أزمة المناخ وتبعاته علي العرب
باقتراب موعد عقد مؤتمر جلاسكو 26 في اسكوتلندا في نهاية أكتوبر حتي مطلع نوفمبر ، عقد قادة دول مجموعة العشرين السبت الماضي اجتماعهم في روما تمهيداً لتحديد مواقف المجموعة من أزمة المناخ ومن حسن الطالع ان المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين ، في حين من المتوقع مشاركة الدول العربية الأخرى بحكم عضويتها في الأمم المتحدة حضور مؤتمر جلاسكو الذي دعت الي عقده المنظمة الدولية فالتغير المناخي يشكل تحدياً عالميا علي العالم قاضبة لا يستثني أحد من تداعياته الكارثية البيئية والأقتصادية والأنسانية. والاختلاف في أثار تداعيات أزمة المناخ تختلف حسب قدرات الدول في معالجته ومواجهته ، ويقر الكثيرون ان الدول النامية وفقيرة الموارد هي التي ستتضرر اكثر عن بقية الدول الصناعية المتقدمة ، وهذا ما أقره مؤتمر قمة المناخ الأول ( كوب 21) الذي انعقد في باريس عام 2015 يشكل مؤتمر غلاسكو أول قمة تراجع مدى التقدم الذي تم احرازه او العراقيل التي واجهته في تحقيق الأهداف التي نص عليها مؤتمر باريس للمناخ المشار اليه الذي حددت اتفاقيته الأهداف الرئيسية التي يتوجب علي جميع الموقعين عليها لتفادي كارثة تغير المناخ العمل علي تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة ، وزيادة انتاج الطاقة المتجددة ، والحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية الي “ اقل بكثير “ من 2 درجة مئوية مع وضع هدف إيصالها الى 1.5 درجة مئوية والالتزام بضخ مليار دولار لمساعدة البلدان الفقيرة علي التعامل مع تأثير تغير المناخ. وتشير احصائيات مشروع الكربون العالمي 2020 حول الانبعاثات الكربونية ان الدول الصناعية الكبري تحتل المرتبة الأولى تختلف ترتيبها في الصدارة من سنة الى اخري بين الولايات المتحدة والصين ، تليهما دول مثل روسيا ، اليابان ، الهند ، المانيا ، بريطانيا وكوريا الجنوبية. وقد أظهرت دراسات وتقارير دولية حول دور الطاقة الحفورية ( مثل النفط ، والغاز ، والفحم } في ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يستتبعها من تغيرات مناخية مما يستدعي الأمر الي اهمية توجه تلك الدول نحو طاقة نظيفة ومتجددة مثل الطاقة ( الشمسية ، والرياح ، والمياه، وانتاج الهيدروجين الأخضر ) ومن المعلوم ان أغلب الدول العربية النفطية وفق أحصائيات منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفظ ( الأوابك ) أكثر من 57 بالمائة من الأحتياطي العالمي للنفط ، كما تمتلك أكثر من 26 بالمائة من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي. التقارير المهولة والدراسات العديدة الصادرة من عدة مراكز ابحاث للطاقة في انحاء العالم تتناقض وتبالغ البعض عن الأخرى ومن بينها كلها نشير الي تقرير الوكالة الدولية للطاقة التي تتبع منظمة التعاون الأقتصادي والتنمية في باريس التي اصدرت تقرير في 26 مايو الماضي وضع عدة سيناريوهات من اجل التوصل الى “ تحييد “ الانبعاث الكربوني من الان حتي عام 2050 من اجل تخفيض الحرارة الي 1.5 درجة والذي وصفت مجلة التايمز الامريكية بانه يغلب عالم النفط رأساً علي عقب ! وهنا تجدر الأشارة والتعريف بوكالة الطاقة الدولية لا اتذكر شخصياً عند أعدادي في كتابة رسالة الدكتوراة في السوربون عن منظمة الأقطار العربية للنفط تصريح مريب مفاده “ اننا سنجعلكم يا عرب تشربون نفطكم “ في المستقبل هل صدر هذا الكلام السخيف حينها من هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة ام من مدير وكالة الطاقة الدولية حيث كان تأسيس الوكالة جاء بمبادرة كيسنجر الذي بررها بانه يجب ان تكون منظمة مضادة لما اسماه “ الكارتل البترولي العربي “ وهذا التوصيف يستخدم ايضاً ضد منظمة الاوبك الدولية التي تضم دولاً نفطية اخري غير عربية. تم كل هذا في سياق مواجهة “ الحظر النفطي العربي “ الذي تزامن مع حرب اكتوبر 1973 وبناءآ عليه اسست وكالة الطاقة