامة للمياه في لحج، لكن إدارة المؤسسة ما زالت تصادر مرتباتنا دون وجه حق”. ويستطرد بالقول: “أليس من المخزي أن تعجز الدولة عن توفير ماء الشرب للمواطنين، ودفع رواتب الموظفين، وهي حقوق قانونية، بينما تهدر يوميا عشرات ملايين الريالات من المال العام خلافا للقانون، رشاوى لكسب ولاء قتلة ومشائخ وفاسدين، ومراضاة مجرمين وقطاع الطرق، ومهادنة اللصوص والعصابات المسلحة”.
"الايام"
نحو 1883 كيلو متر مربع، بينما يربو عدد سكانها عن 57 ألف نسمة.. تبعد عاصمتها عن مدينة الحوطة عاصمة لحج بنحو 90 كم.. مثلها مثل كثير من مناطق الوطن تئن طور الباحة تحت وطأة أزمة مياه الشرب والاستخدام المنزلي، ومياه الري الزراعي، حيث أكدت عديد من الدراسات أن المنطقة لا تعاني من ندرة المخزون الجوفي فقط، بل ومن فقر المخزون السطحي أيضاً، إذ لا يزيد مستوى منسوب المياه في أعمق الآبار بالمنطقة عن 40 مترا، كما تفتقر إلى الحواجز المائية والسدود التي تحفظ مياه الأمطار لتغذية الخزانين الجوفي والسطحي. كما تعاني من قلة الأمطار، وانعدام مصادر المياه الأخرى، إضافة إلى داء الفساد الذي تسبب في انهيار مرفق المياه الحكومي، وعطل إنجاز مشروع المياه الإسعافي لأكثر من ثمان سنوات.. هذه العوامل جعلت أزمة المياه واحدة من أعقد مشاكل المنطقة، وأصبح حصول سكانها على مياه صالحة للشرب والاستخدام المنزلي مشكلة معقدة بمفهومها الحقيقي والشامل، هوت بهم إلى تحت (خط الظمأ)، بل وبعض المناطق تكاد تنعدم فيها المياه كليا، مما يكبد سكانها ـ خاصة النساء والأطفال ـ مشاقاً يومية في رحلة البحث عن الماء من بلدات بعيدة، ويبدد قسطاً كبيراً من دخل الأسرة لشراء الماء.
«الأيام»استطلعت هذا المنطقة وخرجت بمشاهد مؤلمة من متاعب أزمة المياه وآثارها على المنطقة وأبنائها.
**مشروع مياه إسعافي**
حينما تصاعدت التهديدات بنضوب حقل مياه طورالباحة، وتوقفت خدمات فرع مؤسسة المياه الحكومي، بُشر الناس بإنشاء مشروع مياه إسعافي في أكتوبر 2007م شرع العمل في المرحلة الأولى لـ(مشروع مياه الرجاع الإسعافي - 40 كم جنوبي مدينة طور الباحة)، وحدد سقف إنجازه بـ9 أشهر فقط، حفرت 3 آبار، وبدأ مد الأنابيب، لكن يبدو أن مصالح القائمين على المشروع تناقضت فأنتجت خلافات، وألحقت الإسعافي بلعنة الفساد لتعثره في مرحلته الأولى.
تناوب نافذون ومجموعة قبلية وعيوب فنية على تعطيل المشروع مرة تلو أخرى، حينا للابتزاز وأخرى للمساومة، وثالثة بالأعطال الفنية.
في البدء أوقف العمل في المشروع بسبب اكتشاف مخالفات مواصفات الأنابيب التي استخدمها المقاول، ثم توالت إيقافات المشروع الإسعافي الذي أعد المنقذ الوحيد من العطش الذي يعصف بطور الباحة.
مجموعة قبيلة تقطن بمحاذاة مسار خط أنابيب المشروع استغلت بدورها الفرصة وصممت ألا تسمح بمرور الأنابيب في مضارب القبيلة دون ثمن، فأوقفت المقاول عن مد الأنابيب الناقلة من آبار منطقة الرجاع إلى خزان إعادة الضخ بمنطقة دار القديمي بطول 20 كم كمرحلة أولى وأجبرته على مغادرة موقع العمل، مشترطة الثمن منح القبيلة مشروع مياه خاص.
