حينما تغدو الحياة جحيماً لا يُطاق

حكّ جلده بشدّة حتى احمرّ .. بدت القروح بادية على ظهره العريض، تنقّط قميصه بقطرات من العرق والدم، أُسدل الستار على يوم من الحر، أكلت انقطاعات الكهرباء ما تبقى من طراوة الجلود وعاونها البعوض الأسود، تقرّح جلده وجلد زوجته وأطفاله الصغار، لم يدرِ كيف يواجه هذا الحر اللعين، لم يدَع لفظة في قاموس الشتائم إلا وانهال بها على مسئولي الحكومة في دولته الفاشلة.

أهل الحي بادلوه بالهم هماً، وسكان العمارة التي يقطنها يتعاركون على السطح لينعم كل منهم ولو بنسمة صافية في هذا السكون المميت، نظر الأطفال بعيون غالبها النعاس، بينما نظر الكبار إلى بعضهم البعض بنظرات مسعورة، ألقى بنظرات الحقد التي تتطاير من حدقاتهم شرراً تحت رجليه التعيستين وواصل مشوار العذاب الذي يلاقيه، تمنى أن يركلهم في مؤخراتهم، مثلما كان أبوه يفعل به في صغره، لكنه تماسك بشدة رغم الألم.

صبر على حالته تلك طوال الليل، وسط زعيق الصغار وولولة النساء حتى صدحَ صوتُ أذان الفجر في أرجاءِ الكون الفسيح، ذهب الناس للصلاة بينما وقف صامتاً، ثم أشعلَ سيجارة !! نفث دخانها الثخين بهموم ناءت بحملها جبال قريته الريفية التي يتمنى اليوم أن يعود إليها، كارهاً المدينة وحياة المدينة البغيض.

أحسّ بأنه قد أصبح وحيداً بالرغم من هيجان الحياة من حوله، أمسٌ قد مضى، واليوم لم يطرأ أي تغيير ذي بال، ولا شكّ أن غداً سيكون كسابقه، وهكذا تمضي حياته بيوم منسوخ مئات بل آلاف المرات، كم صارع متاهات الحياة، صارع العيش المرير، صارع الوقت وصارع الكهرباء التي قلبت حياته جحيماً.

حاول أن يتحلى بالأمل ويرفس اليأس، لكن محولاته كلها باءت بفشل ذريع، وفي نهاية الأمر استسلم للواقع، شعر بجيوش اليأس تجتاح نفسه الكليل، ، أما غيره فقد سلكوا طرقاً أخرى لا تقل غواية عمّا يعانونه من حياة بائسة لا ترحم.

مقالات الكاتب