لماذا يُعاقَبُ الجنوبيون؟
على مدى ما يقارب ثمان سنوات ظل أبناء الجنوب يفاخرون بقدرتهم على الانتصار للمشروع العربي الرافض للتمدد الفارسي في المنطقة العربية وتمكنهم خلال أقل من ١٠٠ يوم على إلحاق الهزيمة النكراء بجماعة الحوثيين وحلفائهم الانقلابيين، في يوليو العام ٢٠١٥م حينما اندحر آخر فرد من مليشيات التحالف الانقلابي من عدن وبقية محافظات الجنوب. لقد حمل هذا الانتصار عددا من الدلالات قد لا يتسع المجال لتعدادها ناهيك عن الخوض في تفاصيلها، لكن أهمها إن الجماعة الحوثية ومن تحالف معها ليست عصية على الهزيمة والانكسار، وثانيها أن نقص الإمكانيات المادية واللوجستية والقوة البشرية يمكن التعويض عنه بقوة العزيمة وإرادة النصر وثالثها أن للجنوبيين قضية تميز معركتهم عن معركة الآخرين مع الجماعة الحوثية وحلفائها وهذه القضية تمتد جذورها إلى العام ١٩٩٠م وما تلاه من حرب وغزو واجتياح واستباحة. ويوم اندحار قوات التحالف الانقلابي كان أقل الناس تفاؤلاً يتصورون أن أربع إلى خمس سنوات كافية لإعادة إعمار محافظات الجنوب وتعويضها عن الحرمان الذي تعرضت له على مدى عقدين من الاجتياح والاحتلال والتدمير وبنفس الوقت أبراز نموذج تتفوق فيه الشرعية على التحالف الانقلابي بقدرتها على الجمع بين معركة استعادة الدولة ومعرفة البناء. لم يكن سراً أن الجنوبيين يتمسكون بمطلب استعادة دولتهم بعد أن فشلت تجربة الوحدة المرتجلة في عامها الاول، وكان يكفي الجنوبيين التمسك بارضهم ورفض التعامل مع ورثة دولة ٧/٧ باعتبارها قوة غزو واحتلال حتى وإن كانوا يعيشون حالة النزوح عن عاصمة دولتهم، لكن أسباب يطول الحديث فيها كانت وراء تأجيل هذا القرار، كان أهمها الالتزام الأخلاقي تجاه الأشقاء في قيادة عاصفة الحزم، واعتبار هزيمة المشروع الانقلابي المدعوم من إيران أولويةً تسبق أية أولوية أخرى. * * * بعد خمسة أشهر سيكون قد مضى على انسحاب قوات تحالف الاحتلال والانقلاب ثماني سنوات بالكمال والتمام، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا جنى الجنوب والجنوبيون من ثمرات الانتصار على التحالف الانقلابي؟ لندع قضية استعادة الدولة وما يحول دون بلوغها من معوقات، ولنعد إلى السؤال الواقعي جداً وهو: ما الثمن المباشر لتضحيات الجنوبيين وأرواحهم التي ازهقت ودمائهم التي سكبت على محراب عاصفة الحزم وهزيمة المشروع الفارسي في الجنوب؟ إلا تساوي تلك التضحيات قيمة محطة كهرباء تضئ ظلام عدن وتخفف عن أهلها حرارة الصيف وحشرات وطفيليات الشتاء القاتلة والأوبئة التي تنتجها ؟؟!! ألا تستحق هذه التضحيات مكافأة تساوي شبكة مياه نظيفة وشبكة صرف صحي تعيد للمدينة روحها الحرارية التي سبقت بها شقيقاتها من مدن الجوار؟ لماذا يعاقب ابنا عدن ومعهم كل أبناء الجنوب بحرمانهم من ابسط متطلبات الحياة واهم شروطها ممثلة بالغذاء والماء والكهرباء والدواء؟ ولماذا يحرم الموظفون الحكوميون من المدنيين والعسكريين من مرتباتهم الشهرية وهي كل ما يبقيكم وأهلها على قيد الحياة؟ ألأنهم أخلصوا مع التحالف العربي وقدموا دماء وأرواح أبنائهم ووفروا عقداً من الزمن ليهزموا أنصار إيران في أقل من مائة يوم فقط؟ أم لانهم صدقو مع الشركاء العرب في مواجهة المشروع الإيراني ولم يتاجروا ولم يثروا ولم يبتزوا كما فعل آخرون؟ هل كان عليهم أن يتاجروا بالدعم العربي ويثروا من ورائه ليصبحوا مليونيرات كما فعل سواهم؟ أم كان عليهم أن يسلموا أرضهم للحوثيين ويساوموهم لابتزاز التحالف العربي وإجبار دوله على التفاوض مع أتباع إيران والقبول بمطالبهم وشروطهم المتعددة والمتقلبة؟ بالأمس استدعت دول التحالف العربي جزءً من حلفاء الحوثيين ومنحتهم رئاسة البرلمان و نصف مجلس الوزراء وربع المجلس الرئاسي وكل الساحل الغربي الذي ححره الجنوبيون ومعهم رجال المقاومة التهامية، ولم يعترض الجنوبيون ولم يذهبوا إلى اسطنبول او أنقرة ليفتحوا قنوات فضائية لا تهاجم إلا دول التحالف وتكتيكاتها. واليوم يتفاوض الأشقاء مع الحوثيين وسيقدمون لهم مرتبات قواتهم التي عاثت في الأرض قتلاً وفساداً ويفتحون لهم المطارات والموانئ لاستيراد الأسلحة والوقود والتزود بالطاقة والمؤن ، بينما لا يزال ميناء ومطار عدن تحت الحصار ومصفاة عدن معطلة والجنوبيون بلا مرتبات لم يسلم لهم لا بموجب كشف ٢٠١٤ ولا حتى بكشف ٢٠٠٠م وكل الجنوب بلا خدمات لا صحية ولا تربوية ولا بلدية ولا مياه شرب، فلماذا يكافأ المعتدون و المتخاذلون ويعاقب الصادقون والمخلصون؟ إن ما تعيشه عدن وكل محافظات الجنوب من حرب خدمات وحرمان وتجويع ليس فعلا ولا عجزا في الموارد ولا سوء إدارة بل إنه سياسة عقابية مقصودة وممنهجة يمارسها الشرعيون الجدد الذين هربوا من معرفتهم مع الانقلابيين أتباع المشروع الإيراني، وجابوا لينتقموا من الجنوب والجنوبيين. ويظل السؤال: لماذا وحتى متى يستمر عقاب الجنوبيين؟