إزاء تعنت القبيلة فشلت كل الحلول التقليدية للسلطة، من مساومات، ومحاولة بإقناع القبيلة بالعدول عن عرقلة المشروع.. توقف العمل بمد أنابيب المشروع لأكثر من عامين بعد أن كان مقررا أن يسعف طور الباحة بالماء خلال 9 أشهر فقط، بعد عامين بدأت المرحلة الثانية وتشتمل على مد خطوط الضخ من دار القديمي إلى الخزان التجميعي بمدينة طورالباحة بطول 20 كم أخرى، وتجهيز حقل الآبار وربط محطة إعادة الضخ بمنظومة التشغيل.
منذ عامين جرت عدة محاولات للضخ التجريبي، لكنها فشلت جميعها، انفجرت الأنابيب مرارا وتكرارا ولم تجد كل أساليب الترقيع نفعا، العيوب الفنية لأنابيب التوصيل فضحت الفساد، تخبط المشروع الإسعافي في هاوية التعثر 8 سنوات دون أن يبادر أحد لمعاودة انتشاله حتى اليوم.
**مشروع فاشل**
خلدون أحمد نعمان رئيس قسم العدادات بمؤسسة مياه طورالباحة تحدث عن هذا المشروع بالقول: “مشروع المياه الإسعافي في هذه المنطقة فاشل وذلك لافتقاره للدراسات الفنية الحقيقية، ولمخالفة الأنابيب المستخدمة للمواصفات، ولعدم وجود رقابة ومهندس إشراف”.
وأضاف: “المخزي أن شهادة الإنجاز قد صرفت للمقاول قبل فحص الأنابيب والتأكد من صلاحيتها، والمؤلم أن نسمع تصريحات لمسئولين ممن تلطخت أيديهم بالفساد وبإفشال المشروع الإسعافي عن قرب تشغيله”.
أما جلال السويسي مدير الإعلام بطور الباحة فيختصر إجابته بالقول: “مشروع المياه الإسعافي حلم ولد ميتا”.
**التحليلات تفشل مشروع إستراتيجي**
مشروع مياه الفجرة 27 كم جنوب مدينة طور الباحة، أنشئ على ضوء دراسات جيولوجية قديمة أجريت قبل الوحدة، وأكدت غنى وادي الفجرة بكميات كبيرة من المياه الجوفية.. وفي 93م شرع العمل في المشروع الذي أطلق عليه (المشروع الاستراتيجي لمياه الفجرة) لتغذية جميع مناطق مديرية طور الباحة وبعض مناطق شرق مديرية المضاربة.
اكتملت مرحلته الأولى بحفر 7 آبار، توفرت فيها المياه، وبناء خزان فوق إحدى القمم.. وبعد إهدار مبالغ ضخمة لإنجاز المرحلة الأولى توقف المشروع لخمس سنوات دون أن يعرف السبب، وأثناء ظهور أزمة المياه في طور الباحة استؤنف العمل مجدداً في المشروع، حيث تم حفر بئرين إضافيتين ليصبح الحقل مكونا من 9 آبار، تفاوتت أعماقها بين 40 ـ 200 متر، ومرة أخرى توقف العمل لخمس سنوات أُخر، تركت خلالها معظم الآبار مفتوحة فتعرضت للتعرية الطبيعية، وتساقطت فيها الدلاء والأحجار والأشجار والأتربة.
وبعد سنوات قام فريق فني من مؤسسة مياه عدن بالضخ التجريبي لمعرفة استقرار المياه ونوعيتها وعمقها، فتناقضت النتائج من تقرير إلى آخر حول كميات المياه وصلاحيتها، فبينما أفاد أحد التقارير بارتفاع نسبة عناصر الكالسيوم والمغنسيوم والفوسفات والكبريتيد في الماء، أشار آخر إلى وجود آبار قديمة مكشوفة مجاورة للحقل مياهها من نفس الطبقة الحاملة للماء ويشرب منها أهالي المنطقة، وقطع بصلاحية استخدام المياه للطبخ والغسل وشرب الحيوان.
تقرير آخر أعده مختصون فحصوا عينات من مياه أربع آبار أكدت نتائج الفحص وجود عنصر(EC) في ثلاث آبار بمقدار مرتفع، أما البئر الرابعة فأشار التقرير إلى أن مياهها صالحة للشرب، ثم أسدل الستار على المشروع، ومنذ تلك الفترة تعطل مشروع مياه الفجرة بحجج وذرائع متناقضة، وتحولت نتائج تحليل مياهه إلى ذريعة لإضاعة مشروع مياه استراتيجي كما أطلق عليه، دون حجج مقنعة أو تحليلات علمية قاطعة، بل آراء مثيرة للشك، لم تقنع أبناء المنطقة، الذين يهددهم الظمأ، ويجبرهم على شرب مياه من آبار براحة والتي من البديهي إن مكوناتها أخطر وأشد تلوثا من مكونات حقل آبار الفجرة.
