الانتقالي الجنوبي: نسعى لتجفيف منابع الفساد ووقف استخدام المال العام في دعم الإرهاب من قبل بعض قيادات الحكومة اليمنية
المعركة الاستثنائية الدائرة حاليا على خلفية اقتصادية ومالية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي، تسلّط الضوء على حالة الهدر وسوء التصرّف وتجيير المال العام لخدمة أغراض حزبية ومصالح شخصية والتي لازمت عمل الشرعية اليمنية طيلة سنوات وأفضت إلى أوضاع كارثية لم يعد بوسع سكان مناطق ومدن مثل عدن احتمالها والسكوت عنها. عدن - نفى المجلس الانتقالي الجنوبي استحواذه على أموال تابعة للبنك المركزي اليمني كانت في حاويات وصلت في وقت سابق لميناء عدن. وحملت قضية الأموال ملامح حرب اقتصادية بين الطرفين بالتوازي مع المواجهة العسكرية الدائرة حاليا في محافظة أبين والتي يتّهم الشق التابع للإخوان المسلمين ضمن الشرعية اليمنية بتصعيدها في سياق محاولته الاستيلاء على المحافظة وجعلها منصّة للهجوم النهائي على عدن المجاورة. وقالت اللجنة الاقتصادية العليا بالإدارة الذاتية التابعة للمجلس الانتقالي في بيان إنّ تحفّظها على الأوراق النقدية المطبوعة يأتي “انطلاقا من واجبها في حماية مصالح المجتمع، ومنع المزيد من تداعيات انهيار العملة المحلية وما ينجم عن ذلك من تدهور مخيف في معيشة المواطن”، وهو الأمر الذي دفعها للتحفظ على عدد من الحاويات التي تحوي أوراقا مالية طبعت دون غطاء وتم منع دخولها للبنك المركزي كما جاء في البيان. وقالت اللجنة الاقتصادية التابعة للانتقالي إنّ “التحفظ على هذه الأموال يهدف إلى تصحيح مسار عمل البنك، وضمان اتخاذه إجراءات جادة وفعّالة لكبح جماح ارتفاع سعر الصرف الأجنبي أمام العملة المحلية وإعادة التوازن إلى مستويات مقبولة تتناسب مع الكلفة الاقتصادية للعملة”. وأشارت إلى أنّ “هذا الإجراء يأتي ضمن حزمة من إجراءات تجفيف منابع الفساد واستخدام المال العام في دعم الإرهاب والإضرار بمصالح شعبنا من قبل بعض قيادات الحكومة اليمنية المتمردة على اتفاق الرياض”. وظل نشاط البنك المركزي اليمني منذ نقله إلى عدن في سبتمبر 2016 موضع خلاف دائم بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتهم الحكومة بطباعة أكثر من اثنين ترليون ريال يمني، دون وجود غطاء نقدي من العملات الأجنبية، الأمر الذي تسبب وفقا لبيان الانتقالي الأخير في “خلق حالة تضخم في الأسعار وتسبب في تدهور سعر العملة المحلية أمام الصرف الأجنبي”، في الوقت الذي يتهم فيه الانتقالي الحكومة وبالرغم من حيازتها لهذه المبالغ الضخمة بـ”عدم الإيفاء بالتزاماتها نحو المجتمع في محافظات عدن والجنوب، كتوفير الخدمات الضرورية من شراء قطع الغيار ووقود الكهرباء، كما لم تقم بدفع رواتب القوات المسلحة والأمن بانتظام وتخلفها عن دفع مستحقات ستة أشهر من عام 2017 وأربعة أشهر من عام 2020”. واتهم الانتقالي الحكومة بالإصرار على “إغراق السوق بعملة مالية دون غطاء، مع إهمال تنمية الموارد المحلية كالضرائب والجمارك وعوائد الاتصالات، ورسوم مرور الأجواء للطيران، وعوائد مبيعات نفط وغاز مأرب ومنفذ الوديعة”، إضافة إلى استمرار البنك المركزي في تحويل الأموال المالية إلى “بنوك مأرب وسيئون والحديدة في ظل امتناع بنوك هذه المحافظات عن تحويل إيراداتها إلى البنك المركزي بعدن”. الصراع الاقتصادي بين الشرعية والانتقالي ما زال في مرحلة جس النبض واختبار القدرة على تحصيل تنازلات وأدان البنك المركزي اليمني في وقت سابق قيام قوات تابعة للمجلس الانتقالي بالاستيلاء على حاوياته والتي كانت -بحسب بيان البنك- تتولى حمايتها وتأمين انتقالها من الميناء إلى المقر الرئيسي للبنك في عدن. وحذر البنك من المساس بالموجودات في هذه الحاويات، محملا مرتكبيها كافة النتائج والانعكاسات المترتبة على ذلك. وتوقع مراقبون أن يمتد الصراع السياسي والعسكري بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في حال فشلت جهود التحالف العربي في دفع الأطراف الموقعة على تنفيذ اتفاق الرياض لتنفذيه، إلى الجانب الاقتصادي من خلال سعي كل طرف لتجفيف مصادر تمويل الطرف الآخر. وعلى وقع الحرب الاقتصادية بين الحكومة والانتقالي، جدد وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي هجومه على المجلس الانتقالي، واصفا إقدام قوات للمجلس على الاستيلاء على حاويات تحتوي على العملة النقدية التابعة للبنك المركزي بأنه “استمرار لتمردها المسلح وانتهاج أساليب العصابات”. وقال الحضرمي في سلسلة تغريدات نشرها الحساب الرسمي لوزارة الخارجية على تويتر إنّ “استمرار الانتقالي في هذه الممارسات والانتهاكات بما فيها رفضه التراجع عن إعلانه ما يسمى الإدارة الذاتية يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنّه تنصل بشكل كامل من اتفاق الرياض مما يهدد بفشله تماما، وأنه لا يزال مصرا على تعطيل مؤسسات الدولة والبنك المركزي في عدن”. وطالب الحضرمي السعودية “الضامن لاتفاق الرياض إلى اتخاذ موقف واضح وصريح تجاه ممارسات ومخالفات ما يسمى بالمجلس الانتقالي، وتشدد على حقّها الدستوري وعلى قدرتها في التصدي لهذا التمرد بكل الوسائل المشروعة عسكريا وسياسيا وقانونيا وبكل حزم”. ورجّحت مصادر سياسية مطلعة أنّ يتم حل الخلاف حول الحاويات التابعة للبنك المركزي اليمني خلال الأيام القادمة، كما حدث في مرات سابقة، معتبرة أنّ الصراع الاقتصادي ما زال في مرحلة جس النبض بين الطرفين الموقعين على اتفاق الرياض وأن الأمر برمته في طور الضغوط والتلويح بأوراق القوة التي ستحدد طبيعة التنازلات التي سيقدمها كل طرف على طاولة تنفيذ اتفاق الرياض.