اليمن : هل تصعيد الحوثي تمهيد للحل؟
القول بأن اليمن وصل إلى منحدر خطير ليس تعبيراً عن نبرة تشاؤمية لكاتب المقال، وإنما يعبر عن واقع الحال كما هو من دون رتوش! فكل سنة تمر هي أسوأ من السنة التي قبلها، ما يتوجب على الأمم المتحدة البحث عن تعبير آخر غير المصطلح الذي باتت تستخدمه بأنها أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم، ومستمرة في ضراوتها ما جعل بيان مشترك أخيراً للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندرغ، ومنسق الشؤون الإنسانية لليمن، ديفيد غريسلي، إلى القول إن شهر يناير (كانون الثاني) 2022 سيحطم الأرقام القياسية فيما يتعلق بعدد الضحايا المدنيين، ليس على مستوى اليمن فحسب، بل تخطاه إلى خارج حدود البلاد، وفق البيان. لم يقتصر التدهور للحرب اليمنية في النطاق الإنساني فقط، بل أيضاً تعداه في المجال السياسي والجيو - استراتيجي هجوم الحركة الحوثية على الإمارات العربية المتحدة في أواخر يناير الماضي والذي استرعي اهتمام وسائل الإعلام، وتساءل البعض عما إذا كان الهجوم على أبوظبي له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأزمة اليمنية. وبينما رأى بعض المراقبين بعدم وجود علاقة مباشرة، نرى عكس ذلك بسبب توقيت الهجوم على أبوظبي الذي ارتبط بالانتصارات التي حققتها قوات العمالقة الجنوبية (التي يردف اسمها بـ«المدعومة إماراتياً» بانتهائها من عملياتها العسكرية المسماة «إعصار الجنوب» ضد الحوثيين، وقد تمكنت خلالها من تحرير مديريات بيحان وعسيلان وعين في محافظة شبوة وتأمينها لاحقاً بتحرير مديرية حريب جنوب محافظة مأرب، بعد أن تمكنت من دخول مركز المديرية بإسناد من مقاتلات تحالف دعم الشرعية في اليمن، فيما أفادت المصادر الميدانية بهروب عناصر الحركة باتجاه مديرية الجوبة غرباً ومديرية العبدية جنوباً، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام تحول ميداني واسع وفق ما يقوله مراقبون عسكريون. والسؤال المطروح هل أسباب وعوامل التقدم العملياتي يعود الفضل فيها إلى نوعية التسليح والتدريب لقوات العمالقة الجنوبية، أم أيضاً إلى أسباب أخرى؟ صحيح نوعية التدريب والتسليح كان لهما دور مهم في تفسير تلك الانتصارات والأداء في تنفيذ العمليات العسكرية، كما هو صحيح أيضاً أن «العمالقة الجنوبية» والمقاومة الجنوبية والمشاعر الوطنية والانتمائية لأرض الجنوب، كانت من العوامل في استبسالهم في المعارك لتحرير شبوة التي احتلت بعض مناطقها قوات الحركة الحوثية، ولهذا كانت المعارك بالنسبة لهم معركة تحرير لأراضيهم بخلفية أن ذلك قد يؤدي مستقبلاً إلى تحقيق تطلعاتهم المشروعة. ولا شك أيضاً أن الانتصارات التي تحققت في فترة التجزئة في حربي 1972 و1979 التي وصلت فيها القوات الجنوبية إلى مشارف صنعاء كانت ماثلة أمامهم. نفس المشاعر الوطنية هي ذاتها التي حفزت أبناء قبائل مأرب في الاستبسال في الدفاع عنها وجعلها عصية على الحوثيين الذين لم يتمكنوا حتى مطلع فبراير (شباط) من الاستيلاء على مدينة مأرب، الأمر الذي دفع الحوثيين للتغطية على هزائمهم وخسائرهم في جبهات القتال إلى التوجه باستهداف أبوظبي، وتكثيف هجماتهم على عدة مناطق في السعودية. أيضاً ومن حيث مطالبة أطراف عديدة بإعادة إدارة الرئيس جو بايدن تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية، فإنه يصعب الاعتقاد أن الإدارة الأميركية ستقوم بهذه الخطوة في المدى القريب، وذلك لسبب بسيط هو أنها تخشى أن يلقي ذلك القرار بظلاله على مفاوضات مؤتمر فيينا، إضافة إلى أن الإدارة الأميركية لا تريد العودة إلى مشاكل الشرق الأوسط بعد تركيز اهتمامها في مواجهة التحدي الصيني بالدرجة الأولى وحليفه الحالي الاتحاد الروسي، ناهيك عن موضوع انشغالها في الاستعداد للانتخابات المقبلة «للتجديد النصفي للكونغرس». لكن ماذا لو تم عرض الموضوع على مستوى مجلس الأمن الدولي بطلب وضع الحوثيين على لوائح الإرهاب الدولي؟ هل يمكن تصور احتمال حدوث ذلك؟ أم يصعب إمكانية حدوث ذلك في خضم أزمة أوكرانيا التي أظهرت عودة حرب باردة بصيغة جديدة بين المعسكر الغربي بشكل عام في مواجهة تحالف روسيا والصين؟ ألم تنتقد الأمم المتحدة على لسان الأمين العام بشدة قرار الرئيس ترمب بتصنيف الحوثيين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية بحجة أن ذلك سيعرقل إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها؟ قد يكون أحد عناصر الحل في موضوع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية الحل الذي تبناه مجلس الجامعة العربية، حيث أصدر المجلس قراراً في 23 يناير الماضي إثر اجتماعه الطارئ بخصوص الهجمات «الإرهابية» الأخيرة التي نفذتها «ميليشيا الحوثي» ضد الإمارات طالب فيه كافة «الدول بتصنيف ميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية» لكون ما قامت به يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتهديداً حقيقياً على المنشآت المدنية الحيوية وإمدادات الطاقة واستقرار الاقتصاد العالمي، كما تشكل تهديداً للسلم والأمن الإقليميين. ويلاحظ في هذا الصدد أن مجلس الجامعة طالب دول العالم أجمع بصفة فردية بتصنيف الحوثيين «كميليشيات إرهابية» وفي نفس الوقت دعا مجلس الجامعة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بـ«تحمل مسؤولياته واتخاذ موقف موحد وحاسم ضد الاعتداءات الحوثية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة» ولم يطالب بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية لعلمه صعوبة اتخاذهم موقفاً كهذا. التصعيد في الأزمة اليمنية ازداد تعقيداً بتوسيع أطراف الفاعلين في الأزمة بسعي طرف إقليمي آخر لأن يتدخل بشكل غير مباشر في الصراع الدائر في اليمن ليتمكن من خلاله تقليص وتحجيم نفوذ إيران وإحدى أهم أذرعها في المنطقة ممثلة بالحوثيين. في التطورات الأخيرة للأزمة أشارت الأنباء إلى قرار الولايات المتحدة الدفع بمدمرة مزودة بصواريخ موجهة، وطائرات مقاتلة متطورة للمساعدة في الدفاع عن دولة الإمارات بعد تعرضها مؤخراً لسلسلة من الهجمات الصاروخية من الحوثيين. وسيلاحظ في هذا الصدد بعد تحريك الولايات المتحدة تلك القوات للمساعدة في الدفاع عن أبوظبي، أن تراجع حجم التهديدات الحوثية المباشرة ضد الإمارات، لكنه في الوقت ذاته تولت جماعة عراقية غامضة بشن هجوم بطائرة مسيرة استهدف الإمارات مطلع فبراير الجاري وتم اعتراضها وفق ما ذكرته السلطات الإماراتية. أيضاً عاد الحوثيون مجدداً لمطار أبها الدولي بطائرة مسيرة في يوم الخميس الماضي، أدى لإصابة 12 مدنياً من عدة جنسيات بعد تناثر الشظايا نتيجة عملية اعتراضها من قبل الدفاعات السعودية. يرى بعض المراقبين والمحللين اليمنيين أن الإرهاب الحوثي يحتاج إلى القيام «بعمليات عسكرية حاسمة» بدءاً من استعادة موانئ الحديدة التي تستخدم كممرات لتهريب الأسلحة النوعية والطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية القادمة من طهران، إضافة إلى إطلاق مختلف الجبهات القتالية في آن واحد ما يصعب على الميليشيات مواجهتها جميعاً. فعلى سبيل المثال بإمكان قوات العميد طارق محمد صالح بقواته تولي موضوع تحرير الحديدة من جهة وقيام قوات «العمالقة الجنوبية بتحرير بعض الجيوب القتالية في المناطق الجنوبية، إضافة إلى تحريك وحدات المنطقة العسكرية الأولي التابعة للشرعية للقيام بمساندة وتحرير المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في مأرب. إن ممارسة الضغوط العسكرية وتوسيع نطاق جبهاتها من قبل قوات التحالف والشرعية تتوجب أيضاً كأمر لا مفر منه العمل على المستوى الدولي تبني خطاب واضح وصريح يطالب الحوثيين بالتخلي عن مغامراتهم العدوانية والهجومية على المناطق اليمنية وعلى السعودية والإمارات، وأنه من الأفضل لهم العمل على إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة الذي يمثل المخرج الوحيد أمامهم ولا حل لهم غير ذلك. مقالة الدكتور محمد عليً السقاف صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ ١٥/ ٢ /٢٠٢٢