**آثار شح المياه على المنطقة**
مظاهر ظمأ يصعب تصورها، وصور معاناة لا تطاق.. مشاهد دبات بلاستيك متسخة فوق رؤوس النساء والطفلات وعلى ظهور الحمير.. سيارات تتسابق على آبار بيع الماء لتملأ خزانات صدئة أو براميل بلاستيك ملوثة، كي تبيعه بسعر لم يعد يقدر عليه (إلا من لا يزال عالقا بخط الفقر)، أما من تردى تحت (خط الفقر) فلا.
إن أغلب سكان المنطقة يعتمدون على شراء مياه من السيارات ليست غير صالحة فحسب، وإنما ملوثة، تكلف الأسرة الواحدة ما بين 8 - 14 ألف ريال شهريا.. في خضم هذه المعاناة تبدد حلم مشروع مياه إسعافي طالما هولوا ضخامته، وحددوا لإنجازه 9 أشهر فمضت سنوات ثمان دون أن يسعف عطشانا.
مشكلة ندرة أو انعدام المياه في طور الباحة أنهكت الجميع، وخلفت آثارا أضرت بالإنسان واستقراره، لم تقف تداعياتها عند ما تسببه المياه الملوثة وغير الصالحة للشرب من أمراض ومخاطر صحية وإنما عكست نفسها على مجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية والأمنية، فتجلت آثار أزمة المياه بصورة أبرز في النزوح القسري من قرى وبلدات المنطقة، كنزوح داخلي لعشرات الأسر عن قراها إلى قرى أخرى في المنطقة ما زالت مشكلة المياه فيها أقل وطأة مما هي عليه في قرى النزاحة.. أما النزوح خارج المديرية فيعد المشكلة الأبرز التي خلفتها ندرة أو انعدام المياه، فقد نزحت من المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية مئات الأسر نحو مدن عدن، الحوطة، تعز، أبين، التربة، صبر والوهط.
**عمال المؤسسة على رصيف الجوع**
توقف نشاط فرع مؤسسة المياه الحكومي بطور الباحة، وتعثر مشروع المياه الإسعافي لم يحرم فقط المواطنين من مياه الشرب، وإنما حرم أيضا 40 عاملاً وموظفاً بالمؤسسة من أجورهم ومستحقاتهم، ورماهم قسراً إلى رصيف البطالة.
عن انقطاع مرتبات عمال وموظفي المياه منذ مايو2011م يقول خلدون البالي رئيس قسم بفرع المياه: “منذ عام 2009م ونحن نتردد على المسئولين في لحج وصنعاء لمتابعة رواتبنا حتى خسرنا إضعافها”.
وأضاف: “وزير المياه والبيئة شكل في 2012م لجنة من الوزارة لدراسة الأوضاع الفنية والاقتصادية لفرع مياه طور الباحة، وتحديد اتجاهات العمالة، وقد نزلت اللجنة إلى فرع المياه وأقرت الإسراع بإنجاز مشروع مياه الرجاع الإسعافي، وإعادة تفعيل نشاط فرع مياه طور الباحة، وتأهيل مكوناته بتمويل مركزي، وصرف رواتب العمال، واعتمادها في الموازنة العامة، لكن ما أقرته اللجنة الوزارية ضاع في دهاليز المعنيين.. كما إن وزارة المياه وجهت عدة مذكرات إلى محافظ المحافظة ـ رئيس مجلس إدارة مؤسسة المياه والصرف الصحي تؤكد أن مرتبات العمال تصرف بانتظام إلى حساب المؤسسة العامة للمياه في لحج، لكن إدارة المؤسسة ما زالت تصادر مرتباتنا دون وجه حق”. ويستطرد بالقول: “أليس من المخزي أن تعجز الدولة عن توفير ماء الشرب للمواطنين، ودفع رواتب الموظفين، وهي حقوق قانونية، بينما تهدر يوميا عشرات ملايين الريالات من المال العام خلافا للقانون، رشاوى لكسب ولاء قتلة ومشائخ وفاسدين، ومراضاة مجرمين وقطاع الطرق، ومهادنة اللصوص والعصابات المسلحة”.
"الايام"