الدولية التي تضم الدول المستهلكة للنفط. والمدهش الان ان الوكالة عملت حينها على ان تعمل الدول الاعضاء فيها علي تخزين النفط بمتوسط كميات الاستهلاك علي المستوي الوطني لعدة اشهر في حين الان مع أزمة المناخ تدعو االوكالة بعدم الاستثمارفي مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط والغاز والتحول اليالاستثمار الي الطاقة النظيفة والأدهي ما في الأمر ان احدي الشركات النفطية الكبري الاوروبية أظهر تقرير استقصائي في التلفزيون الفرنسي انها كانت تعلم منذعام 1971 تداعيات النفط والغاز علي البيئة ولكنها استمرت مع ذلك في انشطتها لاستخراج النفط والغاز في معظم دول العالم بل والاكثر غرابة انها وقعت مؤخراً عقد استخراج النفط في احدي الدول العربية بعقد يتجاوز عشرات مليارات الدولارات وهي صفقة كبيرة تساهم دعم الاقتصاد الوطني لتلك الدولة الاوروبية. وتبنت المملكة العربية السعودية موقفاً رياديا من بين الدول المنتجة للنفط بل ايضا علي مستوي دول الجنوب في علاقته مع دول الشمال وذلك عبر عدة مبادرات واحتياطات اتخذتها مبكرا وبشكل احترازي اولي هذه المبادرات هي رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 الذي تحدث عنها باسهاب ولي عهد المملكة الامير محمد بن سلمان في لقائه التلفزيوني في ابريل الماضي بالتوجه الي تنويع مصادر الدخل غير البترولي واطلاقه مؤخراً في 23 اكتوبر الماضي خريطة طريق لحماية البيئة التي تمثل النسخة الأولي للمنتدي السنوي ل “ مبادرة السعودية الخضراء “ التي أكد فيهاالامير محمد بن سلمان البدء المرحلة الأولي من مبادرات التشجير بزراعة أكثر من 450 مليون شجرة ، وإعادة تأهيل 8 ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة ، وتخصيص أراضي محمية جديدة ، ليصبح إجمالي المناطق المحمية في المملكة أكثر من 20 في المائة من إجمالي مساحتها، ويعتبر هذا مشروع طموح من حيث ان إجمالي مساحة السعودية تبلغ 2.150 مليون كيلو متر مربع. ومن جهة اخرى اعلن ولي العهد السعودي في 25 اكتوبر الماضي عن مبادرات الحقبة الخضراء للشرق الاوسط بتأسيس صندوق للأستثمار في حلول تقنيات الآقتصاد الدائري للكربون في المنطقة ، ومبادرة عالمية لتقديم الوقود النظيف لتوفير الغذاء لاكثر من 750مليون شخص بالعالم ، بتكلفة 10.4 مليار دولار ستساهم السعودية في تمويل نحو 15 في المائة منها وأشادت السيدة أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة في كلمتها خلال قمة مبادرة الشرق الأوسط بمساعي قادة المنطقة وخاصة المملكة العربية السعودية التي تقود الجهود لتحقيق الأهداف العالمية ومكافحة تغير المناخ ، واستطردت بالقول ان المبادرة تم تصميمها بحيث لا تساعد فقط في تقليل الانبعاثات من صناعة النفط والغاز في المنطقة ، لكنها ستخلق أيضاً مصارف كربون جديدة وتساعد علي استعادة وحماية مساحات شاسعة من الأراضي من خلال التشجير ، واشارت بهذا الصدد إلي أن الطموح لزراعة 50 مليار شجرة مثير للإعجاب حقا ، وسيكون له العديد من الفوائد المشتركة للناس ونوهت في مطلع كلمتها الي نقطة هامة بالقول ان التحول لبلدان الشرق الأوسط من الوقود الأحفوري سيكون بلا شك تحديا ذا أبعاد ملحمية ، ويتطلب استثمارات موسعة وموجهة لدعم أولئك الذين سيتأثرون بشكل مؤقت. وهنا في الخلاصة نود القول والتقدم بأقتراح لوبادرت جامعة الدول العربية العمل علي تأسيس صندوق للبيئة للعالم العربي يسهم بمساعدة الدول الفقيرة ومحدودية الموارد بتمويل مشاريع للطاقة النظيفة تساهم الدول النفطية في توفير موارده كاحد أوجه التضامن والتعاضد بين الدول العربية وهو أيضاً كما اشار احد الكتاب الغربيين بخصوص التزام الدول الصناعية بنحو مليار دولارسنويا لمساعدة الدول النامية ليست هبة وكرم منهما وانما هو التزام اخلاقي دولي يسعي الي حماية كوكبنا من تدهور احواله البيئية فهل تقتدي الدول العربية بالفكرة ذاتها وتحصن المنطقة العربية من تداعيات أزمة المناخ ؟